قراءة في كتاب ( نهاية الغرب) لمؤلفه : باتريك جي بوكانن

أربعاء, 01/04/2020 - 21:00

تلخيص و ترجمة : أ. عبدو سيدي محمد

يقع الكتاب في 319 صفحة مفسمة على 9 أبواب تبدأ بالأخطار التي تهدد الجنس البشري مرورا بمحطات متنوعة بين البيولوجيا (معدل الخصوبة) و الدين (حرب طوائف الكنيسة المسيحية ) و التاريخ (الحرب الأهلية ) و السوسيولوجيا (الهجرة) و علم الإحصاء (توقعات تعداد السكان ) و القانون (حريات الإجهاض و التعبير و الاختيار ) و أخيرا الفهرس و المراجع

استهل المؤلف الكتاب باقتباسات شيقة لعباقرة الأدب الإميركي ( الحرب ليست هي نهاية العالم بل الانقراض )  تي.إس إليوت 

أطروحات سوسيولوجية حول علاقة الأسرة بالمجتمع (فالإنسان يموت لكن الحضارة لا تختفي او تنتهي رغم الجهل و الفقر تبقى الأسرة هي القاعدة الأساسية الثابتة و المتجددة للحياة لذا يجب تشجيعها أي الأسرة و تقويتها و توسيعها ) ستورم جيمسون

ينقل المؤلف بأسلوب مميز و جذاب الثورات ضد  الكنيسة  و إنقراض الأسرة الذي يؤدي إلى تلاشي المجتمع و الحضارة معلومات و أحداث تمتاز بالسرد لتناقضات و متناقضات الحياة الغربية و تطورات الثورات الثقافية و الإجتماعية في المجتمع الإميركي و الصراع المرير بين الأصالة و المعاصرة (المحافظون والليبراليون )  و بين الفقراء و الأغنياء (الرأسمالية و الشيوعية) 

يرى المؤلف أن سقوط الشيوعية الماركسية و الثورة ضدها راجع إلى الأسس و القواعد التي بُنيت عليها التي تعتمد على الأكاذيب و الزيف و التخدير لكن سقوط الغرب و نهايته لن تكون عبر التمرد و الثورة بل من خلال إنقراض السلالات البشرية و تلاشي الحضارة  و فناء و نهاية   الأسرة التي أصابها العقم و عجزت عن التكاثر و الإنجاب

النمو الديموغرافي مؤشر هام في استمرار الحياة الأسرية مثلا في العام 1960م كان مجموع سكان أوروبا مجتمعة مع الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و استراليا حوالي 750 مليون نسمة رغم تضاعف حجم نمو السكان العالمي إلى 6 أضعاف إلا ان الغرب في تراجع كبير مما ينذر  بخطر الاندثار تشير التوقعات إلى تزايد سكان الكرة الأرضية إلى قرابة 9 مليارات نسمة بحلول العام 2050م لكن قرابة 50% من النمو الديموغرافي ستكون في أسيا و إفريقيا و أميركا اللاتينية 

حسب إحصائيات 2000م  تعداد سكان أوروبا بما في ذلك ايس لاندا و روسيا حوالي 728 مليون نسمة في الوقت الراهن و بدون احتساب مواليد المهاجرين فعدد السكان قد يصل إلى 600 مليون نسمة في العام 2050م  

تعتبر أوروبا من الأمم الأقل خصوبة و إنجاب و تحتل الرتبة 18/20  بمعدل خصوبة   1.4 طفل لكل إمرأة بدل 2.1 طفل / إمرأة  و هو المعدل الطبيعي و من المتوقع ان يصل تعداد السكان إلى 207 مليون نسمة في نهاية القرن 21 بمعدل تراجع يقدر ب 30% مقارنة بالوضع الحالي 

إحصائيات : 

1 / ألمانيا

توقعات العام 2050 م : 

  • سيختفي قرابة  23 مليون نسمة من الألمان 
  • سينخفض  عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 59 مليون نسمة 
  • يقدر عدد الأطفال تحت سن 15 ب 7.3 مليون طفل
  • حوالي ثلث السكان فوق سن 65  
  • معدل الولادات 1/150 من سكان المعمورة
  • حسب تقرير للأمم المتحدة مع نهاية القرن 21  سينخفض عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 38.5 مليون نسمة بمعدل تراجع يتجاوز 53%

2 / إيطاليا 

من المتوقع في العام  2050 م :

  • أن يتراجع عدد سكان إيطاليا إلى حوالي 41.4 مليون نسمة بدل من 57 مليون نسمة 
  • 2 %  من السكان تحت سن ال 5  بينما 40 % فوق سن 65
  • تراجع معدل الخصوبة إلى 1.2 طفل / لكل إمراة

في جمهورية التشيك و رومانيا معدل الخصوبة يصل إلى 1.07 طفل / إمراة 

أما في أسبانيا فمن المحتمل تراجع عدد السكان خلال 50 سنة القادمة بنسبة 25 % في العام 1950 كان عدد السكان الإسبان 3  أضعاف سكان المغرب من المتوقع  بحلول العام 2050 ان يصل عدد المغاربة  إلى 50 مليون نسمة

روسيا أيضا هي الأخرى تشهد تراجعا في معدلات الخصوبة حوالي 1.35 طفل / إمراة و من المتوقع أن ينخفض عدد سكان روسيا من 147 مليون نسمة إلى 114 مليون نسمة بحلول العام 2050 م 

كما سينخفض معدل نسبة الشباب تحت سن ال 15 من 26 مليون نسمة إلى 16 مليون نسمة  بينما يرتفع عدد معدل المسنين من 18 مليون نسمة إلى 28 مليون نسمة 

كما تسجل روسيا أكبر معدل لعمليات  الإجهاض في العالم 2.4 / 4 أي (2.4  إجهاض من 4 حوامل) مما يرفع معدل وفيات الولادات إلى 70 %

أما في بريطانيا فمعدل الأقليات من المهاجرين يمثل 40 % من إجمالي السكان 

معدل الخصوبة في بريطانيا في حدود 1.66 طفل / إمراة

من بين الدول الأقل إنجابا في العالم لا توجد إلا دولتين خارج أوربا هما اليابان و ارمينيا 

شهدت اليابان تراجعا كبيرا في معدل الولادات تجاوز نسبة 50 % عن ما كانت عليه في العام 1950م حيث كان عدد السكان 127 مليون نسمة و من المتوقع ان تصل إلى 104 مليون نسمة بحلول العام 2050 م

إحصائيات سكانية متوقعة للعام 2050 م : 

  1. أفريقيا  1.5 مليار نسمة 
  2. الوطن العربي و تركيا 500 مليون نسمة 
  3. جنوب أسيا 700  مليون نسمة ( إيران ، أفغانستان ، باكستان ، بنجلاديش )
  4. الهند 1.5 مليار نسمة 
  5. اندونيسيا 300 مليون نسمة 
  6. روسيا 114 مليون نسمة

كان العصر الذهبي للزواج في الفترة ما بين 1945م و 1965م بعد ذلك و نظرا لظهور موجات التحرر و حرية التعبير و الاختيار و مظاهر الحياة المدنية الحديثة تقلص معدل الزيجات إلى أدنى مستوى للأسباب التالية : 

  1. النمط الجديد لظروف الحياة الإقتصادية و التحول من حياة الأسرة الريفية المشتركة إلى الاقتصاد الصناعي 
  2. نهاية مفهوم (الأسرة الريفية العاملة) كمؤشر لبداية عصر الثورة الصناعية 
  3. هستيريا النمو الديموغرافي و ظهور حركات تطالب بالحد من الكثافة السكانية و تحديد النسل  (1970 / 1960)
  4. الحركات النسوية لتحرير المرأة التي تطالب بحرية قرار أختيار المرأة و شرعية الإجهاض التي تعتبر رمزا من رموز و أساليب حياة المرأة العصرية 
  5. الثقافة الشعبية التي ترى ان المتعة الجنسية أهم من سعادة الشعور بالأمومة و استغلال وسائل الإعلام للترويج لهذه الفكرة كشرط جديد لحياة المرأة العصرية 
  6. انهيار القيم الأخلاقية أمام المغريات و الملذات المادية 

غزو المهاجرين : 

ارتفاع معدل موجات المهاجرين ففي العام 2000م شهدت بريطانيا 185.000 مهاجر  مع مجموع ما يقارب نصف مليون مهاجر غير شرعي (الهجرة السرية ) إلى أوروبا في العام 1999م

مقارنة إحصائية  للسكان  : 

 1 /  أسيا الوسطى : 

الدولة                           عدد السكان  2000 / مليون                         عدد السكان  2050 / مليون

افغانستان                             22.7                                                     44.9

كازاخستان                          16.2                                                     17.7

اوزباكستان                         24.3                                                     33.4

كيرجاخستان                        4.7                                                      6.1

طاجكستان                          6.2                                                      8.9

تركمانستان                         4.5                                                      6.3

المجموع                         78.6                                                       117

 2 /  الخليج الفارسي : 

الدولة             عدد السكان  2000 / مليون                         عدد السكان  2050 / مليون

 العراق                         23.1                                                 41.0

إيران                            67.7                                                94.5

المجموع                        90.8                                                135.5

 3 / الشرق الأوسط : 

الدولة                            عدد السكان  2000 / مليون                     عدد السكان  2050 / مليون

إسرائيل                                 6.2                                           8.3

الاردن                                  6.7                                           12.1

مصر                                 68.7                                           95.6

سوريا                                 16.1                                          26.3

لبنان                                    3.3                                           4.4

السعودية                             21.6                                           40.0

المجموع                             122.6                                         186.7

مفهوم الأمة :  

( البعض يرى ان تعريف الأمة هو شعب واحد تجمعه روابط  مشتركة كالدم و اللغة و الأدب و التاريخ و التقاليد و العادات و الدين و عاش أي الشعب منذ أزمة مريرة على نفس الرقعة الجغرافية  و خاضع لنفس الحكام ) (ص 144)

  (ص 144)

الحروب الدينية الكبرى و صراع  التاريخ الجديد :

في الفترة ما بين العام 1914 و 1918 دارت حروب شرسة بين الفرنسيين الكاثوليك و النمساويين الكاثوليك من جهة و من جهة أخرى بين  البروتستانت الألمان و البروتستانت الانجليز  النتيجة 10 ملايين جندي لحقوا حتفهم في حرب المعتقدات الدينية و كانت تلك بداية اختصار الديانة المسيحية في الغرب و قطع الروابط بين الثقافة و الدين

الصراع مع الماضي و الثورة ضد نفوذ و سطوة الكنيسة من الممهدات المباشرة للثورة  الفكرية الاجتماعية ( نسيان و تدمير الماضي و تعميم ثقافة تجهيل الشعب الذي بلا ماض و لا تاريخ من هم و من أين جاءوا ) (ص 158)

 ( الخطوة الأولى لتمييع الشعوب هي مسح الذاكرة تمزيق الكتب و القضاء على الثقافة و التاريخ  ثم اكتب التاريخ من جديد و ابني الثقافة التي تريد و أسرد التاريخ كما  شئت)  اقتباس من كتاب ( الضحك و النسيان ) للمفكر ميلانز كونديرا

 ( يجب أن يترعرع الأطفال على حب الوطن و الافتخار بتاريخ وطنهم  ) (ص 173)

 ( الأمم بلا دين في النهاية ستجد نفسها بلا قيمة في الحياة ) تي.إس إليوت (ص 190)

( الثقافة هي الصورة الخارجية الناصعة للدين ) هنري فان تيل عالم ثيولوجيا (ص211 )

(هذا الوطن رائع للغاية لم استوعب ماذا دهاه) جاك نيكولسون(ص 238 )

( هذا العالم مكان ساحر و جذاب يستحق التضحية من اجله) ايرنيست هيمينج اوي (ص 238 ) كتاب ( لمن قرع الأجراس)

 ( الشعوب و الحضارات و الدول تموت و  تنتهي بعدة طرق منها الفتوحات بحد السيف أو تمتصها الإمبراطوريات او تختفي و تندثر مثل الاتحاد السوفييتي و يوغسلافيا و تشيكوسلوفاكيا  و هذا ما يطلق عليه الأمم المصطنعة .....  الدول و الحضارات قد تتحول بالكامل مثل ما حدث في الجزيرة العربية بعد  بعثة محمد و في ايس لاندا مع سانت باتريك) (ص 238 )

( عندما كان الألمان على مشارف موسكو لاحظ ستالين ان من يدافعون عن الثورة البلشفية يعدون على رؤوس الأصابع لكن الروس سيحاربون من اجل وطنهم الأم  الوطنية تحمي و تحي الأوطان لكن مفهوم الوطنية في اميريكا مغتصب من طرف ما يسمى بحرب دعاة الثقافة  )  (ص 248)

(حلم بناء امة دينية على أسس و  معايير الإنجيل صار من الماضي لان القانون و الدستور يحرم ذلك هذا هو الثمن الباهظ للسلام في الحرب الثقافية الملايين من المسيحيين هم من يدفع الثمن .... المجتمع غارق حتى الودجين في الملذات الجنسية و المثلية بمباركة رجال الكنيسة  ... بالنسبة للأغلبية الصامتة الحكومة غير شرعية  ) (ص 248) ( لن تنتهي الحرب الثقافية حتى تقضي علينا )( ص 263)

الخلاصة :

الكتاب شيق و ممتع و يمتاز بأسلوب لغوي يمزج بين سلاسة اللغة و انسيابية الأفكار كما يحتوي على مواد  و معطيات في غاية الأهمية و العلمية و هو منهل علم و منبع لا ينضب للطلاب و الباحثين و المهتمين بعلم الاجتماع و التاريخ و الإحصاء الفكرة الجوهرية للكتاب هو دق ناقوس الخطر لتراجع النمو الديمغرافي و معدل الولادات في الغرب 

الفترة  ما بين (1960 / 2000) أخذت أوربا منحنى أميركا وتراجع معدل الولادات بشكل غريب :

  • في كندا من معدل 4 % إلى 31 %
  • بريطانيا من معدل 5 % إلى 38 %
  • فرنسا من معدل 6 % إلى 36 %

( ليس بمقدور الساسة إخراج الغرب من هذه الكارثة لأنها  ليست أزمة مادية بل أزمة روحية )

( ص 263) ( عند غياب رقابة الدولة فإن الرقابة الاجتماعية المعنوية إلزامية)(ص 273) ( مصطلح " الديمقراطية " مثلما قلت مرارا و تكرارا هو مفهوم خالي من المعنى و المحتوى و لا يستطيع الصمود في وجه الإكراهات ) تي اس اليوت (ص 278)

يطلق الكتاب صرخة نجدة للوضع الكارثي للمجتمع الغربي و الذي يهدده بالاندثار كما يسرد الأسباب و العوامل التي ساهمت بشكل مباشر في تراجع معدل الخصوبة و الإنجاب و إصابة الغرب بالعقم منها أسباب ذاتية و موضوعية و اقتصادية و سياسية و يبرز خطر انعكاسات الثورة الصناعية و نمط الحياة المادية المترفة التي لا تقيم وزنا للقيم الدينية و الروحية و التاريخية و الاجتماعية و تعتبر الرفاهية المادية و إشباع الغرائز هي أساس الحياة

ان نمط الحياة العصرية الغربية التي افرزتها الثورة الصناعية و غيرت أسلوب و طبيعة الحياة الأسرية كانت السبب المباشر في أزمة تقهقر معدل النمو السكاني مما ولد طفرة سكانية في أعداد الوافدين و المهاجرين ان السياسات الحكومية المبنية على الانفتاح و الحرية الشخصية في التعبير و الاختيار و كذا القوانين المساعدة في الانحراف ( الإجهاض , المثلية و الزواج المثلي)  كما ساعدت الحرب الثقافية في فقدان الهوية و الصراع مع الماضي المجهول بالنسبة للأجيال الصاعدة  التي تربت على إيقاع الموسيقى و الإشهارات الإعلانية الدعائية في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها

من اجل العبارات العميقة المعبرة التي أثارت انتباهي و لخصت فكرة الكتاب هي  ( اميركا ليست بحاجة إلى عمال هي بحاجة إلى أطفال )