مظاهر و مخاطر الفساد على تنمية و استقرار البلدان / أبايه ولد أوداعه

اثنين, 01/04/2024 - 17:21

إسهاما منا في إثراء الساحة الفكرية والثقافية من خلال التعاطي مع القضايا الوطنية والشأن العام عبر نقاشات منصة ملتقى الرأي ذات البعد الوطني الواسع والكبير في صناعة الرأي والأفكار  حول موضوع نقاش : ( الفساد و عقلية الموظف و تأثيرها علي الأداء الإداري ) ارتأيت أن أشارككم النقاش من زاوية أكثر شمولية تحت عنوان: مظاهر و مخاطر الفساد علي تنمية و إستقرار البلدان.
لا شك أن اكبر عائق ابسيتيمولوجي نحو الإنطلاق الفعلي الي اصلاح شامل هو الفساد  في كل تجلياته و السياسات الخاطئة للحكومة، حيث إن الإصلاح نقيض الفساد بل هو العلاج الأنجع في حالة استشراء الفساد والسبيل الأمثل للقضاء عليه.
والإصلاح  مفهوم واسع يشمل جميع جوانب الحياة التي يمسها الفساد، فهناك الفساد السياسي والقانوني و الإقتصادي و الإجتماعي و الإداري.
وقد ورد لفظ الإصلاح في القرآن الكريم عدة مرات باعتباره نقيض الفساد لقوله تعالي (الذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون  ..) وقوله تعالي ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ..)، كما أن الإصلاح هو القاعدة والفساد هو الإستثناء لقوله تعالى: ( ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ..)، في حين بين القرآن الكريم خطأ الذين يظنون أنهم مصلحون  وفي الحقيقة انهم مفسدون  في قوله تعالى: ( واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).
بينما يعرف الفساد لغة بأنه نقيض الإصلاح ويراد بهذا الاصطلاح  خروج الأشياء عن الإعتدال سواء كان خروجا بسيطا أو شديدا.
كما يعرف اصطلاحا بأنه إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة التي أؤتمن  عليها الشخص لتحقيق مصالح شخصية، كما يوصف ايضا بمعنى آخر  بانه انحراف سلوكي او تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة و المحاباة.
شكلت مخلفات عهود الأنظمة السابقة في مجال الفساد تركة ثقيلة شملت جميع مناحي الحياة الاقتصادية و السياسية والاجتماعية لامست في عمومها مقاصد الآية الكريمة ( ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ..) صدق الله العظيم، لدرجة أن الفساد أضحى ثقافة و ممارسة سائدة داخل المجتمع و هواية متأصلة لدى النخب الوطنية في ضوء لوبيات متحكمة داخل  مفاصل الدولة.
إن من بين جملة الأسباب والعوامل التي كانت وراء الانتشار الواسع لهذه الظاهرة التي اعاقت النهوض بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلد و ساهمت في تقويض مفهوم الدولة وعرقلة جهود التنمية و إعاقة المنجز و المأمول من المشاريع الوطنية الخدمية والانمائية، و كرست الفوارق الاجتماعية من خلال الغبن والتهميش كادت ان تلقي بظلالها على التعايش والسلم الأهلي، مايلي: 
1 - الملاحظ أن المتغير الثابت في أطراف النخبة السياسية الحاكمة le système منذ قيام الدولة المركزية حتى الآن هو رأس النظام أو السلطة فقط.
2 ‐ غياب إرادة وطنية صادقة لمحاربة الفساد.
3 ‐ ضعف سيادة القانون.
4 ‐ جشع المال والرغبات.
5 - نفوذ القبيلة والجهة.
6 ‐ احتكار الفساد ضمن طائفة من (المحظوظين) ذوي القرابة و النفوذ.
7 ‐  عدم قيام الجهاز الرقابي بالدور المنوط به و ازدواجية التعامل المتبعة.
8 ‐ الإفلات من المساءلة و العقاب.
9 ‐ تسييس قضايا الفساد من خلال تصفية الحسابات ّ
10 ‐ النفاق السياسي وتكريس الحكم الأحادي 
11 ‐ غياب الوازع الديني والحس الوطني.
12 ‐ تعطيل و تسييس دور الأسرة القضائية.
13 ‐ تدني الأجور وارتفاع الأسعار.
14 ‐ غياب استراتيجية وطنية ناجعة  في هذا الشأن.
حيث يمثل الفساد تحديا خطيرا في وجه التنمية.
فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية و الحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية.
أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة و يشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي كما يؤدي إلى:
1 ‐ تشويه الدور المطلوب من الحكومة بشأن تنفيذ السياسة العامة للدولة و تحقيق مستهدفات خطط التنمية.
2 - انهيار و ضياع هيبة دولة القانون و المؤسسات بما يعدم ثقة المواطن فيها.
3 - إضعاف كل جهود الإصلاح المعززة للديمقراطية و قيم النزاهة بما يتزعزع معه الإستقرار السياسي.
4 - إقصاء الشرفاء و الأكفاء من النخب الوطنية و أصحاب الخبرة و المؤهلات من الوصول إلي المناصب القيادية مما يزيد من حالات السخط بين الأفراد و عزوفهم عن التعاون مع مؤسسات الدولة.
5 -- إعاقة و تقويض كافة الجهود الرقابية علي أعمال الحكومة و القطاع الخاص.
بينما يؤدي الفساد علي الصعيد الإقتصادي إلى: 
1 ‐ إعاقة النمو الاقتصادي مما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية على المديين الطويل و القصير. 
2 -  إهدار موارد الدولة أو على أقل تقدير سوء استغلالها بما يعدم الفائدة المرجوة من الاستغلال الأمثل.
3 - هروب الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية لغياب حوافزها.
4 - إضعاف الإيرادات العامة للدولة نتيجة التهرب من دفع الرسوم الجمركية و الضرائب باستخدام و سائل الإحتيال والالتفاف على القوانين النافذة.
5 ‐ تدني كفاءة الاستثمارات العامة و إضعاف مستوى الجودة في البني التحتية الأساسية بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات و المعايير القياسية المطلوبة.
بينما يؤثر الفساد و يتسبب على المستوى الإجتماعي في : 
1 - انهيار النسيج الاجتماعي و إشاعة روح الكراهية بين طبقات و فئات المجتمع نتيجة عدم العدالة و المساواة وتكافؤ الفرص.
2 - التأثير المباشر و غير المباشر لتداعيات الفساد الاقتصادية و السياسية على إستقرار الأوضاع الأمنية و السلم الاجتماعي.
أمام هكذا وضع وتحد، فإن النظام الحالي ليس مسؤولا عن أخطاء الماضي بقدر ما هو مسؤول عن ضبطها وتصحيحها وتصحيح مسارها انطلاقا من قوله تعالى في الآية الكريمة من سورة البقرة: ( ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ...)  صدق الله العظيم .
لا شك أن الإدارة الموريتانية تعاني من اختلالات تراكمية عميقة لم يتم التغلب عليها بعد، مثل سوء التسيير و التدبير والتجاهل والتقليل من شأن العنصر البشري الكفء.
مما كان له الأثر السلبي الكبير على ضعف أداء الإدارة و تردي الأوضاع و تعطيل الخدمة، وبالتالي انتشار و اتساع دائرة الفساد في كل الإتجاهات لدرجة أن المواطن فقد الثقة في الإدارة. 
هذا ما أكده رئيس الجمهورية  السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في مستهل كلمته آنذاك خلال حفل تخرج دفعة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة .
حيث قال بالحرف الواحد : إن الرئاسة يصلها أسبوعيا كم كبير من الرسائل التي تتضمن مشاكل المواطنين .
مضيفا أن الكثير من هذه المشاكل يمكن حلها بشكل سريع لو كانت الإدارة تقوم بعملها على النحو المطلوب، منتقدا غياب الإدارة في جميع القطاعات الوزارية المعنية باستقبال المواطن و تقريب الخدمة منه.
صحيح أن ممارسات من قبيل المحسوبية و الزبونية و التحيز و المحاباة السياسية ما فتئت تخلق تضاربا في المصالح و تكافؤ الفرص داخل المجتمع و تقوض بناء الديمقراطية و تقلص مجال دولة القانون و المؤسسات .
وضع لم يكن وليد اللحظة بقدر ماهو امتداد سيئ لواقع معاش أملته ظروف السياسة و الديمقراطية حينها و تبنته الأنظمة اللاحقة عبر إعادة تدوير و ترقية المفسدين في ظل الإفلات من المساءلة و العقاب .
إضافة إلى اتساع دائرة الإحتكار الأسري و العائلي و القبلي للحقائب الوزارية و التعيينات في المناصب العليا منذ الإستقلال إلي اليوم . 
بالتأكيد يعد أهم مؤشر لتفشي الفساد على المستوي الرسمي هو حجم و خطورة التقارير الواردة من المفتشية العامة للدولة و محكمة الحسابات التي كشفت مؤخرا عن ثغرات و خروقات في تسيير بعض القطاعات الوزارية و المؤسسات العمومية من خلال الوقوف علي عمليات فساد كبيرة و غير مسبوقة .
و ماتلا ذلك لاحقا من إقالات لمسؤولين سامين  تعد علي أصابع اليد الواحدة دون تعويض يذكر أو استرجاع لأموال منهوبة مقارنة بحجم الفساد و الأموال المفقودة في ظل استثناء خاص لم تتضح بعد دوافعه لمسؤولين كبار بعضهم يشغل مناصب وزارية من الإقالة دون وجه متابعة شملهم تقرير محكمة الحسابات، مما أثار جدلا واسعا و طرح أكثر من تساؤل ؟؟؟، و جعل بعض المراقبين للشأن العام يصف هذه الخطوة و يرى بأن هذه التقارير ما هي إلا جعجعة بلا طحين !!
في حين شكلت زيارات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الميدانية المفاجئة لمختلف القطاعات منعطفا جديدا أسس لمرحلة من الحداثة و التحديث لامست طموحات و تطلعات الشعب في ضوء بناء و إصلاح اقتصادي و إداري سريع يخفف من وطأة هموم المواطن و الرفع من أداء القطاعات و مواصلة الإنجازات بكل مهنية و وطنية. 
 تأتي تحذيرات و تعليمات رئيس الجمهورية بخصوص المشاريع الخدمية و وضع المؤسسات ضمن رؤية و إرادة جادة  للقضاء على الفساد من خلال إلزام الحكومة ومقاولي المشاريع بالتقيد بشروط دفتر الإلتزامات، بالإضافة إلى استحداث آليات متابعة مستدامة تتيح متابعة المشاريع الخدمية الأساسية في كل مرحلة من مراحل تنفيذها بما يضمن تقليل فرص التأخير في إنجاز المشاريع و سبل الإرتقاء بمستوى الخدمات و متابعة تنفيذ المشاريع الخدمية والإنمائية و البنى التحتية الأساسية مع ضرورة التقييم المستمر للأداء. 
خطوات و إجراءات تدخل في.إطار تبني مقاربة وطنية في مجال الحوكمة و محاربة الفساد في ضوء استراتيجية وطنية أرستها حكومة معالي الوزير الأول السيد محمد بلال مسعود في شأن الفساد، حيث شدد رئيس الجمهورية في أكثر من مرة على أن الفساد داء عضال و على ان موارد البلد المحددة لا يمكن ان تصرف في غير ما رصدت له وأن الدولة لن توفر الغطاء على اي مفسد مهما كان، إلا أن محاربتها للفساد تبتعد عن الطرق الاستعراضية و أن الفاعلية تنافي الضجيج في أحيان كثيرة و ان تسييس القضايا الفنية مضر بالدول والمجتمعات، ( فيد واحدة لا يمكن إطلاقا أن تصفق لوحدها ) .
في حين تعتمد هذه المقاربة على رؤية شاملة ترتكز على محددات اساسية منها: 
‐ خلق إرادة سياسية حقيقية 
‐ تكريس مبدأ فصل السلطات وذلك بمنح السلطات القضائية والرقابية  كامل استقلاليتها في حماية المال العام وفق الضوابط القانونية المعمول بها.
‐ تفعيل الهيئات الرقابية التي تمتلك السلطة التنفيذية حق الوصاية عليها كهيئات التفتيش الداخلية ..الخ
وقد تجسدت هذه الاسترتيجية جليا في الإجراءات المتخذة اخيرا في شأن نقل الوصاية على مفتشية الدولة إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، كخطوة نحو استقلال و تعزيز دور الهيئات الرقابية و توسيع صلاحيات محكمة الحسابات .
تأسيسا لما سبق، أقترح جملة من الإجراءات والآليات من بين أخرى ستساهم لا محالة في الحد من مخاطر هذه الظاهرة:
1‐ إدماج المحافظة علي المال العام و الالتزام بمصلحة الشعب والدولة الموريتانية في التربية المدرسية.
2 ‐ خلق الوعي لدى المجتمع بمخاطر الفساد على الإنسجام الاجتماعي و أهداف التنمية.
3  - الاهتمام بالموارد البشرية والاستثمار في العنصر البشري و تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لكافة موظفي القطاعات العمومية.
4 - الإقلاع التام عن توظيف و تدوير المفسدين وإعادة التدوير العائلي و القبلي.
5 - تجديد الطبقة السياسية.
6 ‐ ضرورة استغلال كل المنابر الإعلامية والدينية في التوعية و التنوير بمخاطر الفساد.
7 ‐ العمل على توجيه منظمات المجتمع المدني و المدونين  إلى محاربة الفساد وخلق رأي عام يهتم بحماية المال العام.
8 ‐  إرساء عدالة اجتماعية تشمل الجميع.
أما التبليغ أو الكشف علنا عن حالات شبهات فساد داخل الدوائر الحكومية أو المؤسسات العمومية فهو واجب وطني يذكر فيشكر، يستوجب السرية التامة و صرف مكافآت تشجيعية مالية قد تصل 10% من الأموال المنهوبة على غرار ما يحصل في بعض دول العالم.
بينما يعتبر التشهير بالأشخاص في قضايا فساد دون وجود دليل بين خطأ يحاسب عليه القانون و يجيز للمتضرر المقاضاة .
وفي الأخير يبقى المؤشر الوحيد القوي لمدركات الفساد دون التشهير بأي كان أو المخاوف من المساءلة أو المقاضاة هو المقاربة القائمة على ( دولة غنية بتنوع مصادر ثرواتها الطبيعية وشعب فقير....) .
إننا في محيط إقليمي إفريقي مضطرب سياسيا و أمنيا نؤثر كما نتأثر !!

حفظ الله موريتانيا
رمضان كريم
أباي ولد أداعة