النخب الوطنية السياسية والحقوقية في ظل تراجع و تلاشي قيم المواطنة

خميس, 28/12/2023 - 14:23

أشياء كثيرة في الحياة تستعصي علي الفهم أحيانا وأحداث جمة داخل المشهد الوطني نقف حيالها تارة حائرين مرتبكين لا نجد لها تفسيرا أو تعليلا منطقيا
هذا هو حال نخبنا الوطنية السياسية و الحقوقية اليوم
كلما كان الواقع زاخرا بالمتناقضات والمفارقات كلما كان مدعاة للإستغراب و الصدمة.
ما تشهده الساحة الوطنية من حين لآخر من تعاطي سياسي ذات بعد قبلي جهوي يأخذ شكل سباق لرصد الوسائل و الحشد الشعبي بما أوتي من قوة في إطار التحضير لزيارات الإطلاع و العمل و استقبال رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني داخل الوطن ضمن الجهود الرامية لإطلاق مشاريع تنموية أو خدمية هامة تلامس هموم المواطن أو الوقوف علي منجز وطني كان في الموعد .
 سلوك لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو استحضار لنهج قديم من الممارسات السياسية الخاطئة متذ العهد الطائعي تطور لاحقا و تبنته الأنظمة السابقة و اتسعت دائرته بشكل غير مسبوق اتسم بمظاهر ولاء زائفة و كاذبة اتجاه النظام الحاكم يغذيها البعد القبلي و الطائفي بدوافع و مصالح ضيقة . 
 اعتادته النخب الوطنية و السياسية في هكذا مناسبات .
 تصرف مشين غير متحضر لم يعد يناسب إطلاقا المرحلة الراهنة بعد 63 سنة من التيه و الضياع بحثا عن قيام دولة مركزية بمواصفات و معايير دولية.
إذا كان البعض يريد بهذا المسعي إبراز و إظهار مستوي الولاء للوطن و التأييد  اللامشروط للنظام فإنه أساء إليه و من خلاله إلي رئيس الجمهورية عبر تعطيل عمل الدوائر الحكومية و تجميد مصالح المواطن و التقليل من شأنه و تكريس مفهوم القبلية و ترسيخ البعد الجهوي وبالتالي تقويض مفهوم الدولة في ظل غياب و تراجع قيم المواطنة، حيث ساهمت هذه الممارسات الخاطئة و المشينة علي العموم في إشاعة ثقافة الترف و الفساد و التبذير داخل المجتمع و كرست الفوارق الإجتماعية و خلقت جيلا متحورا من المبذرين و المفسدين و المتملقين و المنبوذبن علي غرار المدرسة الزيدانية و علي طريقة الشيطنة نزولا عند الآية الكريمة من سورة الإسراء : ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا ..) صدق الله العظيم.
في حين كان من المفروض أن تستهدف هذه الزيارات الساكنة المحلية داخل المناطق الهشة دون غيرها  لتشكل فرصة مواتية للتلاقي و فتح جسر تواصل بين القمة و القاعدة بين رئيس الجمهورية و المواطن البسيط للوقوف علي حيثيات النواقص الحاصلة و الإستماع للمطالب دون مغالطة أو تضليل.
تثمينا و تقديرا لما تحقق في مجال التعاطي مع الملف الإجتماعي عبر إنشاء مندوبية تآزر شكلت إهتمام رئيس الجمهورية ، رصدت لها أموال هائلة و ضخمة لإمتصاص حالات التفاوت الإجتماعي من غبن و تهميش داخل الطبقات الهشة و الناجمة من تراكمات الماضي، خاصة إذا علمنا أن ما يتم صرفه علي هامش الزيارات و مستوي التنظيم من من موارد ذاتية و أموال خاصة من خلال نشر اللافتات والشعارات الكاذبة و المضللة.
وعبر حالات مظاهر البذخ التي كثيرا ما تذهب في مهب الريح يمكن أن تؤسس لتنمية محلية ذات نفع عام، بينما لوحظ داخل المشهد الوطني في الآونة الأخيرة انتشار و تنامي خطاب الكراهية و التحريض العنصري علي نطاق واسع عبر وسائل التواصل الإجتماعي البديل الإعلامي الجديد جاء وفقا لميول و رغبات دعاة الفتن و إثارة النعرات، حمل الكثير من حالات التشهير و الشتم المتكرر  و الإفتراء و الصور النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد قد تؤدي إلي حصول تداعيات سلبية.
إضافة إلي التحامل الكيدي و التهويل المفتعل علي الوطن و استهداف وحدة و تماسك شعبه .
كما عمل أيضا هذا الخطاب علي تحفيز مشاعر الحقد و الضغينة اتجاه مكونة اجتماعية عريضة دون غيرها.
مما قد يشكل خروجا علي الثوابت الوطنية و تهديدا لقيم الديمقراطية و الإستقرار الإجتماعي و التعايش الأهلي السلمي. 
و إن كان بعض المراقبين للشأن الوطني يري أن هذا التوجه العنصري الجديد مرده عائد إلي مستوي هامش الحرية الواسع و التساهل والتراخي الحاصل في تطبيق القانون  و إلي الفشل الذريع في المتاجرة بالقضايا الوطنية. 
فمن المؤسف جدا أن يأتي مضمون هذا الخطاب العنصري و يصدر من مستوي سياسي برلماني حقوقي يفترض أن يكون من دعاة مشروع الوحدة ذات رؤية متبصرة.
بالمقابل لم تتأخر بعض أحزاب المعارضة التقليدية ممثلة في ( حزبي التكتل و قوي التقدم ) من إدانة و إستنكار انتشار خطابات الكراهية.و التحريض و المطالبة بتقديم أصحابها للعدالة وضرورة التصدي لها من خلال التطبيق الصارم للقانون.
إن كل ما يحتاجه الوطن اليوم أكثر من أي وقت مضي هو الإرادة الصارمة و الجادة في إحداث التغيير المنشود أولا في العقلية و من خلال القطيعة مع ممارسات الماضي و إرهاصاته و محاربة الفساد في كل تجلياته و تعزيز سيادة القانون و خلق مفهوم المواطنة وثقافة إحترام القانون.
تأسيسا لما سبق فإن أكبر عائق أمام تنمية وتقدم البلد في ظل دولة القانون و المواطنة هو تخلي النخب الوطنية السياسية و الدينية و الثقافية و الحقوقية عن دورها المحوري و تجردها التام من القيم والمبادئ و الثوابت الدينية و الوطنية والأخلاقية و عدم الإرتقاء بالنفس الأمارة بالسوء مما كرس وعزز من تنامي المفاهيم الخاطئة لدور القبيلة في ظل المصالح الضيقة و التقليل من شأن الدولة العميقة القوية و الحاضنة للجميع والحريصة علي المصلحة العامة، عبر التفنن في إتقان فنون التطبيل و التملق و النفاق السياسي و التزلف و الإحتيال الذي أضحي و بات مصطلحا شائعا لدي المسؤول الموريتاني بغية مغازلة النظام و التطبيل له بصوت يصدح بشعارات زائفة كاذبة و مضللة لا تخدم النظام نفسه و لا الوطن من ورائه داخل المحافل والمناسبات الوطنية المتباينة.
إن النخب هي الطلائع المجتمعية التي يفترض أن تضطلع بأدوار شتي علي غرار تحقيق التنمية و هي القوة الإجتماعية الدافعة بعجلة التنمية و المعززة للموارد كما أنها أيضا هي المنتجة للقيم الإجتماعية فهي التي تقع علي عاتقها في كل الحالات مهمة البناء الإجتماعي و القيادة و التخطيط.
إن عمليات التغيير علي العموم و كذلك المسارات التنموية إنما تقودها النخب الوطنية ليس إلا.
فمتي سنستفيق و نحدث قطيعة تامة مع هكذا ممارسات و مسلكيات مشينة و هدامة ؟
حفظ الله موريتانيا.
اباي ولد اداعة.