مهرجانات مدائن التراث بين الترفيه و التنمية.

أحد, 10/12/2023 - 23:07

تعد المهرجانات الثقافية و التراثية مناسبة وطنية هامة للإحتفاء بثقافة و تراث الوطن، كما تعتبر مؤشرا مهما للدولة على مدى اهتمام القيادة السياسية للبلد رئيسا و حكومة بالإعتناء بالتراث و الثقافة و إعطائها أولوية خاصة ضمن خطة عمل ثقافي مؤسسي .
فموريتانيا بحكم موقعها الجغرافي تزخر بإرث وطني غني و متنوع عربي إفريقي إسلامي نراه و نلمسه في العادات و التقاليد و سلوك المجتمع.
لذا جاءت توجيهات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني متخذة كافة الإجراءات الكفيلة بالحفاظ علي التراث الوطني و صونه و رعايته و إحياء الموروث الثقافي و إبراز مضامينه  من خلال تنظيم المهرجانات التراثية و الثقافية لما لها من أثر كبير في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية و تحقيق منظومة التلاحم الوطني  و تعزيز الساحة الثقافية التراثية داخل محيط مدائن التراث دعما للتنمية المحلية.
كما تعد المهرجانات فرصة مناسبة لإلتقاء كل أفراد العائلة أو الأسرة في حدث واحد يستعيد أجواء الماضي و يقدم الموروث في صورة تجعله جزءا من الذاكرة الوطنية و يؤسس للحاضر تأكيدا لما يمثله الحفاظ علي التراث الوطني من صورة حضارية تتجسد فيها أصالة خصال شعبنا و قوة ارتباطه بجذوره.
لا شك أن مهرجانات مدائن التراث ساهمت بشكل أو بآخر في صيانة و حماية و تثمين الموروث الثقافي للمدن القديمة علي التوالي شينقيط ، وادان ، تيشيت،  ولاتة .
إضافة إلي خلق فرص إقتصادية و وظيفية مؤقتة للساكنة دعما وترويجا للمنتج المحلي.
كما لاقى هذا الحدث إقبالا جماهيريا واسعا و تعاط و إسهامات فولكلورية شعبية كبيرة.
ذلك ما تجلى لدينا من خلال خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على مستوى مهرجان مدائن التراث نسخة ولاتة لموسم 2023 م.
حيث قال : إن مدينة ولاتة شرقي البلاد تعد كنزا تراثيا فريدا يتطلب تعهدا مستمرا للمحافظة علي مظاهره المادية من عمران و مخطوطات و تحف فنية بالترميم و الصيانة المنتظمة خوفا عليها من الاندثار.
وأضاف ايضا في خضم كلامه ضمن جهود المحافظة علي المدينة أنه حرص على أن تحمل هذه النسخة من المهرجان مكونة إنمائية تتعلق بفك العزلة و تحسين مستوي النفاذ إلي الخدمات الأساسية من ماء ، كهرباء ، صحة ، تعليم ، و اتصالات .... 
و أكد أن المكونة الإنمائية ستعمل علي دعم قدرة المواطنين علي الصمود بتوزيع إستفادتهم من من شبكة الأمان الإجتماعي و العمل علي ترقية انتاجهم المحلي و توفير  انشطة مدرة للدخل موازاة مع دعم قدراتهم في مجال صيانة المخطوطات و المحافظة علي العمران الأثري .... الخ . 
في حين يري بعض المراقبين أن أداء و دور  مهرجانات مدائن التراث  في نسخه السابقة جاء دون المستوي المطلوب .
بقدر ما هو إعادة و تكرار لنفس المشاهد و الإخراج .
كما أسست لممارسات و مفاهيم خاطئة من خلال الخلط بين موسمين متباينين الموسم الثقافي و الموسم السياسي حيث أضحت هذه المهرجانات مناسبة للفساد و لهدر المال بالتزامن مع التحضير لها في ظل ما تشهده الساحة من تنافس سياسي و محاولة البعض التباهي و الهيمنة  علي المشهد السياسي من خلال القيام بانشطة موازية خارج نطاق المهرجان .
كرست للنفاق السياسي و الإنشقاق و ترسيخ مفهوم القبيلة و الجهوية في ظل تجاذبات سياسية كثيرا ما تلقي بظلالها علي المشهد الوطني و علي فعاليات المهرجان علي المستوين التحضيري و التنظيمي.
شئ جميل أن نناصر النظام و نؤيد رئيس الجمهورية، لكن بما يخدم المصلحة العامة و يراعي مصلحة الوطن و لا يعكر صفو الاحتفال أو يعيق عمل المهرجان دون الوصول إلى الأهداف المرسومة سلفا دعما للتنمية المحلية.
سبق أن قيل: ليس في القيم عموما ماهو مادي مطلق و ليس فيها أيضا ما هو مثالي مطلق، إنما يتوقف الأمر على جلب المصالح و درء المفاسد.
فما القيم إلا عملات اجتماعية تختلف باختلاف الزمان والمكان متى تحققت لها الوظيفة كانت مشروعة ومتى انتفت كانت خارجة عن وظيفتها، و إن ترتبت عليها المفاسد صارت شرا لا خيرا.  
صحيح أن العودة إلى التراث و استلهامه في أنشطة ثقافية صارت ضرورة في ظل عولمة عارمة غزت البيوت و استباحت الأعراض و تلاشت معها القيم، فلم يعد أمام الشعوب إلا  أن تكشف عن تراثها و تطلقه في وجه عالم اليوم الذي يستهدف هويتها و كيانها. 
وزيادة على ذلك البعد فإن التراث اليوم صار دافعا للتنمية وبالتالي فإن القائمين على شأن قطاع الثقافة والمهرجان مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتفكير بالارتقاء بمستوى عمل مهرجانات مدائن التراث و تطويره في اتجاه البعد الثقافي و العلمي، والتوفيق بين مختلف الأبعاد المطروحة من ثقافة و ترفيه تنمية و فرض للهوية و استحداث الجديد على غرار ما حصل مع تبني مهرجان جول الثقافي بتعليمات من رئيس الجمهورية انصافا لأهل الضفة من أجل إبراز البعد الثقافي والتراثي لدى الساكنة و الدفع بعجلة التنمية داخل المنطقة ليشمل مجالات داخل الفضاء الثقافي والمعرفي من قبيل المطالبة بدمج فعاليات توزيع جوائز شنقيط ضمن أنشطة مهرجانات مدائن التراث مما سيخدم الحدث عرضا و بحثا في إطار إحياء التراث و الحفاظ على الهوية و تثمين الخصوصية الشنقيطية و تعميق البحث العلمي في مجال التراث و إعطاء الحدث بعدا دوليا إضافة إلي بعده الوطني.
إذا كان البعد الإحتفالي ضروريا في العمل المهرجاني فإن الإحتفاء بالتراث هو في النهاية عمل له ابعاد اقتصادية و ثقافية و اجتماعية متنوعة ينبغي أن تتجسد على أرض الواقع حتى لا تذهب جهود الجميع في مهب الريح.
طابت أوقاتكم
اباي ولد اوداعة.