الأرستوقراطية الاجتماعية وعوامل التحكم في هرمية المجتمع.

اثنين, 18/09/2023 - 19:59

منذ نشأة المجتمع الموريتاني ما قبل الدولة ما تزال فئتان اجتماعيتان تتحكمان في قيادة المجتمع إن على المستوى الاجتماعي أو على مستوى السلطة الحاكمة.
انقسم المجتمع الموريتاني المتعدد الأعراق المنصهر دينيا وثقافيا في إطار حضاري واحد  ذي ركيزتين هما الإسلام واللغة العربية ،انقسم إلى فئات على أساس وظيفي أستأثرت بالسلطة فيه فئتان العرب والزوايا من خلال سلطتي الركاب والكتاب في حين رضخت الفئات الأخرى لسلطتيهما ورضيت بتلك الهرمية المقيتة التي تتوارث تلقائيا ومنذ لحظة الولادة.
فوضع سياج مانع لا يمكن التسلل منه من القاعدة إلى القمة حتى وإن توفرت شروط الفروسية و العلم في الفرد.
مع مجيئ الاستعمار وعلى الرغم من مقاومة الفئتين له بشراسة وحسب الوسائل المتاحة إلا أن غالبية قيادتيهما آثرت التصالح والتعايش مع المستعمر مما مكنهما من المحافظة على بنية وهرمية المجتمع ، فقد تنكر المستعمر  لقيم الجمهورية من مساواة وحرية وعدالة التي نادت بها الثورة الفرنسية حرصا على مصالحه فلم يحرر العبيد من قيود الرق ولم يكسر سلطة شيخ القبيلة و لا أمير المنطقة بل ظل يستخدمها كوسيطين بينه و بقية الفئات وظل إلى جانبهما ظالمين أو مظلومين .
مع الاستقلال حدث تبادل سلس للسلطة من الحاكم الفرنسي إلى الحاكم الزاوي مدعوما بأمراء المناطق ليتكرس النفوذ أكثر وتتصلب وتتحجر البنية الاجتماعية مدعومة بمزايا السلطة الجديدة وموارد وخيرات باطن الأرض وظاهرها.
و بانتشار الوعي من خلال التمدرس الحديث والتأثر بقيم الثورات الاجتماعية في الشرق والوطن العربي بدأت بوادر صحوة اجتماعية داخل أبناء فئات الأرستوقراطية الاجتماعية فتبنوا مبادئ ثورية تمثلت في خطابات إيديولوجية تدعو إلى مناهضة الرق وتعادي النزعة القبلية وتحاول تأسيس تنظيمات وروابط اجتماعية جديدة مبنية على أساس الانتماء الإيديولوجي  تقيم الفرد من خلال عطائه الفكري والنضالي وتفانيه في خدمة الوطن دون أي اعتبار لتموقعه الفئوي.
ساد هذا الخطاب في أوساط الطلاب والعمال واشباه المثقفين ،بيد أن حراس البنية الاجتماعية التقليدية قد استشعروا الخطرةد فوقفوا في مواجهة قوى التغيير الاجتماعي من خلال تحالف ثلاثي تكون من العسكر و رؤساء الأموال وشيوخ القبائل وبمباركة من أغلبية المراجع الدينية والمشايخ الصوفية فتم العمل على :
محاربة القوى الايديولوجية الوطنية و تفكيك تنظيماتها وتدجين بعض قيادتها و ترويضها وارجاعها إلى اوكارها القبلية مقابل حصولها على فتات موائد التحالف الحاكم.
تشويه تلك الحركات ووصفها بالمعادية للإسلام بل العمل على تأسيس إطار إسلاموي مدعوم من طرف السلطة ليستقطب الشباب مستغلا العاطفة الدينية (الجمعية الثقافية الاسلامية).
تقوية نفوذ شيوخ القبائل من خلال انحراف السلطة عن قيم الجمهورية فاصبح تولي الوظائف لا يعتمد الكفاءة والنزاهة وإنما حسب الوساطة ورضى الشيوخ عن الموظف ومكانته في التراتبية الاجتماعية. 
تعتمد الأرستوقراطية الاجتماعية في هيمنتها على عوامل :
السلطة العسكرية من خلال الجيش فجل قياداته من تلك الأوساط .
سلطة المال فأغلبية رجال الأعمال وكبار الموردين من نفس الوسط الأرستوقراطي. 
المرجعيات الدينية تنتمي إلى نفس الوسط وتهادنه بل إن بعضها يشرعن تلك التراتبية حتى بين الموتى.
بعد ستة عقود من الاستقلال ما تزال الدولة والسلطة والمجتمع يخضعون لسلطة ونفوذ كل من الركاب والكتاب ،فمتى نتحول إلى سلطة القانون وقيم الجمهورية ؟
شيخنا محمد سلطان.