نحتاج إلى عقد للمواطنة/ الوزير السابق الشيخ أحمد ولد الزحاف

جمعة, 15/09/2023 - 18:09

 تناولت وسائل الاعلام وشبكة التواصل الاجتماعي منذ بعض الوقت الكتابة أو الحديث عن اتفاق سياسي بين حزبي تكتل القوي الديمقراطية واتحاد قوى التقدم من جهة وحزب إنصاف من جهة اخري.
ويقع الحديث عن هذا الاتفاق بعد لقاء جمع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني  بالسيدين احمد ولد داداه ومحمد ولد مولود رئيسا التكتل واتحاد قوى التقدم، وبعد مؤتمر صحفي اجراه محمد ولد مولود تحدث فيه عن الاتفاق المرتقب ووثيقته التي ستدعى الأحزاب السياسية للتوقيع عليها.
من الأهمية بمكان في هذا الظرف بالذات ان تسعى القوى الوطنية في بلادنا الي اتفاق وتعمل على تحقيقه نظرا للظروف الدولية التي تحتمل الكثير من التقلبات  مع الحرب الدائرة بين الدول الغربية و روسيا الاتحادية، وما يمكن ان ينجر عنها من انعكاسات على الدول الضعيفة، ونظرا لجائحة كوفيد 19 التي لم يتعافى العالم  بعد من انعكاساتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
ونظرا خاصة إلى الوضع في شبه المنطقة وما يشهد من
انقلابات وحروب وتدخل للقوى الأجنبية ذات الاجندات الخاصة.
اما الوضع الداخلي فبه أكثر من مبرر للبحث عن الاتفاق الذي يعزز تطبيع وتهدئة المشهد السياسي و يتيح فرصا للتحسين من الظروف المعيشية للمواطنين وخاصة الفئات الأكثر هشاشة واحتياجا، ويقوض أسباب التوتر والنزعات الخصوصية التي تتفاقم يوما بعد يوم بفعل المنافسة المحمومة علي زعامة التطرف العرقي والشرائحي بتشجيع من بعض مسؤولي الدولة الذين يستخدمونه كورقة للإبقاء على مواقعهم.
إن الحراكات والمطالب المشروعة لبعض شرائح ومكونات مجتمعنا ينبغي ان يتم توجيهها و تأطيرها لغرض التكفل بها في إطار مشروع وطني شامل ولمنع استغلالها من قبل المتطرفين عن طريق الشحن الشرائحي وتأجيج نار الكراهية والفتنة بين المكونات الوطنية إن لم نقل بين أبناء المكونة الواحدة.
إن المبادرين إلى الاتفاق السياسي سواء كانوا حزب إنصاف بوصفه مساندا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي حمل منذ خطاب ترشحه، مرورا ببرنامجه الانتخابي تعهداتي وانتهاء بالبرامج والاستراتجيات القطاعية المتفرعة عن تعهداتي، حمل أكثر من أمل بالنسبة لأغلبية الموريتانيين سواء كانوا من المعارضة أو الموالاة.
اما الرئيسان محمد ولد مولود واحمد ولد داداه، بالنظر إلى التضحيات التي قدماها في سبيل موريتانيا وتجربتهما النضالية مثل غيرهما من القادة ورؤساء الاحزاب والساسة، يقع علي عواتقهم اليوم أكثر من اي وقت مضى رسم آفاق مستقبلية واعدة للبلاد.
وإذا كان هذا الاتفاق سيكون مناسبة للقاء بين كل الفاعلين السياسيين، وحتى يكتسي طابعا جوهريا وتاريخيا، لا ينبغي ان يكون مجرد اتفاق سياسي و إن كانت وثيقته التي تم توزيعها تضمنت جوانب جوهرية في الحياة الوطنية مثل الوحدة الوطنية و مخلفات العبودية والمنظومة الانتخابية. لكن الاتفاق ينبغي ان يرقى إلى موضوعات مصيرية تؤسس لبناء مجتمع ودولة على قاعدة بها نتمكن من استيعاب وتخطي الإشكالات المرحلية.
وعليه من المشروعية بمكان ان نتساءل هل اجتمع يوما الموريتانيون أو من يمثلونهم  بكل استقلالية وبملء إرادتهم لرسم معالم وملامح النظام الذي يسعون إلى بنائه؟
هل حددوا طبيعة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذا النظام؟
وبما أن الشعب الموريتاني شعب متعدد الأعراق و القوميات وبالتالي الثقافات، ما هي الصيغ والسياسات الضامنة لوحدته وعيشه المشترك في إطار وطن موحد يطمئن الجميع لحقوقه داخله ويقتنع بتأدية واجبه؟ 
ماذا فعل الموريتانيون لاستثمار في موروثنا الثقافي والديني ما يحفز ويشجع علي  وحدتنا؟. أليس الشعب الموريتاني بكل مكوناته شعبا مسلما، سنيا ومالكيا؟
ألا يشهد التاريخ أنه لم تقع يوما بين الإمارات والقبائل في علاقات بعضها البعض السياسية والاجتماعية اصطفافات عرقية؟
الم يدرك الموريتانيون منذ الاستقلال وماقبله أن المجتمع الموريتاني بكل اعراقه وقومياته هو مجتمع طبقي خاضع لتراتبية بها عبودية وظلم واضطهاد وازدراء  لفئات عريضة من المجتمع وبأن هذا الواقع يتنافي مع منطق الحقوق ودولة القانون؟
كل هذه الأسئلة لم تتوفر للموريتانيين أو لم يوفروا لأنفسهم فرصة للإجابة عنها وبالتالي تحديد ملامح مشروع المجتمع  في ظل الدولة الوطنية الذي يسعون إلى تحقيقه.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يقع مثل هذا اللقاء  التاريخي الذي كان ينبغي ان يكرس للإجابة عن كل هذه الأسئلة؟
إن السبب الرئيسي نجده في التاريخ السياسي القريب لموريتانيا خاصة منذ الاستقلال حيث مرت بثلاث مراحل رئيسية تم فيها التغييب المتعمد لإرادة الشعب الموريتاني ونخبه الواعيه بواقعه ورهانات مستقبله.
المرحلة الأولى: مرحلة الاستقلال التي صاغها المستعمر الفرنسي بطريقة تضمن مصالحه  ترك من بعده طبقة لهذا الغرض تخدمه وتسهر على استتباب الحالة طبقا لما يرضيه. وبهذا المعنى كان الاستقلال مزيفا وليس نتاجا لارادة الشعب رغم محاولات طلائعه من حزب النهضة وغيرهم اعطاءه مضمونا وطنيا. ويرجع الفضل للجيل المؤسس بأنه خلف لنا  على الاقل كيانا وطنيا رغم تحفظات الكثيرين على نشأته والمضمون الذي اعطي له.
المرحلة الثانية : الأحكام العسكرية الاستثنائية التي بدأت مع انقلاب 78 نتجة الحرب ولم يحقق انقلابيو 78 إلا توقيف الحرب وعجزوا عن تنفيذ بقية برنامجهم المتمثل في التقويم الاقتصادي وبناء مؤسسات ديمقراطية.
فهذه الأحكام، رغم محاولات بعض القوى السياسية التعامل معها في اتجاه إشراك النخب والقوي الوطنية ( حكومة المرحوم سيدي احمد ولد ابنيجاره المدنية)، إلا أنها انقلبت على هذا التوجه مكرسة بذلك تغييب الشعب وقواه الحية.
المرحلة الثالثه: دمقرطة الحياة السياسية والشروع في المسلسل الديمقراطي غير أن هذا الأخير لم يكن نتيجة تحولات أو خيارات وطنية متفق عليها، وإنما كان إملاء من الغرب خاصة بعد مؤتمر لابول الذي اشترطت فيه فرنسا للحصول على عونها وتمويلات الهيئات الدولية تنظيم انتخابات ديمقراطية واحترام حقوق الانسان في البلدان الشبيهة ببلادنا.
فرغم محاولات القوى السياسية الاستفادة من هذا التوجه ومده بمضمون يخدم التناوب على السلطة واستثمار المتاح من الحريات الديمقراطية الا أن محاولاتها باءت بالفشل وظلت الانتخابات في أغلب حالاتها صورية وظل خيار الناخب مرهونا إما بالأطر التقليدية او بسلطان الدولة وبات إذن خارج اللعبة.
وبهذا المعنى ظل الموريتانيون يلهثون وراء أنظمة لم يختاروها وإنما فرضت عليهم فرضا.
واليوم، بما أننا على اعتاب لقاء او اتفاق نرجو ان يشمل كل القوى الوطنية وأن لا يكون سياسيا حصريا وانما يدشن عهدا جديدا بمناسبته  نؤسس ” لعقد للمواطنة” تشترك فيه فعاليات شعبية ومهنية أخرى على أساس نظام للتمثيل متفق عليه،.
-يجب ان يكون مضمون عقد المواطنة تنازل كل الموريتانيين لكيان تمثله المجموعة الوطنية، فبه لم يعد هناك انتماء لكيان اخر ( القبيلة، الجهة، العرق، الشريحة) سوى هذا الكيان الذي يسمو علي كل الكيانات والذي يتفاني الجمبع في خدمته والذود عن مصالحه العليا والدفاع عن سيادته واستقلاله وحوزته الترابية
-يجب كذلك ان نسعى ان يكرس الكيان الذي أضحى يمثل الجميع إلى ضمان المساواة والعدالة بين كل افراد المجموعة الوطنية وأن يتكفل بمطالب واحتياجات كل مجموعة محلية، مهنية، عرقية أو شرائحية أو جهة من الجهات التي تكون المجموعة الوطنية.
-وبموجب العقد لا يسمح بأي طرح او رأي أو موقف مخالف لروح عقد المواطنة وان يتم السعي وبجدية إلى حل كل الاشكالات، عرقية كانت أو شرائحية او اجتماعية، في إطار عام وشامل بعيدا عن النزعات الخصوصية مهما كانت طبيعتها.
-بالإضافة إلى المساواة والعدالة الاجتماعية، يجب ان يضمن عقد المواطنة التوزيع العادل للمقدرات الاقتصادية وتنفيذ استراتجية محكمة عن طريق إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية وقانونية للقضاء على مخلفات الرق وأن يعكف على إشاعة نظام يكون فيه القانون هو الفيصل في تسيير مؤسسات الدولة و العلاقات بين الأفراد والمجموعات.
إن عقد  المواطنة هو الأرضية  الصلبة ومحطة انطلاق لبناء علاقات بين الأفراد والجماعات من جهة وأجهزة الدولة من جهة أخرى خالية من الظلم والغبن حيث تطمئن فيه كل مكونة عرقية على هويتها الثقافبة وحقوقها، وبحيث لا تخاف شريحة مهمشة أن وضعها لن يتغير وأنها لن تنال مالها من حقوق، وبحيث أننا لن نخاف من أن أبناء قبيلة أو عشيرة يستأثرون بالسلطة وبالامتيازات المرتبطة بها لتتفرد بالنفوذ وبالتالي الثروة والمال على حساب عموم المواطنين.
إنه بمجرد تبني عقد المواطنة وإنفاذه سيكون الطريق سالكا إلى حل كل المشكلات التي نعتقد اليوم أنها مستعصية.