مقال منشور بموقع الوكالة الرسمية قبل ازيد من 12 سنة: أين موقع حزب الاتحاد من "أحزاب الدولة”؟

خميس, 11/05/2023 - 20:21

بقلم: أحمد ولد مولاي محمد [email protected]

تعودت موريتانيا منذ استقلالها عام 1960 على ما اصطلح على تسميته بــ” أحزاب الدولة”، تلك التي تستحوذ على كل شيء ولا يحق لغير منتسبيها تبوؤ مناصب سامية أو تقلد وظائف هامة بل تم تصنيفهم في بعض حقب الدولة على أنهم غير مواطنين لمجرد أنهم يتبنون رأيا مغايرا أو لأن التنافس داخل “أحزاب الدولة” لا يترك مجالا للحظوة وللحضور لغير المنتسبين.
وغالبا يصبح “حزب الدولة” ممركزا بيد رأس السلطة مما انعكس سلبا وفي مراحل عديدة على الاستقرار السياسي وعلى التلاقي المفترض بين مكونات الطيف السياسي الوطني، معارضة وموالاة، وأثّر على المسيرة السياسية والتنموية بشكل أو بآخر، كما سنّ سُننا غير حميدة تمثلت في تعيين غير المؤهلين وإقصاء أصحاب الكفاءات من غير المنتسبين مهما كانت درجة إخلاصهم لوطنهم وصدق انتمائهم له.
ومن المفترض أننا في عهد جديد وقد ودعنا تلك المسلكيات الشاذة بما تضمنته من فوضى عارمة لم تترك مجالا للبناء ولا للتطوير، بل حولت معركة البناء والتنمية إلى معركة ولاء للأنظمة وللمتنفذين فيها على حساب المصلحة العليا للبلد وللمواطنين.
ويتفاءل الكثيرون بأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، سينأى عن تلك المسلكيات المشينة لما لها من آثار سلبية على التنمية وحتى على الاستقرار والسكينة العامة، حيث يرون أن قيادة الحزب الجديدة تستوعب ما لها وما عليها وتهتم بالدرجة الأولى ببناء موريتانيا وبمن يسهم في البناء بغض النظر عن انتمائه السياسي أو ولائه، لأن المعركة بالنسبة له هي معركة ضد التخلف والجهل والأمية والمرض، وهي معركة بناء حقيقية وليست حربا بين ألوان الطيف السياسي الوطني على اختلاف مشاربه.
شخصيا أتمنى أن تكون قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية المنتخبة قبل أيام قد استوعبت أخطاء “أحزاب الدولة” منذ الاستقلال وحتى اليوم، كي لا تتكرر نفس المآسي والمعاناة التي تولدت عن المبالغة في الولاء للحكام ولأهوائهم على حساب عملية التنمية الشاملة التي لم تخط خطوة واحدة إلى الأمام بفعل معارك السياسيين الجانبية والتي يستعر أوارها هذه الأيام أكثر من ذي قبل رغم الدعوات المتكررة للحوار والقبول المعلن له.
وأعتقد أن قيادة الحزب الراهنة تمتلك من الحكمة ورجاحة العقل ما يبعدها عن الأهواء والدخول في دوامة الانتماءات والولاءات الضيقة التي كانت السبب الأول في خسارتنا رهان التنمية والبناء، وأعتقد أن هذه القيادة ستغير جذريا في طريقة التعاطي مع الشأن العام وفي النظرة للآخر الذي هو في نهاية المطاف مواطن يحمل ويتبنى رأيا مغايرا ليس أكثر ولا أقل.
وقد بنيت هذا الاستنتاج من خطاب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بعيد إعلان إعادة انتخابه رئيسا للحزب، حيث أكد على جملة من الثوابت التي تتناقض تماما مع ما عهدناه لدى “أحزاب الدولة” في الحقب المنصرمة، بل تجعلنا نتردد في إطلاق تسمية “حزب الدولة” على الاتحاد من أجل الجمهورية.
ومع ذلك فإن هذه التسمية التي أطلقها المواطن البسيط منذ حزب الشعب مرورا بالجمهوري وانتهاء بعادل وبالاتحاد، لم تأت من فراغ، فقد عودتنا “أحزاب الدولة” تلك، على محاصصة المواطنة – إن جاز التعبير- وهو أكبر جرم يمكن أن يرتكب بحق المواطنين مهما كانت انتماءاتهم وولاءاتهم السياسية، حيث لا يحق لأي حزب أو قائد سياسي مهما كان موقعه أن يوزع بطاقات الولاء للوطن على من يشاء وينزعها ممن يشاء؟!
كما أن تدافع من عرفهم الناس قبل التغيير بالمفسدين، وغيرها من الصفات المذمومة، إلى هياكل الحزب ذي الأغلبية البرلمانية يجعل الكثيرين لا يصدقون أن مسيرة التغيير تتواصل رغم ما يتحقق من إنجازات على الأرض، إذ لا يلبث الأمر – برأي هؤلاء – أن ينقلب سلبا على حساب معركة التنمية لفائدة سدنة الفساد والنهب الذين لا يمكنهم الإقلاع عن النهب المنظم وسرقة المال العام والتلاعب بمصالح الوطن والشعب ومواصلة بناء ذواتهم على حساب معركة التنمية والبناء الوطنيين، وبالتالي تعود حليمة لعادتها القديمة.
لقد تموقع في الحزب الجديد كل أولئك الذين يفترض أننا نخوض معركتنا ضدهم ولا يجوز أن تغفل قيادة هذا الحزب الوليد عن خطرهم على مسيرة البناء فلقد دمروا موريتانيا لأزيد من عشرين سنة ولا يجوز بأي حال أن نفسح المجال لهم مجددا ليكرروا عملية التدمير الممنهج تلك بأساليب جديدة وتحت شعارات مغايرة، وعلى المخلصين لموريتانيا ممن هم في قيادة الحزب وفي قواعده أن يباشروا عملية التعمير والبناء بعيدا عن كل من يريد العودة بنا إلى مربع المعاناة الأول والذي لم نبرحه منذ الاستقلال.
إن انتماءنا لموريتانيا يفرض علينا إبداء مواقفنا الغيورة على المصلحة العامة والتي لا تتردد في الإفصاح عما تراه مضرا بمصير الأمة وبمستقبلها، بل يفرض علينا أكثر من ذلك أن نبذل الغالي والنفيس في سبيل تجاوز حالة التخلف والجهل والأمية والمرض التي ميزتنا طيلة عقود متصلة رغم قدرتنا على تجاوزها بكل يسر لو خلصت النيات وتوافرت الإرادة الجادة للتغيير البناء وهو ما ننتظره من السلطة الحاكمة ومن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الوليد.
----------------
مقال منشور بموقع الوكالة الموريتانية للانباء يوم 14- 07- 2010