القيادي الناصري د. إزيد بيه محمد البشير للتواصل: الوطن في فكر الناصريين يسع الجميع ويقوى بتعدد أطيافه وتنوع ألوانه وثقافاته

جمعة, 30/07/2021 - 00:15

في إطار التخليد السنوي لثورة 23 يوليو 1952 يخلد "الوحدويون الناصريون في موريتانيا" هذا الحدث الهام والمفصلي في تاريخ العرب والأفارقة والمسلمين والعالم، بجملة من النشاطات الفكرية والسياسية، وقد أصدر "الوحدويون الناصريون" يوم 23 يوليو الجاري بيانا بالمناسبة تناول جملة من المحاور الوطنية والقومية والإقليمية والمواقف التي تنسجم مع رؤية الناصريين على المستويين الوطني والعربي وعلى المستوى الإقليمي والدولي، وهو بيان نشرته "التواصل" في حينه.

ومن أجل استنطاق ما تضمنه هذا البيان، توجهت صحيفة "التواصل" بأسئلة ذات صلة، إلى القيادي والأكاديمي الناصري الدكتور إزيد بيه محمد البشير الصغير بغية إطلاع القراء الكرام والرأي العام الوطني على الفكر الناصري ومواقف الناصريين من مختلف القضايا الوطنية والعربية والدولية وغيرها من اهتمامات الرأي العام الوطني في هذا المجال.

وهذا نص المقابلة:

التواصل: لماذا تحتفلون بثورة 23 يوليو الناصرية "المصرية"؟

د. إزيد بيه: أود في مستهل هذه المقابلة أن أتوجه بجزيل الشكر لصحيفة وموقع التواصل الإلكتروني على إتاحتهما هذه الفرصة عبر صفحتيهما المحترمتين والمعروفتين بمهنيتهما وتوازنهما في عرض المواد الإعلامية الغنية التي تخدم بهما القراء إعلاما وتثقيفا وتوجيها،

أما عن سؤالكم أخي الكريم: لماذا تحتفلون بثورة 23 يوليو الناصرية "المصرية"؟ أود أن أقول إننا نحتفل بهذه الثورة لأنها منذ اندلاعها مثلت تاريخا فارقا ذا تأثير إيجابي مشهود على حقبة هامة وحساسة من تاريخ الأمة العربية نقلها من واقع التخلف والتبعية للاستعمار لتتبوأ مكان الصدارة في المشهد العالمي والفعل الدولي.

ولأنها واكبت كل جهود التحرر العربي من نير الاستعمار، ولأنها سعت إلى تحقيق تطلعات الشعب العربي والأمة الإفريقية في العيش الحر الكريم وفي تبوئ المكانة التي تليق بهما بين الأمم،

ولأننا كتيار عريض واسع الانتشار ومؤثر في المشهد السياسي والثقافي الوطني استلهمنا نضالاتها وفكرها لإيجاد حلول لمشاكلنا الوطنية ولتصفية بقايا الاستعمار و"أعقابه"

التواصل : اسمحوا لي أن أعيد طرح جزئية في السؤال السابق أود أن أجد جوابا حصريا عليها وهي أن  بعض خصومكم السياسيين يتهمونكم بالولاء لفكر أجنبي، إن جاز التعبير، فهل يمكن للفكر الناصري أن يُجسّد وطنيا دون مساس بالثوابت الوطنية ؟

د. إزيد بيه: هذه  مقولة من مقولات العسكر والأنظمة الشمولية الأحادية رفعتها في وجه مد الوعي ومساعي التحرر والتفاعل مع العالم التي اتسمت بها فترة ما من تاريخ هذا الوطن، فكل أفكار وأساليب الحكم وتدبيره ليست حتما من إنتاج البلدان التي تنتهجها فمن ذا الذي لا يسترشد بالخارج ولا يستعين بمنجزات غيره، الفكر الإنساني كوني ومتكامل، والمفيد من المعارف للبشرية جمعاء بطبه وفنونه وصناعاته وأفكاره أيضا، وأشدد على أفكاره.

عندنا الماركسيون الماويون تلاميذ ماو تسي تونغ الصيني، والماركسيون اللينينيون، والإخوان من تلاميذ حسن البناء أو حسن الترابي أو راشد الغنوشي أو حتى أردوغان، وفينا الليبراليون من أبناء المدرسة الفرنسية، المتعلمون في فرنسا والناهلون من أفكارها المكرسون لاستمرارها مستعمرا مدى الحياة إن خرج من الباب يدخل من النافذة في أشخاصهم وحفاظا على مصالحهم الممتدة.

ورغم ذلك فكل الحركات السياسية التي نشطت في هذا الوطن خدمته رغم اختلاف مشاربها والخلفيات الفكرية التي تسترشد بها.

لذلك لا اعتبر الاستفادة من تجارب الغير عيبا ولا خيانة لكنني مع توطينها وتطويعها لتلائم مصلحة الوطن وتخدم تطوره وازدهاره، فما "الليث إلا بضع خراف مهضومة" والمثاقفة دليل حياة وحيوية ونضج، وهنا أتحدث عن المثاقفة لا العمالة.

والناصريون لم يكونوا يوما عملاء لأي نظام حكم أجنبي، ولا كانوا تابعين لأي أجندة خارجية، وقد استلهموا المضيء من التجربة الناصرية على أرضهم وتفاعلوا به مع محيطهم الحضاري وتبنوا ثوابت الأمة وقضاياها الموحدة

التواصل: ما هي أهم إنجازات ثورة يوليو 1952 عربيا وإفريقيا وعالميا؟

د. إزيد بيه: لقد مثلت ثورة يوليو حدثا بارزا في حقبة الخمسينيات وما تلاها، خلّصت مصر من التبعية للمستعمر البريطاني واستعادت مصالحها وثرواتها بتأميم قناة السويس، أمنت لها الاكتفاء الذاتي من الغذاء ببناء السد العالي، وأعادت توزيع الأراضي في إطار إصلاح زراعي وعقاري يقضي على الإقطاع، و ردت لمصر هيبتها الدولية وبوأتها مكانتها اللائقة بين الأمم، ناهضت الاستعمار ودعمت جهود تصفيته في العالم العربي وفي إفريقيا، دعمت سياسيا حركات التحرر في العالم ومولتها، نافحت عن حق الشعوب في تقرير المصير، وبادرت إلى إنشاء منظمات دولية وإقليمية (دول عدم الانحياز، رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية)، كما أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية ودافعت بالحرب والسياسة عن حق الفلسطينيين في استعادة أرضهم من الكيان الصهيوني الغاصب، لم تسالم ولم تهادن ولم تطبع، صهرت كل الدول العربية في جبهة موحدة ضد الكيان الصهيوني فاستخدموا فيها كل مقدرات الضغط والحصار.

وفتحت هذه الثورة جامعاتها ومعاهدها لبلادنا وللدول الإفريقية حديثة العهد بالاستقلال لتكوين الكوادر الوطنية وتهيئتها لقيادة أوطانها وتسيير دفة الحكم فيها وسد خصاصها من المصادر البشرية المدربة

ماذا أضيف؟ إنجازاتها لا حصر لها، وعبد النصر كان بدر حقبته وزينة مجالس فترته.

التواصل: كانت لعبد الناصر، رحمه الله، علاقات خاصة مع الرئيس المختار ولد داداه رحمة الله عليه، وكان يعول على دور موريتانيا في مواجهة التغلغل الصهيوني في إفريقيا، كما أنه أنشأ المركز الثقافي المصري في نواكشوط، وفي المقابل كان يدعم مطالب المغرب حول موريتانيا، كيف تفسرون ذلك؟

د إزيد بيه: لقد كانت حقبة المرحومين جمال عبد الناصر والمختار ولد داداه حقبة الكبار، الذين يعرفون كيف يسيرون اختلافاتهم وكيف يديرون مصالحهم، استطاع الرجلان أن يعرفا مقدار القيمة المضافة لدى كل منها فأحسنا استخدام بعضهما والاستفادة من بعضهما لخدمة الأمة ومصالحها القومية العليا، فنسقا الجهود لسد الباب أما التغلغل الصهيوني في إفريقيا فكسبا المعركة بجدارة واقتدار،

أما عن تأخر اعتراف عبد الناصر باستقلال موريتانيا فلا شك أنكم تفهمون أن من ينادي بوحدة الأمة العربية ويناضل من أجل تقليل الكيانات على خريطة الوطن، يحتاج زمنا طويلا وتفكيرا معمقا للاعتراف بكيان وليد قد لا يكون إلا رقما جديدا على خريطة استعمارية هدفها مزيد من التشظي والتجزئة للكيان الواحد حرمانا له من عوائد الوحدة وما تتيحه من فرص القوة والتأثير الدولي، ومن هنا لا أرى في الأمر مفارقة بل تمسكا في الأولى بالرؤية الاستراتيجية والموقف المبدئي، وفي الثانية إذعانا للأمر الواقع وتقبلا لإرادة غالبة بالاستقلال.

التواصل: ما هي مواقفكم كقوميين ناصريين من قضايا وطنية مثل آثار الاسترقاق والإرث الإنساني في موريتانيا؟

د. إزيد بيه: لقد كان الناصريون في موريتانيا من أهم القوى السياسية التي ناضلت من أجل القضاء على ظاهرة الاسترقاق ومحاربة التهميش، وطالبت بالمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية ودفعت كل أبناء الوطن إلى التعليم والتمدرس باعتبارهما أهم البوابات المفضية إلى التحرر والانعتاق ففتحت المدارس التطوعية لتعليم أبناء الطبقات الهشة، وعززت بخطابها السياسي والفكري لدى الأرقاء السابقين الإحساس بالحرية ودفعتهم إلى التحرر، لم تمايز على أساس عرقي أو لوني أو مالي بل ساوت بين كل أبناء الوطن في رفض مبدئي للطبقية والشرائحية، فالوطن في فكرهم للجميع ويسع الجميع ويقوى بتعدد أطيافه وتنوع ألوانه وثقافاته.

التواصل : رفعتم في ثمانينيات القرن الماضي شعارات مثل " لا لليبرالية التعليم والصحة" و" بالدم واللهيب يتم التعريب"، هل تحقق شيء من هذه المطالب التي قدمتم من أجلها شهداء وسجناء ومعاناة ؟ وأين أنتم من هذه الشعارات والمطالب اليوم؟

د. إزيد بيه: هذه الشعارات رفعت في السبعينيات والثمانينيات وما زالت مرفوعة إلى يومنا هذا، تحقق الكثير مما تدعو إليه رغم شراسة مقاومة قوى التبعية، ورغم ضعف الأنظمة وتخبط خططها واستراتيجياتها، لكنها لم تستطع كبح هذه المطالب الشعبية، خاصة فيما يتعلق بالمسألة اللغوية، التي أصبحت واقعا لم تستطع كل الجهود المناوئة ولا التضييق الوظيفي ولا الدعاية المغرضة أن تلتف عليه، التعريب واقع والفرنسة أمر مضى ولم يعد قابلا للرجوع، ما نشاهده الآن من تدهور في مستويات التعليم ، إنما يعود إلى مساعي النكوص عن هذه المكاسب وإجبار الناس على أن تفكر وتتعلم بلغة غير لغتها الأم، دسترة اللغة العربية لغة رسمية أمر يجب التقيد به والتوقف عن إرباكه بترسيمها في المكاتب والإدارة لخلق وضع شاذ لن يزيد أداء مسايريه إلا ترد وضعفا وتعطيلا لملكاتهم الخلاقة والإبداعية  

التواصل: هل يشكل تعدد القوميات في موريتانيا عائقا أمامكم كقوميين، وما الذي يمثله ذلك بالنسبة لكم ؟

د. إزيد بيه: بالعكس تعدد القوميات والأعراق وتنوع الثقافات مصدر ثراء لأي أمة، وبالنسبة لنا قوميتنا لا نبنيها على حطام القوميات الأخرى ولا نقدمها على أنها الأفضل أو أن القوميات الأخرى أدنى منها، هي انتماء حضاري غير عرقي، إلى محيط ثقافي وديني وجغرافي يملك تاريخا مشتركا وحدودا متواصلة واقتصادات متكاملة نقوى به وتتعزز مكانتنا بين الأمم بالاندماج أو التفاعل معه، لا ننغلق دون أي أمة أو قوم، لنا أيضا امتدادنا الإقليمي الإفريقي نتقوى به ونعززه هو أيضا لاشتراكنا معه في التاريخ والمصالح ولانحدار مكونات فينا منه

التواصل: هل تتناقض القومية مع الدين؟ وماذا حقق عبد الناصر في مجال الدين الإسلامي ونشر الإسلام والثقافة العربية؟  

د. إزيد بيه: كما أشرت آنفا فإن مفهومنا للقومية حضاري لا عرقي، مجرد من العنصرية والانحياز على أساس اللون أو العرق، ونؤمن بأن الله اختص العرب بالعربية، وكرم العربية بأن كانت لغة كتابه المعجز ولغة نبيه الخاتم، والعربي من وجهة نظرنا هو من تعرب أيا كان عرقه أو لونه لا يهم، الذي يسير في نهج غير هذا هو شعوبي متعصب ضد العرب الذين ظلت بيضة الإسلام على مر التاريخ منهم، و به نالوا العزة بين الأمم وقوي بقوتهم وبضعفهم ضعف.

أما عن منجزات عبد الناصر على المستوى الإفريقي فحدث ولا حرج وليس أقلها بناء آلاف المساجد وافتتاح إذاعة للقرآن الكريم، تطوير الأزهر الشريف ورعايته، افتتاح مدارس لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي في الدول الإفريقية ومنها بلادنا (مدارس الفلاح، والمركز الثقافي المصري)، استقبال البعثات العلمية من الدول الإفريقية وكل الدول حديثة العهد بالاستقلال، تجويد القرآن وتوزيعه بأصوات خيرة المقرئين لأول مرة في تاريخ العالم الإسلامي.

التواصل: هل تعتقدون أن القومية مازالت تصلح للحكم، ولماذا نجد من يتهم الأنظمة القومية بالفشل والهزيمة؟

د.إزيد بيه: بالعكس، لقد أثبتت الأحداث والوقائع التي نعيشها عقب ما يطلقون عليه أفول الأنظمة القومية وما أعقبه من تساقط سريع للذين حكموا بعدها أو على أنقاضها، كما يحلو لهم أن يقولوا، أن هذه الأنظمة وذاك الأسلوب في الحكم هو الأمثل وهو الخيار الأصيل للشعب العربي، وقد أدار القوميون على مدى حقبة تقارب المائة سنة، الحكم بجدارة فيما تهاوت السلط البديلة في أقل من ثلاث "سنين" وتمزقت دولا كانت بالأمس موحدة وضاعت شعوب كانت عزيزة، ولقد سار القوميون على طريق تحقيق الأهداف الكبرى، حققوا من المكاسب والإنجازات ما لم يستطع تحقيقه أي نظام حكم آخر أتى من بعدهم، رغم حداثة العهد بالاستقلال وكثرة الخصوم المتضررة مصالحهم جراء هذه الاستقلالات، والضعف الذي وجدت عليه هذه الأنظمة الأمة جراء الحكم التركي والاستعمار الغربي وتركة الرجل المريض،

صحيح أنهم لم يحققوا حلمهم بالوحدة العربية لكنهم لم يفرقوا دولا كانت موحدة، وصحيح أنهم لم يحرروا فلسطين لكنهم لم يتركوا الصهاينة يقنعوا العالم بأنهم أصحاب الحق في الأرض، ولم ينل الكيان الصهيوني في عهدهم شرف التطبيع مع أي دولة عربية عكس ما عليه الحال الآن،  كانت هذه الأنظمة سدا منيعا دون انهيار الدول والأنظمة العربية الرخوة والتي نشاهدها اليوم تساق كالنعاج إلى مسالخ التطبيع في ظل الأنظمة البديلة،

كانت الأمة تقاتل والشعوب تناضل من أجل وحدة 22 دولة،  فأصبحت كل دولة من هذه الدول تقاتل من أجل الحفاظ على وحدتها بسبب استعانة هذه القوى البديلة بالأجنبي وسعيها إلى الحكم ولو على أشلاء الأوطان.

وعليه فإن القومية كانت ومازالت أصلح الأساليب لإدارة الحكم وبسط العدل بين الشعوب وخيار الشعب المنسجم مع أهدافه الإستراتيجية

التواصل: لو أسس الناصريون في موريتانيا حزبا سياسيا في موريتانيا فما هي مرتكزاته وأبرز أهدافه وطنيا وعربيا وإفريقيا ودوليا؟

د. إزيد بيه: ستكون مرتكزاته هي تلك التي تجسد الرؤية السياسية للفكر الناصري المكرس للعدالة الاجتماعية المتفاعل مع بعده القومي والديني والإقليمي في إطار الدوائر الثلاثة العربية والإفريقية والإسلامية، سيعمل على تحرير كل الأراضي العربية المستلبة وعلى رأسها قضية الأمة المركزية قضية فلسطين، سيناضل من أجل تحقيق تكامل عربي يفضى إلى وحدة اندماجية يعود بسببها العالم العربي إلى ريادة العالم علما واقتصادا وتسامحا .... وسيناضل من أجل أن تستعيد اللغة العربية مكانتها باعتبارها لغة الدين الإسلامي الموحد لكل الانتماءات الداخلية ولغة السواد الأعظم من أبناء هذا الوطن واللغة الرسمية للدولة بنص الدستور، سيكون الوطن العربي العمق الاستراتيجي والحضاري لهذا الوطن، والدول الإفريقية والإسلامية الأخرى السند والحليف والظهير 

التواصل: هل من كلمة أخيرة ؟

د. إزيد بيه: أجدد الشكر لكم وأقدم من خلالكم التهنئة للشعب العربي وإفريقيا وكل أحرار العالم والقوى الحية الصامدة بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة، وأؤكد من خلالكم للذين يرون، في تخاذل الأنظمة الحالية والاقتتال البيني بين شعبنا العربي الواحد، والتغلغل الغربي والتركي والإقليمي من خلال الحركات الشعوبية في هذه الدول، أقول لكل أولئك إن النصر آت لا محالة وشعبنا العربي الأبي أقوى وأبقى من جلاديه ومن المتخاذلين وخدام الأجنبي