السفير الفلسطيني في نواكشوط لـ "التواصل": الحق لا يسقط بالتقادم وحق شعبنا يتجسد في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين

سبت, 05/06/2021 - 00:18

قال سفير دولة فلسطين في موريتانيا، السيد محمد قاسم أسعد الأسعد، إن فلسطين "تربطهما علاقات أخوية متينة مع موريتانيا منذ بدايات انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وتمثل ذلك في افتتاح مكتب لحركة فتح في نواكشوط حتى تم تحويله إلى سفارة دولة فلسطين بعد إعلان الاستقلال عام 1988 لدرجة آن سفارة دولة فلسطين أصبحت عنوانا مهما لكل مواطن موريتاني"

وأشاد السفير الأسعد بمستوى هذه العلاقات والعمل على تعزيزها في كافة المجالات، مذكرا بالاتفاقيات القائمة بين البلدين والتي وقعها الطرفان خلال زيارة الرئيس محمود عباس أبو مازن لموريتانيا. منوها بما قدمته وتقدمه موريتانيا من دعم مادي ومعنوي للشعب الفلسطيني.

وأضاف السفير الأسعد، في مقابلة خص بها صحيفة التواصل: "خلال لقائي بالقيادة الموريتانية وعلى رأسها فخامة الرئيس أنني شعرت بالدفء وكل الدعم للشعب الفلسطيني بكل مكوناته وهذا ما شاهدناه في الأيام الماضية من خروج الجماهير الموريتانية شيبا وشبانا وقيادات من الأحزاب الموريتانية وعلى رأسها الحزب الحاكم في تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني والتي جابت شوارع نواكشوط لتؤكد دعمها الكامل لفلسطين والقدس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، إضافة إلى الندوات السياسية والإعلامية الداعمة للحق الفلسطيني في إقامة دولته فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف"

وقدم سعادة السفير الفلسطيني محمد الأسعد بالأرقام عدد شهداء وضحايا العدوان الأخير والخسائر التي ألحقها بالشعب والأرض في غزة وباقي مناطق المواجهات، كما أكد أن "النصر الذي حققته جماهير شعبنا في المقاومة بكافة أشكالها والتحالف الميداني في مواجهة العدوان دليل قاطع على أن النصر آت".

وشدد السفير الأسعد على أن الحق لا يسقط بالتقادم وأن حق الشعب الفلسطيني يكمن في استعادة أرضه المحتلة وإقامة دولته الفلسطينية على أرضه وعاصمتها القدس الشريف وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم.

وهذا نص المقابلة:

التواصل: سلمتم أوراق اعتمادكم سفيرا لدولة فلسطين في موريتانيا قبل أسابيع قليلة فقط فكيف وجدتم هذا البلد حكومة وشعبا ومناخا؟ وما هو تقييمكم لمستوى العلاقات الثنائية الموريتانية الفلسطينية؟ وهل يمكن لموريتانيا الاستفادة من الخبرات والكفاءات الفلسطينية في عملية التنمية الشاملة؟

السفير محمد قاسم الأسعد: تربطنا علاقات أخوية متينة مع موريتانيا منذ بدايات انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 وتمثل ذلك في افتتاح مكتب لحركة فتح في نواكشوط حتى تم تحويله إلى سفارة دولة فلسطين بعد إعلان الاستقلال عام 1988 ولدرجة آن سفارة دولة فلسطين أصبحت عنوانا مهما لكل مواطن موريتاني.

لقد قدمت أوراق اعتمادي لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وسبقه نسخة لمعالي وزير الخارجية السيد إسماعيل ولد الشيخ احمد والحقيقة أنني لم أجد أية صعوبات، وفي وقت قياسي ثم اعتمادي سفيرا لدولة فلسطين لدى الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة وهذا شرف كبير لي أن تكون موريتانيا  المحطة الثانية لعملي كسفير لدولة فلسطين بعد أوكرانيا.

 و لا بد من التأكيد انه خلال لقائي بالقيادة الموريتانية وعلى رأسها فخامة الرئيس أنني شعرت بالدفء وكل الدعم للشعب الفلسطيني بكل مكوناته وهذا ما شاهدناه في الأيام الماضية من خروج الجماهير الموريتانية شيبا وشبانا وقيادات من الأحزاب الموريتانية وعلى رأسها الحزب الحاكم في تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني والتي جابت شوارع نواكشوط لتؤكد دعمها الكامل لفلسطين والقدس أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، إضافة إلى الندوات السياسية والإعلامية الداعمة للحق الفلسطيني في إقامة دولته فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وما النصر الذي حققته جماهير شعبنا في المقاومة وبكافة أشكالها والتحالف الميداني في مواجهة العدوان الإسرائيلي إلا دليل قاطع على أن النصر آت.

والعودة إلى السؤال، طبعا هنالك الكثير والكثير مما يجمعنا في التعاون المشترك في مجالات عدة وأهمها:

توقيع اتفاقيات بين الطرفين خلال زيارة السيد الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين لموريتانيا عام 2016 ومنها:

تشكيل لجنة وزارية عليا بين الطرفين.

اتفاقية زراعية تشمل الثروة النباتية والسمكية.

اتفاقية حماية المستثمر.

وبالطبع تبادل الخبرات، وفي هذا السياق نحن على تواصل مع المعنيين في وزارة الزراعة وعلى خلفية زيارة وزير الزراعة الفلسطيني آنذاك د. سفيان سلطان والوفد المرافق له، وأيضا توقيع اتفاقيات بين مدير عام الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي عماد زهيري والطرف الموريتاني في مجال الخبرات الفلسطينية في موريتانيا. وهنالك أيضا تعاون في مجال الشرطة من خلال البعثة الفلسطينية المتواجدة في موريتانيا والبعثة الطبية وبعثة المعلمين، ونحن بصدد تجديد ومواصلة العمل المشترك في مجالات أخرى.

 وهنا لا يسعني إلا أن أشكر القيادة الموريتانية على تقديم منح دراسية للطلبة الفلسطينيين في مجالات عدة.. والجمهورية الإسلامية الموريتانية تقدم الكثير من العون للشعب الفلسطيني. إضافة للدعم المادي الكبيـر ومساندة الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد العدوان الإسرائيلي الأخير.. هذه العلاقة المتجذرة منذ عقود تؤكد على صلابة الموقف الموريتاني وأخوية هذه العلاقة.

التواصل: فرضت أحداث حي الشيخ جراح والأقصى والقدس وغزة وفلسطين عموما نفسها على واجهة الأحداث نتيجة جرائم الاحتلال وغطرسته، برأيكم هل نجح الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة مجددا في إرغام الاحتلال على الكف من حماقاته وخاصة في الشيخ جراح والأقصى ومراجعة حساباته بخصوص القضية الفلسطينية؟

السفير محمد قاسم الأسعد: القضية والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي القائم بقوة السلاح بدأت منذ النكبة عام 1948 وذهب ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى وتشرد ما يقارب 750 ألف نسمة من أصل 2 مليون نسمة، تشردوا إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة مثل لبنان- سوريا- الأردن- وأيضا في غزة والضفة الغربية، وما زال شعبنا الفلسطيني يعاني من تداعيات هذه النكبة خاصة وأن عدد هؤلاء اللاجئين في الشتات والمنافي أصبح  يقارب 5 مليون نسمة، وجاءت بعدها النكسة لتحتل إسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين،

ورغم القرارات الدولية ذات الصلة والمعاهدات الدولية وخاصة جنيف الرابعة إلا أن إسرائيل القائمة بقوة السلاح لم تلتزم بأي قرار وخاصة ما يتعلق بضم القدس والأراضي الفلسطينية والعمل على تهويد القدس وتغيير معالمها المقدسية (العربية والإسلامية) والحفريات تحت المسجد الأقصى وبناء المستوطنات الإسرائيلية التي أصبحت تحيط بمدينة القدس مسرى النبي (صلى الله عليه وسلم)، درة التاج وأرض المحشر والمهجر. وما جرى ويجري في مدينة القدس وأحيائها وخاصة حي الشيخ جراح هو مسلسل من الجرائم الإسرائيلية التي تستحق التحقيق بها في محكمة الجرائم الدولية.

 إن المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي شبه يومية على مدار السنين، انطلاقا من المحافظات الجنوبية لفلسطين (قطاع غزة) إلى مدينة جنين شمالا، إلا أن الأحداث الأخيرة والمواجهات في مدينة القدس والشيخ جراح تأتي ضمن مواجهة المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى تهويد مدينة القدس وتقسيمها الزماني والمكاني ولكي تحافظ على ما جاء في صفقة القرن بأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

 وكما جاء في أقوال السيد الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، "القدس ليست للبيع أو المساومة وستبقى عاصمة دولتنا الأبدية.." وما شاهدناه من مواجهات يومية في القدس وامتدادها إلى جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة من مقاومة المحتل بكافة أشكالها

سقوط 272 شهيدا منهم 66 طفلا 39 سيدة و17 مسنا و 1900 جريح منهم 560 طفلا 380 سيدة و91 مسنا.

تدمير1447 وحدة سكنية كليا

1300 وحدة سكنية تضررت جزئيا

15 عائلة أبيدت بالكامل

86 مدرسة ومرفقا صحيا وعيادة تم استهدافها

300 منشأة صناعية تم استهدافها

7 مصانع دمرت كليا وتدمير 8 مساجد بشكل كامل وتضرر العشرات من المساجد الأخرى

50.000 فلسطيني تم تشريدهم ليحتموا في عدد من المدارس

وهنا لابد من التأكيد على أن هذه العائلات شردت من بيوتها من آثار القصف الإسرائيلي لتواجه مصيرها الآخر وهو مع فيروس الكورونا.. هذا ما يعانيه شعبنا البطل الصامد المرابط في القدس وغزة والضفة الغربية.

نقول إن القدس تجمعنا وأصبحت الأقرب وهذه المعركة والمواجهة العسكرية والميدانية لها طابع يختلف عن سابقاتها من المواجهات بوحدة المقاومة بكافة أشكالها ووحدة الموقف السياسي ووحدة الموقف الميداني ونقول إن الجرح الفلسطيني هو واحد ولا فرق بين هذا الحزب أو ذاك التنظيم ونستطيع القول أيضا بأن العين استطاعت أن تتحدى المخرز وذلك بصمود شعبنا ومقاومته، فقد أعيدت القضية الفلسطينية إلى الواجهة والى مكانتها الحقيقة.

التواصل: هل كانت موريتانيا حكومة وشعبنا، برأيكم، على مستوى التحدي؟ وكيف تقيمون الموقف الموريتاني الرسمي والشعبي من فلسطين عموما ومن الأحداث الأخيرة بشكل خاص؟

السفير محمد قاسم الأسعد: سبق وذكرت بأن العلاقة الفلسطينية- الموريتانية ليست وليدة هذه اللحظة وإنما تمتد إلى عشرات السنين من الأخوة والتضامن والتعاون والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في كل مراحل نضاله وقضيته العادلة في جميع المحافل الدولية.

إن الاتصال الذي أجراه فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بأخيه سيادة الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس رئيس دولة فلسطين هو تأكيد على الثوابت والمواقف المبدئية وما سبقتها من بيانات سياسية صادرة من معالي وزير الخارجية السيد إسماعيل ولد الشيخ احمد والبيانات الصادرة عن الحكومة و البرلمان هي أيضا تأكيد على عمق هذه العلاقة التضامنية المبدئية اتجاه الشعب الفلسطيني بكل قواه السياسية والعسكرية.

ونحن نثمن عاليا مواقف موريتانيا في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمات المجتمع الدولي والمدني فهـي ثابتة وراسخة لدعم فلسطين وشعبها والرافضة للتطبيع مع إسرائيل والتزامها بالمبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية وقرارات القمم العربية ذات الصلة.

ومن خلال تواجدي على الأراضي الموريتانية لفترة لا تتجاوز الشهرين فقد لامست الإخلاص والوفاء والمحبة وصدق التعامل والمواقف النبيلة والمبدئية للقيادة الموريتانية وعلى رأسها فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وهذه الحشود للجماهير الموريتانية التي خرجت عن بكرة أبيها من أحزاب سياسية على اختلاف مبادئها وبرلمانيين ووزراء دولة ودبلوماسيين وأطباء ومهندسين ومحامين، والشيخ والفتاة والشبل والطفل، في شوارع نواكشوط لمناصرة ودعم فلسطين والمقاومة بكافة أشكالها هو التعبير الحقيقي النابع عن الشعور بالمسؤولية اتجاه شعبنا وقضيته العادلة والقضية لم تقتصر فقط على هذه الحشود للجماهير الموريتانية التي خرجت إلى شوارع نواكشوط وتركت أثرا عميقا صادقا في نفوس الشعب الفلسطيني وإنما أيضا الندوات واللقاءات والمؤتمرات الصحفية والبيانات الصادرة من كل مؤسسات الدولة والمواقف في كل محافل الدول هو التجسيد الحقيقي لمواقف موريتانيا قيادة وحكومة وشعبا.

التواصل : كان من الممكن أن يتم فرض ما يسمى بصفقة القرن إلا أن الرئيس أبو مازن والسلطة الفلسطينية وقفت لها بالمرصاد ورفض الرئيس عباس استقبال أي مسؤول أمريكي أو حتى استقبال مكالمة منهم وخاصة بعد اعتبار الرئيس الأمريكي ترامب مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني. برأيكم هل فشلت صفقة القرن وما هي تفاصيلها؟

السفير محمد قاسم الأسعد: القضية الفلسطينية تعرضت لكثير من الصفقات والمؤامرات التصفوية على مدار العقود الماضية ابتداء من وعد بلفور المشؤوم وصولا إلى صفقة القرن، لكن صمود شعبنا وعلى رأسه القيادة الفلسطينية متمثلة بالرئيس أبو مازن حال دون نجاحها، وبالمناسبة قبل اجتماعات ترامب مع نتنياهو فقد التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الرئيس ترامب في واشنطن ورام الله وتم الحديث حول السلام وأبدى ترامب رغبته وادعى بأنه كان منفتحا حول الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سواء دولة واحدة أو دولتين كما يريد الطرفان واعتبر أن الاستيطان هو العقبة الرئيسية أمام الحل ولكن بعد لقاء ترامب بنتنياهو تبدلت الأمور وانقلبت الموازين رأسا على عقب وبدأت الضغوط على القيادة الفلسطينية من خلال إجراءات اتخذتها الإدارة الأمريكية من وقف المساعدات المالية وإغلاق مكتب م ت ف في نيويورك ووقف الدعم المالي للأونروا والانسحاب من منظمات دولية ووقف المساعدات المالية لها، وأيضا بالموافقة على تعديل المبادرة العربية إلا أن القيادة الفلسطينية صمدت أمام هذه الضغوط.   

هم أرادوا تطبيق المبادرة تطبيق عكسي ونحن قلنا نطبقها كما هي نصا وروحا وليست العكس بمعنى ان تنسحب إسرائيل أولا وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق العودة للاجئين الفلسطينيين استنادا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 وعند ذلك تقوم الدول العربية والإسلامية بالتطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل.

بالطبع لقد سرب الكثير من صفقة القرن والتي خلاصتها نريد تسوية للقضية الفلسطينية ولكنها في الحقيقة تصفية للقضية الفلسطينية وليست دولة فلسطينية بحدود 67 كما جاء في المبادرة العربية وكما جاء بالقرارات الدولية ذات الصلة.. وإنما حصر الحل الفلسطيني في قطاع غزة وجزء من سيناء بمعنى إعطاء الفلسطينيين 1700 كلم مربع تضاف لقطاع غزة ولتكون مقر للدولة الفلسطينية هذا بالإضافة إلى إغراءات مالية تقدر بمئات المليارات من الدولارات إضافة إلى إعادة بناء غزة و ميناءها ومطارها وخطوط حديدية تصل إلى دول العالم العربي.

فالقدس تُضم لإسرائيل وهذا ما صدر من الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وهي اعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وبدأها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ومن هنا جاء القرار الأمريكي تماشيا مع هذه الرؤية والمستوطنات ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية وبقية مناطق الضفة الغربية خارج السيادة الفلسطينية والدولة الفلسطينية على أن تخضع لنوع من الحكم الذاتي المطور بعلاقة مع الأردن مثل كونفدرالية أو تقاسم الوظيفة وبالتالي لا توجد دولة فلسطينية.

 إلا أن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني هبا لمواجهة هذه الصفقة وعملت القيادة الفلسطينية لتدير لعبة معقدة بين السياسة و المقاومة الشعبية والتحرك الدبلوماسي على جميع الصعد لمواجهة هذه الصفقة. ونقول بأن صمود شعبنا في أرضه ووطنه ومواجهاته اليومية للاعتقالات والمداهمات وسرقة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت، وجميع أشكال المواجهة أسقط صفقة القرن، وبالتأكيد كان هنالك دعم أوروبي ودولي رافض لصفقة القرن والتي تعارض جميع القرارات الدولية والقانون الدولي والأعراف الدولية. 

 كما قال الشعب الفلسطيني كلمته "لا نسمح بأن تعاد النكبة والنكسة وسيبقى شعبنا صارما مدافعا عن أرضه وحقه في بناء دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".

  إن إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنثوني بلنكن عن فتح القنصلية الأمريكية في القدس والتأكيد على حل الدولتين واحتـرام الوضع القائم في الحرم الشريف ومنع تهجير الفلسطينيين من القدس والشيخ جراح والتأكيد على إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس تعتبر من أهم القرارات السياسية وهذا يعني فشل صفقة القرن إضافة إلى المساعدات المالية التي قدمت للشعب الفلسطيني لإعادة إعمار غزة من جراء العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة.

التواصل:  يعتقد المراقبون أن واشنطن حاولت فرض صفقة القرن بشكل أو بآخر بعد رفض الفلسطينيين لها، فعمدت إلى إقناع بعض العرب بأهمية الاعتراف بكيان الاحتلال والتبادل معه، على اعتبار أن ذلك سيضطر الفلسطينيين للقبول بهذه الصفقة من جديد، ترى ماذا تقولون للدول العربية التي أقامت علاقات مع الكيان العنصري، خاصة بعد ما شاهدته من جرائم خلال الأيام الماضية بما في ذلك تقتيل الأطفال والنساء؟

السفير محمد قاسم الأسعد: كما تعلمون نحن في نهاية المطاف ننظر إلى علاقاتنا العربية من منظور مواقف تلك الدول بخصوص القضية الفلسطينية، وكانت هنالك محاولات أخيـرة من قبل الأشقاء في جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية عبر وزيري خارجيتهما سامح شكري وأيمن الصفدي والتنسيق مع وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي في عقد اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية والموضوع حول بند واحد وهو إعادة التأكيد على صلابة مواقف الدول العربية من القضية الفلسطينية وأنه بالرغم من كل ما تم من عمليات تطبيع إلا أن ذلك لم يؤثر على مواقف تلك الدول من القضية الفلسطينية، وأعادوا التأكيد على وحدة موقفهم من القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية الأولى للدول العربية جميعها وهذا ما صدر عن ذلك الاجتماع من بيان قوي يؤكد على ذلك.

 ونحن انطلقنا من ذلك الاجتماع إلى اجتماعات أخرى لاحقة كان آخرها الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري وما صدر من قرارات وتحركات للمجموعات العربية على الصعيد الدولي والتأكيد على قرارات الشرعية الدولية وقرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية. ونثمن مواقف الدول العربية التي رفضت التطبيع والتمسك بالمبادرة العربية نصا وروحا.

التواصل: يرجح عدد من المهتمين بالشأن الفلسطيني أن ما عجزت حوالي ثلاثة عقود من المفاوضات "السلام" عن تحقيقه، ستحققه المقاومة المسلحة لو حصلت على الدعم من العرب والمسلمين بما في ذلك تحرير كل فلسطين، هل تعتقدون أن هذه القراءة موضوعية؟

السفير محمد قاسم الأسعد: دائما كانت الجماهير الفلسطينية طليعة العمل الوطني وصاحبة القرار الوطني في الميدان بأنها تؤمن بحتمية الانتصار والأكثر استعدادا للتضحية وخاصة هذه المرحلة التاريخية والمفصلية والجماهير الفلسطينية والعربية تواصل العطاء الوطني في كل المواقع النضالية وتتحرك دعما وإسنادا للحق الفلسطيني باستعادة أرضه ووطنه وحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين شردوا عام 1948 وكما تعلم بأننا جزء من هذا العالم نؤثر ونتأثر به ومنذ اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية فقد رفعت الكثير من الشعارات النضالية واتخذت القيادة الفلسطينية القرارات الصعبة في المرحلة الصعبة وهي تدرك بأهمية الحفاظ على المبادئ الأساسية وهي تحرير فلسطين وكانت أولها قرارات منظمة التحرير الفلسطينية " م ت ف" عام 1974 وخطاب الرئيس الشهيد الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة وكلمته المشهورة "جئتكم اليوم حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر باليد الأخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" وإضافة إلى تبنـي "م.ت.ف" عام 1974 قرارا ببناء دولة فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريرها أو  الانسحاب منها..

لقد خاضت م.ت.ف معارك عديدة للحفاظ على قرارنا الفلسطيني المستقل ودفعت شلالا من الدم وآلاف الجرحى والشهداء وكانت ملحمة بيروت عام 1982 وقبلها 1978 دليلا على ذلك، إلى أن جاء مشروع بوش الأب في عقد مؤتمر دولي للسلام في مدريد وما نتج عنه من جولات عديدة لم تفضي بشيء بل قالها آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق شامير وقال إنني مستعد للحوار مع الفلسطينيين عشرون عاما ولن نعطهم شيئا، فجاءت المحادثات السرية التي عرفت بأوسلو والتي تم التوقيع عليها في واشنطن عام 1993 على أن تفضي لمؤتمر دولي عام 1998 للحل النهائي ومنها القدس والمياه والحدود والاستيطان واللاجئين.

 وعلى إثرها تمت عودة ما يقارب 450.000 فلسطيني إلى وطنهم الأم فلسطين، ولا بد من التأكيد على القوى الداعمة للقضية الفلسطينية منها الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التي انهارت في بدايات التسعينات. وبذلك تحولت لمعادلة من لغة التوازنات إلى لغة المصالح وأصبحت أمريكا آنذاك اللاعب الأوحد في العالم، وللأسف لم تستطع أمريكا آنذاك أن تفرض على إسرائيل الحل العادل والدائم والشامل للشرق الأوسط مما لا شك فيه فقد خضنا عدة جولات مع الطرف الإسرائيلي في عهد اولمرت ونتنياهو في عام 2007 بضغط دولي وخضنا 3 جولات ولكن في الجولة الرابعة لم يلتزم نتنياهو بتعهداته بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين قبل عام 1994 وهو من البديهي إطلاق سراحهم حسب اتفاقية أوسلو، وأغلق الأبواب أمام أي حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

التواصل: تنازل العرب الرسميون في مبادرتهم للسلام عن فلسطين التاريخية، أي أراضي 48 التي قاتلوا من أجلها، ويطالبون اليوم بالأراضي المحتلة عام 1967، هل تعتقدون أن هذا التنازل مقبول جماهيريا ويمكن أن يشكل حلا دائما للصراع الذي كان سببه الاحتلال عام 1948؟

السفير محمد قاسم الأسعد: السياسة هي فن الممكن وفن الصدق وفن المعاملة، وكما جاء في القرآن الكريم " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" صدق الله العظيم.

 الحق لا ينتهـي بالتقادم وحق الشعب الفلسطيني يتجسد في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا عام 1948 إلى ديارهم بناء على قرار 194 والأرض الفلسطينية التاريخية هي للشعب الفلسطيني وبتواطؤ مع الدول العالمية ودعم وعد بلفور عام 1917 وبناء المستوطنات قبيل إعلان دولة الاحتلال كان تمهيدا لفرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني والعالم العربي وما قامت به إسرائيل القائمة بقوة السلاح فرض هذه الوقائع وذهبت إلى ابعد من ذلك في احتلال أراضي الغير مثل الجولان وسينا آنذاك، وبدأت في بناء مستوطنات وجدار الفصل العنصري وضم الأراضي بما فيها القدس المحتلة وهضبة الجولان، وخاضت معارك عديدة مع محيطها عام 1973 و1982 و 2006 وواجهت الانتفاضة الأولى عام 1987 والانتفاضة الثانية 2000 والعدوان الذي شنته على شعبنا في قطاع غزة 2008 و2012 و2014 وآخرها 2021 لتثبت وجودها وفرض أمر واقع جديد على الأرض الفلسطينية.

 إلا أن هذه الهبة الأخيـرة، والتي جاءت دفاعا عن القدس والأقصى للكل الفلسطيني في غزة المقاومة والضفة الغربية في كل مدينة وقرية وشارع وفي القدس التي وحدت الشعب الفلسطيني وهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، إضافة إلى أهلنا في الـ 48 في اللد وعكا والناصرة وحيفا ويافا وكل القرى الفلسطينية، لتؤكد عروبة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في هذه الأرض، وجاءت المساندة من جماهير شعبنا في الشتات والمنافي وجماهير الأمتين العربية والإسلامية مساندة لهذا الشعب المناضل والمرابط وحققت الكثير من تغيير في الموازين وقوانين اللعبة السياسية والعسكرية وفرضت وقائع جديدة على الأرض وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة في المحافل الدولية والمواقف الدولية في التعبير عن الإدانة والاستنكار لما تعرض له شعبنا الفلسطيني من عدوان غاشم.

التواصل: أكثـر من 90 % من اليهود الوافدين إلى فلسطين، وهم الأغلبية، يحملون جوازات سفر لدولهم الأصلية، وشهدت المواجهات الأخيرة حديثا جديا بين الأوساط الصهيونية عن أن عودتهم إلى بلدانهم الأصلية بات أمرا حتميا، خاصة إذا حصلت مواجهات أوسع مع دول الجوار، هل تعتقدون أن الصهاينة أصبحوا يدركون أن فلسطين ليست أرضهم؟

السفير محمد قاسم الأسعد: عندما بدأت الهجرة إلى بلادنا جاءت من جميع أقطار الأرض وجميع لغات الأرض حتى بلغ عدد المهاجرين السوفييت أو الناطقين باللغة الروسية ما يقارب مليونا ونصف المليون نسمة، والقادمين من أوروبا وأمريكا ما يقارب 2 مليون نسمة، ومن الدول العربية وآخرها من السودان وإثيوبيا بالإضافة إلى مليون ونصف مليون فلسطيني من الأرض الفلسطينية التاريخية.

إن السياسة الإسرائيلية العنصرية (الأبرتهايد ) أصبحت في الواجهة وخاصة قرار الكنيست الإسرائيلي بيهودية الدولة، وما الهبة التي حصلت قبل عام ونصف من الإثيوبيين في شوارع تل أبيب، تعبيرا عن سياسة الفصل العنصري إلا تأكيدا على هذه العنصرية،

وهنا يجب أن اذكر  بأنه عندما بدأت هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي أخذ قرارا مجلس السوفييت الأعلى بسحب الجنسيات وعدم العودة لمن يغادر إلى فلسطين التاريخية، إلا أن القيادة الفلسطينية أقنعت الرئيس السوفيتي غورباتشوف آنذاك بالسماح للذين يرغبون بالعودة وهو ما انعكس على الكثير من الدول الأخرى في الحفاظ على جنسيتهم الأم، ومما لا شك فيه فقد أثبتت التجارب ومن خلال الحروب التي شنتها إسرائيل في المنطقة حيث نشطت حركة المهاجرين بالعودة إلى بلدهم الأم. وإذا ما نظرنا إلى العدوان الأخيـر على شعبنا، فقد لاحظنا الكثير من المواطنين الروس وغيرهم يدعون للعودة إلى ديارهم والدعوة لعدم الذهاب إلى إسرائيل.

 لقد لعبت الحركة الصهيونية دورا مضللا لدول العالم من اجل بناء دولتها وتثبيت مقولتها (شعب بلا ارض لأرض بلا شعب) واثبت التاريخ بان هذه الأرض تم تشريد أهلها ما يقارب خمسة ملايين نسمة ويسكن فيها ما يقارب مليونا ونصف مليون نسمة،

وأما فيما يتعلق بأن الصهاينة أصبحوا يدركون أن فلسطين ليست أرضهم أذكر هنا بالمؤتمر الأول في بازل وما طرح على جدول أعمال ذلك المؤتمر ففيه الرد على سؤالكم.

التواصل: هل ترغبون في توجيه كلمة أخيرة ؟

السفير محمد قاسم الأسعد: في هذا السياق تشكر دولة فلسطين جميع الدول والمسؤولين الأمميين والأطراف التي عبرت عن إدانتها للعدوان على شعبنا وخاصة مواقف الجمهورية الإسلامية الموريتانية وبقيادة الزعيم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني على اتصاله مع أخيه سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس الدولة الفلسطينية للتعبير عن تضامنه ودعمه للشعب الفلسطيني وكافة القوى السياسية في موريتانيا والدعم المالي المعد من قبل الأحزاب السياسية للمقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها وللشعب الصامد في غزة وإعادة إعمار غزة.

ونطالب المجتمع الدولي بممارسة الضغط على دولة الاحتلال للتراجع عن مخططاتها لتهجير أهلنا في حي الشيخ جراح، والحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك.

إن المجتمع الدولي مطالب الآن، أكثر من أي وقت مضى، بمعالجة جذور الصراع الحقيقية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين عبر الشروع فورا في إطلاق جهود دولية لعقد مؤتمر دولي للسلام وفقا لمبادرة السيد الرئيس محمود عباس.

التواصل: شكرا سعادة السفير

أجرى الحوار: أحمد بن مولاي محمد

السفير الأسعد مع قادة حزب الاتحاد من اجل الجمهورية في مسيرة الاحزاب السياسية المنددة بالعدوان الصهيوني الأخير