نداء من ليبيا، رسالة أخوة ومحبة  للقاهرة عاصمة  الوحدة  العربية

أحد, 09/08/2020 - 00:41

د. محمد عمر غرس الله  / باحث أكاديمي، ودبلوماسي ليبي سابق

إن  أسوأ ما فعلته المبادرة المصرية (إعلان القاهرة* يونيو 2020م) حول ليبيا، أنها أخرجت تخاريف (عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي) حول تثليث ليبيا وفدرلتها سياسياً ووضعها على طريق التقسيم - من مربوعته* في  شعاب مدينة  القبة (شرق بنغازي 206كلم) - وأعطتها بُعدا سياسيا عربيا ودوليا، وبلسان رئيس أكبر دولة عربية، ومن أكبر عاصمة عربية (القاهرة عاصمة الوحدة العربية).

هذه المبادرة، لأنها باسم مصر، جعلت الرأي  العام العربي يخلط بين حبنا للقاهرة وتقديرنا العالي لمصر، مع فدرلة  ليبيا وتثليثها سياسياَ ووضعها على طريق التقسيم، فلم ينتبه الشارع العربي إلي سؤة هذه المبادرة - وما حوته من مقترح تثليث ليبيا سياسياً - التي أعادت سياق (مشروع بيفن سيفورزا  17 مايو  1949 م) - الذي سعي لتقسيم ليبيا وفدرلتها سياسياً  (برقة - طرابلس - فزان) - ونفخت فيه الروح من جديد، تحت جُنح  فكرة الأمن القومي المصري، وتحت غطاء مساندة الأخ لأخيه، بالرغم من أن فدرلة ليبيا لا تخدم البتة أمن مصر القومي، وتثليث ليبيا سياسياً على ثلاثة مناطق تحت إشراف الأُمم المتحدة - أبداً -  ليس طريق مؤازرة، وليس فيه أي شيء من الأُخوة (رغم عدم شكنا في النوايا المصرية ودور مصر)، فمقاومة ورفض الغزو  التركي الظالم لليبيا، لا يتم بالدعوة لفدرلة ليبيا،  وتقسيمها على مناطقية سياسية وتثليث مواردها وإمكانياتها وإدارتها السياسية،  الأمر الذي يضعها  على  طريق  التفتيت والتقسيم.

ونحن بصراحة بالغة، نستغرب كيف وقع المطبخ السياسي المصري العريق في هذا،  وكيف تسجل القاهرة على  نفسها في التاريخ دعوة لفدرلة ليبيا وتثليثها سياسياً، حيث لم يحدث في التاريخ العربي أن دعت عاصمة عربية لفدرلة دولة عربية شقيقة، ووضعها على طريق التفتيت والتقسيم بحجة الأمن القومي ومؤازرة الأشقاء، فالسياسي المصري الخبير والذكي والمتمكن، يعرف جيداً إلي  أين  يصب  هذا  المشروع؟،  وإلى أين يؤدي هذا  الطريق؟. 

إن الوعي بما يجري، يحتم علينا أن نقول الحقيقة في زمانها ومكانها دون تأخير، بصدق ومحبة كاملة وتامة وتقدير لإخوتنا وأهلنا وأشقائنا في مصر العروبة.

ونتساءل في ذلك، كيف تسجل القاهرة ومصر العروبة على نفسها،  وبلسان رئيسها، مبادرة إعادة الحياة لمشروع  تفتيت ليبيا، وتقسيمها، تحت مسمى أقاليم سياسية ثلاثة (طرابس - برقة - فزان): روح وكنه مشروع (بيفن سيفورزا 1949م)،  الذي قاومناه وأسقطناه وقتها، بمؤازرة إخوتنا العرب، وعلى رأسهم مصر العروبة ومن عاصمة الوحدة العربية (القاهرة).

إن تخاريف الجاهل بالتاريخ الوطني والحركة الوطنية في ليبيا (عقيلة صالح)،  ليست  اليوم  أقوى  من  مشروع  وزير خارجية إيطاليا  (بيفن) و وزير خارجية بريطانيا ( سيفورزا) مايو 1949م، كما أن رؤساء برلمانات الشعوب، دائما يمثلون وحدة بلدانهم السياسية، يبقون ضميرا وطنيا في ذلك، فكيف تشجع القاهرة وتتبنى سياسياً تخاريف الذي سقط في الامتحان الوطني، وتمترس على المناطقية، وأخرج مشروع تفتيت وتقسيم ليبيا (مشروع بيفن سيفورزا) وجعل منه ثرثرة يرددها صباح مساء، وتعطيها بعدا عربيا وتسجل ذلك على نفسها في التاريخ العربي.

إن القوة الوطنية في ليبيا، تعضدها القوة العربية المقاومة على امتداد الأُمة، وعلى رأسها القوة المقاومة في مصر  العروبة، - واعية ومقاومة لما  يتم فعله بليبيا، وما يتم  اقتراحه من مشروع تفتيت وتقسيم وقتل اجتماعي لليبيا  - ونحن لن نسكت، ولن نقف مكتوفي الأيدي، فباب النضال الوطني لم يغلق، ولم يستنفذ بدائله، ولا يستطيع أحد في هذا العالم غلقه - حتى يرى الأقلمة والفدرلة والتثليث المناطقي سياسياً والتقسيم حلاً، فالشعوب لها بدائلها التي تصنعها من الواقع مهما ساءت الظروف، فالإرادة الوطنية أقوى وأكثر حضور وفعل، والليبيين شعب  مقاوم جسور تاريخياً، والليبيون سيواجهون العدوان التركي ويدحرونه طال الزمن أو قصر، موحدين شعب واحد ومجتمع واحد ودولة واحدة موحدة، فلن يكون التثليث السياسي مناطقياً وفدرلة ليبيا طريق مقاومة، بل سيكون وبالاً على الوضع الوطني الليبي ويفتته ويقسمه ويعيق مقاومته .

إننا وبكامل التقدير ندعو إخوتنا في القيادة المصرية، لتعديل المبادرة، وإلغاء ما جاء فيها حول مقترح فدرلة ليبيا  وتثليثها سياسياً على ثلاثة مناطق سياسية،  وكلنا ثقة في تفهم مخاوفنا على الوحدة الوطنية. 

كما ندعو ونطالب إخوتنا في مصر والقوة العروبية القومية - التي ظلت دائماً روح مقاومة الأمة الفكرية والسياسية -  أن يقولوا رأيهم اليوم ويجاهروا به، فهم ضمير الأُمة وتعبير عن وحدتها، ونطالبهم أن يرفضوا معنا مشروع تقسيم  ليبيا وتفتيتها وفدرلتها على ثلاثة مناطق سياسية، وان لا يرضوا بأن تصبح القاهرة صوتاَ لتخاريف (عقيلة صالح) وأوهام  الأقاليم السياسية الثلاثة في ليبيا، الأمر الذي ننتظره منهم من داخل القاهرة نفسها، القاهرة التي لا تخلف ميعاد الأمة ووحدتها، القاهرة روح وحدة الأمة، القاهرة التي تعي جيداً مشروع التفتيت الذي يستهدفنا، وليذهب (عقيلة صالح،  وبرنار  ليفي 2020م)، كما  ذهب  قبلهم  (مشروع   بيفن  سيفورزا ء 1949م)  لمزبلة التاريخ. 

عاش نضال أمتنا،  ووحدة وعيها الفارق، والمجد للأمة العربية