بعد 30 عاماً على المجزرة.. رواندا تُحْيي ذكرى الإبادة الجماعية بحق التوتسي

اثنين, 08/04/2024 - 18:59

أحيت رواندا، أمس الأحد، ذكرى مرور 30 عاماً على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها مجموعات "متطرّفة" من الهوتو ضد التوتسي. 
وقُتل حينها أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي، إلى جانب الهوتو المعتدلين، في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء، بعضهم ضد بعض، في أحد أكثر فصول التاريخ قتامة، في أواخر القرن العشرين.
وكما كل عام، أشعل رئيس رواندا، بول كاغامي، زعيم الجبهة الوطنية الرواندية، والذي أطاح، في تموز/يوليو 1994 نظام الهوتو الذي ارتكب الإبادة الجماعية، شعلةً في نصب جيسوزي التذكاري في كيغالي.
وقبيل الذكرى، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي اعترف عام 2021 بـ"مسؤوليات" فرنسا في الإبادة الجماعية، إنه كان في إمكان بلاده "وقف الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 مع حلفائها الغربيين والأفارقة"، لكنها "لم تكن لديها الإرادة".
وحضر المناسبة عدد من الزعماء والمسؤولين الأجانب، أبرزهم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، ووزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، ووزير الدولة لشؤون البحر هيرفي بيرفيل.
ومن المرتقب أن تستمرّ مراسم ذكرى الإبادة الجماعية أسبوعاً، فيما يُعرف باسم "أسبوع الحداد الوطني"، بحيث يجري تنكيس الأعلام في جميع أنحاء رواندا.
وسيتم منع عزف الموسيقى في الأماكن العامة أو في الإذاعة، وستُمنع القنوات التلفزيونية من بث الأحداث الرياضية والأفلام، ما لم تكن على صلة بمراسم إحياء الذكرى.
تجدر الإشارة إلى أن اغتيال الرئيس الروندي المنتمي إلى الهوتو، جوفينال هابياريمانا، في الـ6 من نيسان/أبريل 1994، عندما أُسقطت طائرته فوق كيغالي، أثار موجة غضب في أوساط متطرّفي الهوتو وميليشيا "إنترهاموي"، الأمر الذي أدى إلى اندلاع أعمال القتل.
وقُتل الضحايا عن طريق إطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت، في عمليات قتل غذّتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي، والتي بُثَّت عبر التلفزيون والإذاعة. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 100 ألف و250 ألف امرأة تعرّضن للاغتصاب حينها، وفق بيانات الأمم المتحدة.
وفرّ مئات آلاف الأشخاص، ومعظمهم من عرقية الهوتو، إلى بلدان الجوار، بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية. وحتى اليوم، لا تزال المقابر الجماعية تُكتشف في رواندا.
وواجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة بسبب فشله في حماية المدنيين، بحيث خفّضت الأمم المتحدة عديد قوتها لحفظ السلام بعيد اندلاع أعمال العنف، في حين حافظت فرنسا على علاقات وثيقة بنظام الهوتو عندما بدأت الإبادة الجماعية، الأمر الذي دفع كيغالي إلى اتهامها بـ"التواطؤ"، وصولاً إلى حد قطع العلاقات بين فرنسا وكيغالي بين عامَي 2006 و2009، قبل أن يعود التقارب بين البلدين، عقب تشكيل ماكرون لجنة خلصت في عام 2021 إلى أن فرنسا "تتحمل مسؤولية كبيرة" في تلك الأحداث، مع استبعاد تهمة "التواطؤ".
ومنذ 30 عاماً، تقوم رواندا بتنفيذ عدد من مبادرات المصالحة الوطنية، مثل المحاكم الأهلية التي أقيمت عام 2002، ومكّنت أهالي الضحايا من الاستماع إلى "اعترافات" الذين اضطهدوهم.
يُذكر أن تقريراً أعدّه مكتب محاماة أميركي، بناءً على طلب من رواندا، نُشر عام 2021، أفاد بأنّ فرنسا "تتحمل مسؤولية كبيرة" عن الإبادة الجماعية بحق إثنية التوتسي، التي جرت في رواندا عام 1994، وراح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص خلال 3 أشهر، ولا تزال ترفض الاعتراف بتورطها في هذه المأساة.
وقال التحقيق، الذي أعده مكتب المحاماة "ليفي فايرستون ميوز" بتكليف من الحكومة الرواندية، في عام 2017، إنّ فرنسا كانت تعلم بالاستعداد لإبادة جماعية، لكنها استمرت في تقديم "الدعم الراسخ" إلى نظام الرئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا، واستمر هذا الدعم حتى عندما "أصبحت نيات الإبادة الجماعية واضحة".
 وأكد معدّو التّقرير، بشأن دور فرنسا في هذه المجازر، أنّه "خلصنا إلى أنّ الدولة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة في جعل الإبادة الجماعية المتوقعة ممكنة، وخصوصاً بالنسبة إلى إثنية التوتسي".
وبينما لم يتمكن التقرير من تقديم أي دليل على تورط مسؤولين أو موظفين فرنسيين في عمليات القتل، التي وقعت بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 1994، فإنه رفض فكرة، مفادها أنّ باريس كانت "عمياء" عن الإبادة الجماعية التي كانت تُحَضَّر، لينسجم ذلك مع استنتاجات تقرير لجنة مؤرخين فرنسيين سُلّم، في نهاية آذار/مارس، إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكانت لجنة دوكلير خلصت إلى أن "لا شيء يثبت تواطؤ" فرنسا في الإبادة، لكنها تتحمل "مسؤولية كبرى وجسيمة" في المأساة، ولاسيما من خلال "تغاضيها عن الاستعداد" للإبادة الجماعية. ويؤكد التقرير الأميركي، من جانبه، أنّ فرنسا كانت "مساعِدةً جوهرية على إنشاء المؤسسات التي أصبحت أدوات للإبادة الجماعية".
 وذكر التقرير ، أيضاً، أنّه "لم تكن أي دولة أجنبية أخرى على علم بالخطر الذي يمثله المتطرفون الروانديون مع دعم هؤلاء المتطرفين، وكان دور السلطة الفرنسية غريباً"، مشيراً إلى أنه "مع ذلك، لم تعترف الدولة الفرنسية بعدُ بدورها، ولم تقدم اعتذاراً بصورة رسمية". كما اتّهم مؤلفو التّقرير فرنسا بعرقلة تحقيقهم عبر تجاهل طلباتهم للحصول على وثائق.
الميادين نت