هل تجاوز الطرح الايديولوجي في موريتانيا مرحلة الشعارات ؟

اثنين, 25/03/2024 - 18:51

تلقفت النخب الموريتانية الأفكار الايديولوجية التي سادت في العالم خلال القرن العشرين وظهرت حركات ايديولوجية متعددة المشارب: ليبرالية ،قومية ، اسلاموية و ماركسية.
فهل تجاوزت تلك الحركات في نضالاتها مرحلة حمل الشعارت؟، وما مدى تأثير الخطاب الإيديولوجي على المشهدين السياسي والاجتماعي؟، وأي مسؤولية تتحملها تلك الحركات في ما وصل إليه البلد من انهيار ؟
 لا شك أن الواقع الموريتاني كان شديد التشابه مع واقع البلدان العربية التي ظهر فيها الفكر القومي من تبعية واستعمار وسيطرة للاقطاع وانتشار الأمية والتخلف وضعف الاقتصاد، ينضاف إلى ذلك أزمة الهوية التي رافقت ميلاد الدولة الموريتانية.
وهي ظروف شكلت تربة خصبة لتبني الكثير من الشباب للطرح القومي وهو ما يمكن أن يفسر سرعة انتشاره بشكل لافت وفي فترة قياسية وبدون سند خارجي، خاصة الطرح الناصري.
لكن تركيز القوميين على النضال من أجل استرجاع الهوية والتأخر في مواجهة الواقع الاجتماعي بمفرداته السلبية كالقبلية وظاهرة الاسترقاق والاقطاع، حرمهم من اكتساح قواعد هامة هي المعنية الأولى بالخطاب القومي  (الحراطين ،المعلمين وإيكاون ) إذ هي الفئات الأكثر تأثرا بالاقصاء والتهميش والاستغلال، بل وفقدان الحرية في بعض الأحيان.
وهي نفس الفئات التي يستهدفها الطرح الماركسي باعتبارها طبقة كادحة ولم يهتم الماركسيون بالنضال من أجل إخراجها من واقعها وظل الصراع مع السلط أوالاندماج معها أولوية لدى الماركسيين منه لتجسيد برنامج نضالي يستهدف مصالح تلك الفئات. 
واجه الإسلامويون عقبة كبيرة في نشر الفكر الإخواني فالبلد موحد في الدين و المذهب ولم يستطيعوا اكتساح الساحة إلا بعد حصول الفراغ الناتج عن انحسار الطرحين القومي والماركسي والتغير الذي حصل على ذهنية المواطن بسيطرة القيم المادية واستغلال ظاهرة الاسلام الريالي فانجذب البعض إلى المنافع المادية لا إلى الأفكار الاسلاموية ليرتبط بالحركة الاسلاموية. 
وحدهم الليبراليون استطاعوا، وبالتعاون مع القوى الخارجية والأنظمة العسكرية الحاكمة،  فرض النموذج الغربي للديمقراطية و تجسيد الليبرالية كنظام اقتصادي للبلد خصوصا مع نظام معاوية، ولكن بصور مشوهة وبعيدة كل البعد عن النموذج الغربي.
 فما الأسباب التي جعلت تلك الحركات لا تتجاوز مرحلة الشعارات؟
أولا: العوامل الذاتية:
كان أغلبية قادة وأتباع تلك الحركات من أبناء البورجوازية الاجتماعية ولم يستطيعوا الصدام مع عمقهم الاجتماعي ومصالح فئاتهم الاجتماعية.
- ضعف المستوى العلمي لقيادات تلك الحركات، فغاب التخطيط العلمي وترتيب الأولويات واختيار الأهداف الواقعية عن البرامج النضالية وغربلة الأفكار الايديولوجية لإسقاطها إسقاطا يتلاءم مع الواقع المحلي فبقيت مجرد شعارات حالمة.
- التركيز على العمل الحركي وغياب التأطير الفكري الجاد وهو ما يفسر غياب وجود مفكرين واصحاب إنتاج فكري محلي نابع من رحم تلك الحركات.
- غياب المراجعات الفكرية.
- انشغال تلك الحركات في الصراع بينها وعدم البحث عن تجسيد مشتركاتها وهو ما سمح للأنظمة بضرب بعضها بالبعض تمهيدا لتصفيتها وإخراجها من دائرة التأثير.
ثانيا: العوامل الخارجية:
- القبضة الحديدية التي واجهت بها الأنظمة الحاكمة تلك الحركات من سجن وتعذيب وتشريد وقتل واختراق وتفكيك لتنظيمات تلك الحركات.
- تماسك التحالف العسكري الرجعي الرأسمالي في مواجهة نضالات تلك الحركات وقدرته على تغيير رؤوسه دون المساس بتماسك قواعده واعتماده على الدوائر الغربية التي لا تريد رؤية أنظمة وطنية تقود حدائقها الخلفية.
- تتحمل الحركات الايديولوجية جزءا مما وصل إليه البلد اليوم، فالكثير من قياداتها اندمجوا في منظومة الفساد التي حكمت وتحكم البلد كما أنها ظلت ترحب بكل عمليات التجميل (الانقلابات العسكرية) التي تقوم بها الأنظمة إنقاذا لنفسها من السقوط الجذري.
- مهادنة الأنظمة العسكرية ومسايرتها في خياراتها  إذا ما استثنينا انتفاضة 1984 الناصرية التي مهدت لسقوط نظام هيدالة.
- مهادنتها للبنية الاجتماعية المتعفنة بل وانصهار البعض فيها.
- تغليب المصالح المادية للأفراد على حساب المبادئ التي آمنوا بها، مما أدى إلى إصابة الكثيرين بالانفصام الشخصي. 
ما يزال أمام ما تبقى من تلك الحركات الفرصة لمراجعة أساليبها النضالية ومراجعة مطالبها وترتيب أولوياتها وبرامجها حتى تساهم في إنقاذ بلد ضحت في سبيل بنائه وهو اليوم يتجه نحو التحلل والاندثار أمام أعينها.

شيخنا محمد سلطان.