المؤتمر الإفريقي الرابع لتعزيز السلم ... الآمال و التحديات

سبت, 13/01/2024 - 19:31

يأتي انعقاد مؤتمر نواكشوط الإفريقي الرابع لتعزيز السلم المنظم من طرف منتدى أبوظبي للسلم بالتعاون التام مع الحكومة الموريتانية من خلال شراكة بينهما لهذا الموسم تحت شعار التعليم العتيق في إفريقيا : العلم و السلم و في ظروف دولية جد خاصة من اللا أمن و اللا استقرار إفريقيا.

و من الدمار الشامل و تصاعد المجازر الوحشية في قطاع غزة و مناطق واسعة.من فلسطين في ظل تخاذل و صمت المجتمع الدولي وتراجع و تلاشي قيم الإنسانية مما شجع الاحتلال الصهيوني علي التمادي في اعتداءاته و جرائمه اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني علي مرأى و مسمع من العالم دون أن يحرك أحد ساكنا، والتي توصف وتعد بأنها إرهاب دولة و تصنف علي أنها جرائم ضد الإنسانية في ظل خروج "إسرائيل" المتكرر علي القوانين والمواثيق الدولية و تجاهلها الصريح لقرارات الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي بحماية و دعم معلن من بعض قوي المجتمع الدولي العظمي.

بينما شهدت العاصمة نواكشوط طيلة الأيام الثلاثة الأخيرة حراكا واسعا و إقبالا و حضورا كبيرين من الوافدين و المشاركين في النسخة الرابعة من مؤتمر نواكشوط الدولي لتعزيز السلم الإفريقي، مما يؤكد جليا أن نواكشوط أضحت عاصمة لدبلوماسية صنع السلام إفريقيا .

حيث انطلقت فعاليات المؤتمر بحضور رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلي جانب نظيره الغامبي السيد آدم بارو الذي كان موضع تكريم علي مستوي المؤتمر حيث استلم جائزة السلم من طرف العلامة عبد الله ولد بيه رئيس منتدى أبوظبي للسلم علي جهوده في دعم الأقليات في بلاده و مساهمته في تعزيز السلم .

كما توج أيضا بقلادة السلم سلمها له فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني طبقا لتوصيات نسخة نواكشوط الثانية من نفس المؤتمر المتضمنة إنشاء جائزة إفريقيا لتعزيز السلم تشجيعا و تقديرا للجهود المبذولة في صنع السلام  والمصالحة في القارة الإفريقية.

هذا بالإضافة إلي حضور رئيس منتدى أبوظبي للسلم سماحة الدكتور العلامة المجدد الشيخ عبد الله و لد بيه لانطلاق فعاليات المؤتمر بمشاركة وزراء و مسؤولي دول و مفكرين عرب و أفارقة و رؤساء مجالس إفتاء.

و جمع من العلماء و الأكاديميين و الحقوقيين و قادة الرأي و المجتمع المدني و بعض الفاعلين في الشأن الشبابي في القارة، بالإضافة إلى حضور دبلوماسي دولي رفيع المستوي .

شكل هذا المؤتمر من خلال مواسمه السابقة و نسخته الحالية ملتقي رأي فكري .

ساهم بلا شك في تشخيص معظم الإشكالات و الاختلالات البنيوية التي ساعدت في تأزيم وتأجيج مناطق التوتر والنزاعات      

و العنف و العنف المضاد و التطرف و الغلو و الإرهاب و الجريمة المنظمة و الهجرة غير الشرعية.....الخ .

كما قال رئيس الجمهورية في مستهل خطابه علي مستوي المؤتمر: إن اجتياح الإرهاب للقارة الإفريقية و العالم عموما .

يؤكد الحاجة الماسة و المسؤولية الجماعية بخصوص ضرورة التخلص نهائيا من العنف و النزاعات العرقية الهدامة .

من خلال نشر و إشاعة قيم العدل و المساواة و التسامح و الإعتدال.

في حين جسد شعار المؤتمر لهذا الموسم تحت عنوان التعليم العتيق : العلم والسلم رؤية و أبعاد وأدوار المحظرة الشنقيطية  في بناء الإنسان و غرس القيم وإشاعة ثقافة التسامح و التآخي، إذ شكلت تاريخيا صرحا علميا و معرفيا لتكوين الأجيال المتعاقبة في ظروف إستثنائية ذاع صيتها آنذاك و انتشر عطاءها الفكري وتلمعرفي في المشرق و المغرب و امتد إلى إفريقيا، ساهمت في نقل المعارف و العلوم بين الأجيال و إذابة الفوارق الاجتماعية داخل محيطها.

فمن بين الأدوار التي اضطلعت بها المحظرة الشنقيطية تاريخيا هي الحفاظ علي هوية البلاد و العباد: ( الدينية والثقافية والحضارية ) وتحصين المجتمع ضد أي وافد فكري لا ينطلق من المعتقدات الإسلامية

و أضاف رئيس الجمهورية في هذا الصدد أن إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة مؤخرا المحظرة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدليل ناصع علي أهمية التعليم الأصلي و دوره البارز في تكريس القيم الإنسانية الجامعة من تسامح و اعتدال و أمن و سلام.

من جانبه قال الشيخ عبد الله بن بيه إن انعقاد المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم يأتي ضمن جهود منتدى أبوظبي الحثيثة في إطار البحث عن مسوغات و أسباب الوئام و الأمن و العافية و السكينة.

كما بين أيضا أن اختيار موضوع المؤتمر جاء لتكريس وتعزيز مفهوم السلام من خلال الاعتماد على أهم مرتكزات السلم ألا وهي مرتكز التعليم و التربية.

و أشار ولد بيه بالمقابل إلي جملة تحديات ستواجه هذا النوع من التعليم متمثلة في الكادر البشري و المورد المالي و التوظيف معربا عن أمله في أن يخرج المؤتمر بتوصيات علمية و عملية تسهم في تحقيق المراد و تجاوز هذه التحديات.

و في إطار توضيح موقف دولة الإمارات العربية المتحدة من القضية الفلسطينية و الوضع الراهن في غزة اكتفى فضيلة الشيخ بالقول، و بصورة مقتضبة، إن دولة الإمارات العربية  تشاطر موريتانيا و كل الدول العربية والإسلامية بضرورة إيقاف الحرب الهمجية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني دون ذكر إدانة أو استنكار أو وصف ما يحدث على الأقل من مجازر بشعة اتجاه أطفال و نساء و شيوخ وأهل غزة بالعدوان الغاشم، أي مفارقة إذن؟ مشيرا إلى أن دولة الإمارات  قامت بإرسال مساعدات إنسانية ومستشفيات ميدانية متنقلة لدعم الشعب الفلسطيني في غزة.

في حين يرى بعض المحللين أن هذا التراخي والتراجع في المواقف اتجاه فلسطين لا يتناسب إطلاقا مع حجم معاناة ومأساة أهل غزة، و لا يخدم القضية الفلسطينية بقدر ما يخدم مصالح و علاقات الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني في إطار الاتفاق الإبراهيمي و في اتجاه تبني الدعوة  للديانة الإبراهيمية.

كما تضمنت محاور المؤتمر مواضع استشرافية حول المستقبل و أخرى ناقشت قضايا السلم و العيش المشترك و قيم التضامن بين الشعوب انطلاقا من ضرورة المواءمة بين التعليم العتيق و التعليم الحديث في إفريقيا باعتبارهما الوسيلة الوحيدة لغرس ثقافة التسامح و نبذ العنف، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز الأزمات والحد من نشر وتنامي خطاب الكراهية و التطرف عبر زرع قيم السلام و التسامح بين مختلف أبناء القارة الواحدة.

تأسيسا لما سبق يرى بعض المراقبين و المهتمين بشأن صراعات القارة السمراء بأن ما يحدث فيها من نزاعات و تطرف وانفلات أمني لم يكن وليد اللحظة بل هو امتداد لتراكم من العوامل و الأسباب البنيوية المختلفة منها ما هو سياسي او اجتماعي أو اقتصادي أو عرقي تحتاج إلى أكثر من معجزة للوصول إلي الحلول المناسبة لها في وقت وجيز لطبيعة و تعقد المهمة و لما يعترضها من تحديات:

- اتساع رقعة الأراضي الإفريقية للبلد الواحد.

‐ التعدد العرقي في المجتمع الواحد.

‐ الفقر و التهميش و الغبن.

‐ الغياب التام للدولة المركزية في بعض مناطق القارة.

‐ الإنتشار الواسع للفساد داخل الدوائر الحكومية.

‐ صراع النفوذ المدني و العسكري.

‐ ضعف الوعي السياسي.

- فشل السياسات الحكومية و ضعف الأداء الحكومي مما ساهم في تفقير الشعوب.

- غياب العدالة الاجتماعية.

- البطالة المستمرة.

‐ سوء تسيير استغلال الثروات و نهبها .

‐ ضعف الوازع الديني و الأخلاقي.

‐ فقدان الحس بالوطن الحاضن.

‐ اتساع رقعة خطاب الكراهية و إثارة النعرات و الحروب الأهلية .

‐ النفوذ القبلي و الشرائحي .

‐ الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار و العودة غير مسبوقة لموضة الانقلابات العسكرية داخل المحيط الإقليمي و خاصة في مناطق النفوذ الفرنسي سابقا.

‐ مناطق التوتر و النزاعات و ظروف المعيشة من الأسباب المباشرة للهجرة غير الشرعية .....الخ.

هذه أمور من بين أخري جعلت المواطن الإفريقي البسيط يحتار من أمره في هكذا ظروف غير مستقرة ولا آمنة بين الانصياع إلى الانخراط في دوامة العنف و العنف المضاد والتفكير مليا بموسم الهجر و القفز فوق المحيطات و الجدران العازلة بحثا عن حياة كريمة و غد أفضل.

حفظ الله إفريقيا من كل سوء و فتن

أباي ولد أوداعة.