ولد الغزواني أمام منتدى داكار الدولي: موريتانيا عملت على تعزيز أمنها موازاة مع مكافحة الفقر وتعزيز المؤسسات الديمقراطية

اثنين, 27/11/2023 - 19:00

أكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، أن أي معركة ضد انعدام الأمن تراد لها الفعالية الدائمة يجب أن تعالج القضايا الأمنية في ترابطها العضوي مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشكل بيئتها العامة.

وأضاف خلال الدورة التاسعة لمنتدى داكار الدولي حول السلام والأمن في افريقيا، الذي انعقد اليوم الاثنين في العاصمة السنغالية داكار، أنه انطلاقًا من هذا المبدأ، سعت موريتانيا إلى تعزيز قوات الدفاع والأمن لديها وإعادة تكييفها مع خصوصيات العنف غير النمطي المعاصر، مع التركيز على مكافحة الفقر والهشاشة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، والحريات الأساسية ودولة القانون، ضمن إطار عام لإصلاح عميق لنظامها الاقتصادي من أجل وضع أسس لتنمية مستدامة.

وفيما يلي نص الخطاب:

“فخامة الرئيس والأخ العزيز السيد ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال؛

أصحاب السعادة رؤساء الدول والحكومات؛

أصحاب السعادة الوزراء،

أصحاب السعادة، السيدات والسادة؛

أود في البداية أن أعرب لصديقي وأخي فخامة السيد ماكي صال، رئيس جمهورية السنغال، عن خالص شكري لدعوتي للمشاركة في أعمال الدورة التاسعة لمنتدى داكار الدولي، وعلى حرارة الاستقبال وكرم الضيافة الأسطوري لـ”التيرانجا” السنغالية.

وأود كذلك أن أؤكد على أهمية الموضوع الذي اختارته هذه الدورة التاسعة للمنتدى: “أفريقيا.. إمكانات وحلول في مواجهة التحديات الأمنية وعدم الاستقرار المؤسسي”، وأحيي الصورة التي ما فتئ المنتدى أن يرسمها لنا على مر السنين، صورة تعكس بصدق تصميم افريقيا بحزم على النهوض بمسؤولياتها والتفكير في التحديات التي تواجهها على المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والديناميكيات التي تكمن وراءها.

إفريقيا التي لم تعد تنتظر الحلول المصممة خارجها، ولكنها حلول نابعة من واقعها عن طريق تبادل الآراء ووجهات النظر والحوار والابتكار.

إن هذا المنتدى، بحجم نجاحه المثير للإعجاب، لدليل على بعد بصيرة ومدى الحكمة التي يتمتع بها صديقي وأخي فخامة الرئيس ماكي صال.

أصحاب السعادة؛

سيداتي وسادتي؛

إن المفارقات الأكثر وضوحا في قارتنا تكمن في الفجوة الهائلة بين إمكاناتها الضخمة من الموارد الطبيعية وموقعها الجيوستراتيجي ومواردها البشرية الشابة من جهة، مما كان ينبغي أن يجعلها منطقة سلام واستقرار وتنمية بامتياز، ومن ناحية أخرى، واقعها الذي يتميز في كثير من الأحيان بانتشار ظاهرة الفقر والتخلف وانعدام الأمن والاستقرار الاجتماعي والمؤسسي.

ولهذا – فلا شك – أن التغلب على هذه التناقضات وتحويل ثروات القارة الكامنة إلى وسائل لإيجاد حلول ملموسة وفعالة، لرفع التحديات ومعالجة الأزمات الحادة والمتعددة الأوجه التي تمر بها قارتنا، يشكل حجر الزاوية في تنمية أفريقيا.

ومن أكثر هذه الأزمات الحادة تدميراً انعدام الأمن والتغييرات غير الدستورية.

وفي الواقع، فقد أصبحت القارة، منذ أكثر من عقد من الزمن، مسرحا لمختلف أشكال العنف الإرهابي والاجتماعي والسياسي والعنف العرقي الذي ينتشر يوما بعد يوم فيكتسح مناطق جديدة، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار الدول وغياب سيطرتها مما يحولها، مثل الشريط الساحلي، إلى مناطق حاضنة للتطرف والعنف والتهريب.

وكثيراً ما ينشأ هذا العنف عن عوامل منها الفقر، وسوء التسيير، وغياب الآفاق، والتوترات الاجتماعية، والقطيعة التامة مع الشرعية الدستورية.

فالعديد من المحددات التي يغذي بعضها البعض، تنبع من محاصرة قارتنا في حلقة مفرغة دراماتيكية من التخلف وانعدام الأمن وعدم الاستقرار المؤسسي.

وبحكم طبيعتها العابرة للحدود، وارتباطها الوثيق بالجهات الفاعلة غير الحكومية، فضلاً عن تعقيد عواملها الاجتماعية والاقتصادية، فإن العنف الارهابي يقوض استراتيجياتنا الأمنية الكلاسيكية، وهذه غالباً ما تركز على الدفاع عن سلامة أراضي الدولة في مواجهة العدوان المحتمل من دولة ثالثة، والتي لا تستجيب اليوم إلا جزئيًا للتحديات الأمنية غير المتماثلة والمتعددة الأوجه للتعامل مع انعدام الأمن الذي تعاني منه أفريقيا ونتيجته الطبيعية المباشرة، عدم الاستقرار المؤسسي. ويجب علينا أن نعمل على إطلاق إمكاناتنا الهائلة من الموارد ووضع حلول مبتكرة من خلال تحسين الحوكمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دولنا بهدف تحقيق تنمية مستدامة تضمن الرخاء المشترك.

وفي الواقع، لقد أصبح من الثابت اليوم أن أي معركة ضد انعدام الأمن تراد لها الفعالية الدائمة يجب أن تعالج القضايا الأمنية في ترابطها العضوي تقريبًا مع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشكل بيئتها العامة.

وانطلاقًا من هذا المبدأ، سعت الجمهورية الإسلامية الموريتانية إلى تعزيز قوات الدفاع والأمن لديها وإعادة تكييفها مع خصوصيات العنف غير النمطي المعاصر.

ولكنها، في الوقت نفسه، ركزت عملها على مكافحة الفقر والهشاشة، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، والحريات الأساسية ودولة القانون، ضمن إطار عام لإصلاح عميق لنظامها الاقتصادي من أجل وضع أسس لتنمية مستدامة.

ولكنها في الوقت ذاته عملت أيضًا على تحسين الحوكمة الاجتماعية والسياسية.

وهكذا نجحت في تهدئة المشهد السياسي، وتعزيز الانفتاح والحوار والتشاور سبيلا مفضلا للحوكمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في حين تعمل على استئصال التطرف بين شبابها وتعزيز ثقافة الانفتاح والتسامح.

وحتى الآن، تبدوا النتائج على صعيد الأمن والاستقرار والتماسك الاجتماعي مقنعة.

ولكننا ندرك أنه نظرًا لطبيعة الإرهاب والتطرف العابر للحدود، لا يمكن لأحد أن يشعر بالأمن الدائم ما لم يكن جيرانه كذلك، كما أنشأنا مع جيراننا الأكثر تعرضًا للتهديد المباشر (مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد)، مجموعة الخمس في الساحل التي حشدت حولها العديد من مبادرات الدعم الدولي، كما حسنت بشكل كبير قدرتنا الجماعية على منع الهجمات الإرهابية والرد عليها بفعالية.

ومن المؤكد أن مجموعة الخمس تمر بمرحلة حرجة إلى حد ما اليوم، بسبب انسحاب جمهورية مالي الشقيقة وتعطيل الشرعية الدستورية في فضائها.

ولكنه بالتأكيد سوف يتعافى ـ أنا متأكد من ذلك ـ وسوف تستمر المعركة الجماعية ضد الإرهاب وانعدام الأمن بلا هوادة، وهذا في مصلحة المنطقة شبه الإقليمية والقارة ككل.

إن هذه المعركة ضد انعدام الأمن هي أيضا معركة الاتحاد الأفريقي الذي، من خلال هياكله للسلام والأمن، يحارب بدوره انعدام الأمن والتغييرات غير الدستورية عن طريق مجلس السلم والأمن وآليات الدعم المتعددة التابعة له مثل نظام الإنذار القاري المبكر (SCAR) والقوة الاحتياطية الأفريقية (ASF)، ولكنها أيضاً عبارة عن مبادرات لتنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة انعدام الأمن، والتي تم تطويرها في إطار المجموعات الاقتصادية الإقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

ولكي تكون هذه المعركة ضد انعدام الأمن وعدم الاستقرار فعالة حقا، فلابد أن تكون مصحوبة بجهود كبيرة لتحسين الحوكمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

تشير أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، من خلال تحديد إرساء تنمية مستدامة بوصفها الهدف الأول، إلى أنه لا يمكن تصور هذا الهدف بشكل معقول إلا في إطار التنمية الشاملة التي تضمن الرخاء المشترك و”إسكات الأسلحة” على نحو مستدام، وبصورة نهائية وبشكل دائم في افريقيا.

فهذه التنمية الشاملة، مع ما تفترضه من تحسن في الحوكمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تشكل أيضاً أحد الشروط الأساسية للأمل في وضع نهاية لعدم الاستقرار المؤسسي.

ومن المؤكد أن الاتحاد الأفريقي، من خلال آلياته القانونية الحالية، فضلا عن بياناته وقراراته المتعددة مثل تلك التي اتخذت في الجزائر عام 1999، ولومي في عام 2000 وأكرا في عام 2022، جعل من المعركة ضد التغيير غير الدستوري هدفه الأول؛ وأحيي هنا جهود الاتحاد الكبيرة في هذا المجال، كما أحيي جهود المجموعات الاقتصادية الإقليمية، ولا سيما المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

وعلى الرغم من هذا الالتزام الأخلاقي الجماعي، فإننا نشهد اليوم عودة التغييرات غير الدستورية، وهو أمر مثير للقلق وغير مقبول في نفس الوقت.

لذلك فإن هناك حاجة ملحة إلى مضاعفة جهودنا بهدف بناء دولة القانون، وإرساء ديمقراطيات حقيقية قادرة على ضمان تداول سلمي للسلطة في جو يطبعه الاستقرار والشفافية.

وللقيام بذلك، يتعين علينا أن نعمل على تمكين الجميع من الوصول، على قدم المساواة، إلى ظروف حياة كريمة.

ويتعين علينا أيضاً، وقبل كل شيء، أن نعمل على تهدئة الحياة السياسية، والتغلب على الخلافات الاجتماعية والعداوات العرقية، من خلال الحوار والتوافق.

وفي هذا السياق، أؤكد على أهمية رأس المال الاجتماعي والمعرفي المحلي للمجتمعات الأفريقية للوقاية من النزاعات وتسييرها وحلها.

ويجب تسخير الحلول التي يوفرها رأس المال الاجتماعي هذا، كما يجب علينا تعزيز وتثمين دور المجتمعات والقادة الاجتماعيين والمجتمع المدني والمنظمات المجتمعية الشعبية والاستفادة منها بأقصى حد.

ويبدو لي أن استكشاف بوتقة الانصهار الثقافي والأنماط الاجتماعية التي تعود إلى عهود ولت أصبح منهجا يستحق الاهتمام.

وعموما، يشكل انعدام الأمن والاستقرار المؤسسي تحديات كبيرة تعرض مستقبل قارتنا للخطر، لكن حجم وتنوع مواردنا وإمكاناتنا لوضع حلول مبتكرة يعزز أملي في قدرتنا الجماعية على التغلب على هذه التحديات وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تضمن الأمن والديمقراطية والسلام، وازدهارا مشتركا حقيقيا.

وأملي كبير في أن تساهم الخلاصات والمقترحات التي ستسفر عن هذه الدورة التاسعة لمنتدى داكار الدولي للسلام والأمن بشكل كامل في هذا الشأن.

أتمنى لكم كل النجاح في عملكم.

وأشكركم.