أوجه المقارنة الخاطئة لدى قادة حركة افلام و ركوب الأمواج

ثلاثاء, 21/11/2023 - 00:17

انتشر خلال اليومين الأخيرين و على نطاق واسع، عبر منصات التواصل الاجتماعي، صدي تصريح يفتقد لأبسط معايير المصداقية والثبات منسوب لرئيس حركة افلام العنصرية غير المرخصة تيام صمبا.
جاء علي النحو التالي و بلغة مولير :
Le président de FPC , Samba Thiam a déclaré que la situation actuelle des palestiniens est équivalente à celle des negro africains de Mauritanie dans les années 90.
و هو ما يعني أن رئيس حركة افلام الانفصالية تيام صامبا قد أعلن بالتزامن مع ما تشهده غزة من تطهير عرقي و إبادة جماعية ممنهجة من طرف الكيان الصهيوني أمام مرأى ومسمع من العالم.
 وأكد أن الوضع الحالي للفلسطينيين يعادل و يشبه وضع السود الأفارقة الموريتانيين خلال تسعينات القرن الماضي.
Une comparaison pas raison. 
مقارنة ليست في محلها إطلاقا.
كشفت المستور و الموقف الخجول لقادة وأعضاء حركة افلام اتجاه القضية الفلسطينية العادلة.
كما جاءت وفقا لميول و رغبات الحركة ذات البعد العنصري والحقد الدفين اتجاه موريتانيا ومن خلالها الشعوب العربية خدمة لآجندات غربية و إسرائيلية.
كما حمل هذا التصريح الكثير من المغالطات و المعلومات الكاذبة و المضللة في ظل التحامل الكيدي و التهويل المفتعل علي الوطن و استهداف وحدة و تماسك شعبه.
في حين يرى بعض المراقبين أن هذا التصريح يأتي في إطار ما يسمي محليا ( جر الموجب ) استنطاق الحدث إن صح التعبير.
حيث اعتاد قادة حركة افلام إثارة قضية إعدامات انقلابيي 1990 م بالتنسيق و التعاون مع أصحاب المتاجرة بالقضايا الوطنية خلال مواسم عيد الإستقلال الوطني للتشويش على أجواء الاحتفالات المخلدة لذكرى عيد الإستقلال المجيد و ما تتطلب من تفاعل وطني و انسجام و تعاط شعبي يناسب الحدث.  
إن التفنن في نشر الإشاعات و خلق الأزمات أضحى مهنة لمن لا مهنة له و اسلوب تطاول و تجاوز على القيم و الثوابت الوطنية.
إلا أنه من المفيد جدا و في هذا السياق أن يدرك جيدا دعاة الفتن و إثارة النعرات أن الزخم والتعاطي الإعلامي و إعداد المؤتمرات الصحفية لا يمكن أن تضفي أو تعطي الحق أو الشرعية لقضية لا حق لها في الأصل.
و أن صناعة الحدث و التاريخ وتحقيق العدالة والتحلي بسلوك المواطنة لا تتأتي من تعكير فرحة عيد الاستقلال الوطني ومحاولة تكدير صفو السلم الإجتماعي و بالتالي الخروج على دعائم الوحدة الوطنية. 
الشئ الذي لا يخدم القضايا الوطنية العادلة و لا التعايش الأهلي السلمي بقدر ما يخدم آجندات خارجية ذات نوايا وابعاد سياسية سيئة.
أرتأيت في إطار التعاطي مع هذا المحتوي و ردا على مضمون المقارنة أن أعرج على بعض الأمور رفعا للبس الحاصل في المفاهيم الخاطئة و تبيانا للحقائق و الشواهد و الأحداث التاريخية انطلاقا من قبول الآخر و إلتزاما بالرأي والرأي الآخر، في الوقت الذي أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات المهمة و المهيمنة على الساحة الوطنية والدولية، فيما يطلق عليها بالإعلام الإجتماعي أو البديل نظرا لما يقوم به من أدوار متعددة الأبعاد منها ما هو سياسي اجتماعي او ثقافي ...الخ، فإنها تظل في الوقت ذاته حاملة أو مروجة لأحد مصادر التهديد للأمن الوطني للدول والمجتمعات وملاذا آمنا للتقول والتهويل وبيئة حاضنة للعنف اللفظي و نشر الكراهية والحقد الدفين في ظل لجوء البعض إلى توظيفها بشكل سيئ في نشر الشائعات و إشاعة الأكاذيب المغرضة، تارة بحجة حرية التعبير أو بدوافع و مصالح ضيقة.
لا شك ان المجتمع الموريتاني بمختلف مكوناته يتقاطع تاريخيا في جملة من العادات والتقاليد والظواهر الاجتماعية و الثقافية لا يمكن على الإطلاق نكرانها و لا تجاهلها و إن كانت تتفاوت في ابعادها الاجتماعية و حجم اشكالها و أنماطها باختلاف و تنوع الموروث الثقافي بين المكونات 
كظاهرة العبودية المقيتة والمدانة والمجرمة وطنيا و دوليا والتي نجد بقايا رواسبها و مخلفاتها  لدى بعض مكونات الزنوج بمواصفات و ممارسات و أساليب بشعة وخطيرة مقارنة بما كان يحصل لدى مرتكبيها من مكونة البيظان دون أن يثير ذلك شعورا او حفيظة منظمات حقوق الانسان أو على الأصح المتاجرين بالقضايا الوطنية بنفس درجة الاهتمام والمسافة من فئات أخرى أي مفارقة إذن ؟!
في ظل الدعوة إلى ضرورة حرص الجميع وطنيا علي محاربة أشكال الرق و العبودية داخل وخارج الأوساط الاجتماعية تحت أي ظرف كان أو في أي مناسبة، و تجريم و معاقبة ممارسيها و التخلص من رواسبها و تجلياتها بشكل نهائي.
لقد حان الوقت لتيام صامبا أن يعلم ومن وراءه حركة افلام والنائب بيرام و غيرهم أن دعوات الانفصال و التمسك بلغة المستعمر و الارتهان إلى الخارج في حلحلة القضايا الوطنية أمر مفروغ منه و لم يعد بالمجدي في ظل نظام ديمقراطي وطني كفيل بضمان الحقوق المدنية و غيرها وفي ظل المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة و تراجع اللغة الفرنسية في مناطق نطقها باعتراف الرئيس الفرنسي ماكرون على مستوى القمة الفرانكوفونية الأخيرة في تونس.
بالإضافة إلى تراجع النفوذ الفرنسي هو الآخر في مناطق مستعمراته الإفريقية القديمة على غرار ما حصل في مالي وبوركينافاسو وغيرها، في ظل تزايد و تصاعد النفوذ الروسي داخل منطقة غرب إفريقيا واحتمال ان تشكل اللغة الروسية محط اهتمام و استقطاب و إقبال شعبي كبديل للغة الفرنسية.
اللغة مهما تكن و بالمفهوم الأوسع لم تعد تشكل عائقا ابيستيمولوجيا في التواصل او التخاطب او التعامل نتيجة أن العولمة أختزلت العالم في قرية صغيرة.
لكنها بالمقابل تظل امتدادا وتأصيلا لهوية الشعوب وانتماءاتها، حيث شكلت اللغة العربية تاريخيا داخل المجتمع الموريتاني عامل وحدة و استقرار في ظل وطن واحد ودين واحد 
تم ترسيمها دستوريا كلغة رسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية رغم تحفظ واستنكاف بعض الجماعات الزنجية من اصحاب النزعة الفرانكفونية الرافضة للعربية بدوافع واغراض شخصية.
للوقوف علي حيثيات حقيقة ما أثير من جدل وتناقض حول قضية إعدامات انقلابيي 1990م فإن ثمة مجموعة من العسكريين الزنوج كانت لديهم طموحات شخصية في الاستيلاء على الحكم و إرساء دولة على أسس و آجندات خاصة طبقا لمشروع نظام ذا بعد طائفي و شرائحي. 
تم إفشال المحاولة الانقلابية و ضبط المتورطين و إخضاعهم لمحاكمة عسكرية في ظل حكم عسكري استثنائي نفذت فيهم  إعدامات، رحمهم الله، صادرة من محاكم عسكرية قد نتفق على أنها خارج الإطار القانوني المعهود مقارنة بما يحصل في المحاكم الآن، و إنسانيا بأنها خطوة خاطئة و صادمة وغير مبررة.
 لكن ركوب المخاطر على هذا النحو يتطلب دفع ثمن غال، فماذا سيكون الوضع لو نجح الإنقلاب ؟
 ستشرد بالطبع و تنفى مجموعات كاملة دون استثناء قد يعدم بعضها بدم بارد احتمال وارد وقائم.
لماذا يتم إضفاء الصبغة العنصرية على حالة هؤلاء الإنقلابيين الزنوج لكونهم فشلوا في محاولتهم الإنقلابية ؟
ثم لماذا لم يتم إضفاء صبغة حقوقية على قضية قادة انقلاب 16 مارس 1981 م أمثال الأمير احمد سالم ولد سيدي و البطل الطيار عبد القادر الملقب ( كادير ) و غيرهم ؟ والذين أعدموا نهارا جهارا، رحمهم الله، بدم بارد لنفس الخطيئة و الأسباب ولم يحرك أحد  ساكنا لا من ذويهم ولا من غيرهم و لا من منظمات حقوق الإنسان إضافة إلى مئات الضباط و ضباط الصف و الجنود من مكونة البيظان تم تسريحهم آنذاك من داخل المؤسسة العسكرية دون سابق إنذار لا لشئ سوى الشك في ولائهم أو احتمال الانتماء لتيارات فكرية جلهم من حاضنة اجتماعية واحدة 
ربما امتثالا للمثل القائل: داخل الجيش لا توجد ثقة إلا لمن هو أهل لها.  
رغم ذلك كله لا أحد وصف الأمر بأنه استهداف لحاضنة اجتماعية دون غيرها.   
ماهذا التباين في المقاربات و في طرح القضايا الإنسانية و الحقوقية ؟
تأسيسا لما سبق فإن ما حدث مع مأساة احداث دكار العنصرية  1989 م ليس بمعزل عما جرى في السابق  وفي اللاحق
فأحداث السنغال تم اختزالها في قضية مبعدين تمت تسويتها لاحقا بالتعويض لهم و قيام صلاة الغائب على ارواح موتاهم و إعادة الاعتبار لهم مع كل الامتيازات و دمجهم في المجتمع .
في حين كان السبب الرئيسي لاندلاع الأحداث المؤلمة والمؤسفة بين الشعبين الشقيقين هو حادثة إتلاف حقل لمزارع سنغالي بالخطأ عن طريق مواشي ابقار لمواطن موريتاني من أصول فلان كانت الشرارة الأولى المنتظرة لاستهداف مكونة البيظان بكل اطيافها.
إنه حق أريد به باطل أو حاجة في نفس يعقوب، و كأن الموريتانيين من أصول عربية ( البيظان ) و الذين تم التنكيل بهم و سحلهم و إحراقهم في أفران المخابز و نهب ممتلكاتهم وخيراتهم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي و منظمات حقوق الإنسان.لا حقوق لهم و لا لذويهم
بالتأكيد تركوا وراءهم أرامل و أيتاما لم يتلقوا أي ضمانات للتعويض حتى الآن و لم تقم صلاة الغائب على ارواح موتاهم على غرار ما حصل مع المبعدين و لم يتبن قضيتهم أي حزب سياسي ولا منظمات حقوقية محلية أو دولية، فهم الضحية والخاسر الأكبر في القضية تم تجاوزهم بكل سهولة كأن شيئا لم يحدث.
عن أي عتصرية أو  حقوق أو مقارنة يتكلمون  ؟!
يجب استنطاق التاريخ والعودة إلى الذاكرة من اجل ان يجد الكل حقه غير منقوص دون تزييف للواقع أو إقصاء لأي مجموعة هكذا الإنصاف و غير ذلك باطل.
و ما بني علي باطل فهو باطل.
إننا اليوم نتطلع أكثر من أي وقت مضي في ظل الاستقرار الحاصل والإرادة الجادة في إحداث التغيير إلى خطاب موحد وجامع و الانخراط في عمليات إصلاح وبناء شاملة من أجل موريتانيا حاضنة لجميع أبنائها، الكل يجد نفسه فيها قوية بتنوعها العرقي والثقافي وتنوع ثرواتها الطبيعية، يؤسس لقطيعة تامة مع الفساد في كل تجلياته و يعزز من دولة القانون والمؤسسات في إطار عدالة اجتماعية تصان فيها الحقوق، بالإضافة إلى تقسيم عادل للثروات تذوب فيه الفوارق الاجتماعية من غبن وتهميش ليس إلا.
حفظ الله موريتانيا .
اباي ولد اوداعة