بعد إهانة الأنظمة ... محرقة غزة تمرغ أنوف الجيوش العربية في الوحل

سبت, 28/10/2023 - 21:58

قال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، رحمه الله، إن (إسرائيل) تراهن على وصول جيل جديد من الحكام العرب على استعداد للمفاوضات بل للاستسلام لما تريده، يكون جيلا مختلفا عن هذا الجيل (جيل الحكام في عهد عبد الناصر) وبذلك فهي ستضمن الاعتراف بها بل وتفوقها وهيمنتها على الأراضي الفلسطينية والعربية لأطول فترة ممكنة.

ولم يأت كلام عبد الناصر من فراغ، فقد كان هناك حكام من جيله، يخدمون أمريكا وبريطانيا والغرب والمشروع الصهيوني، مقابل ضمان حماية عروش عائلاتهم، لذلك كانوا يتآمرون على مصر وسوريا في الحروب التي خاضتها القاهرة ودمشق وخاصة في يونيو حزيران 1967 وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر 1973، ووصل هذا التآمر حد الإعداد للانقلابات العسكرية على ناصر وعلى الوحدة المصرية السورية متمثلا في تفكيك "الجمهورية العربية المتحدة".

كان بإمكان جمال عبد الناصر وقادة سوريا والعراق والدول التي شاركت في الحروب العربية "الإسرائيلية"، أن لا تكترث لتقسيم واحتلال فلسطين وما جرى فيها من مجازر مروعة، مقابل الحفاظ على الأمن والسلام في هذه الدول وإبقائها بعيدة عن مخاطر الحروب والصراع، خاصة وأن الحرب على "إسرائيل" تعني الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلف الناتو، هذه الدول التي زرعت "إسرائيل" في أرض فلسطين للإبقاء على المنطقة في حالة من عدم الاستقرار وغياب التنمية وإبقائها متخلفة، لكن عبد الناصر وأغلب جيله من الحكام العرب كانوا يدركون أن الحرب هي حرب وجود وليست حرب حدود، وأن ما عجزت دول الغرب "الصليبي" عن تنفيذه خلال الحروب الصليبية على فلسطين والمنطقة ستنفذه عن طريق زرع "إسرائيل" في العمق العربي لذلك فالغرب مستعد لفعل كل شيء من أجل حماية قاعدته العسكرية والأمنية المتقدمة في الجسم العربي "إسرائيل" وهو ما يفسر مشاركة أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الكيان الصهيوني في جميع الحروب العربية – "الإسرائيلية".

وفي المقابل أدرك جمال عبد الناصر، الذي شارك في حرب فلسطين سنة 1948، أن مصر والدول العربية والإسلامية معنية بالقضية الفلسطينية لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي العربي بالدرجة الأولى، ولضمان الاستقرار والتنمية التي تنتفي مع بقاء "إسرائيل" في فلسطين، لذلك خاض حروبا شرسة مع الكيان الصهيوني وهو يدرك أن دور الجيوش هو الدفاع عن الأمن القومي والقتال لحماية الأمة ومصالحها، وليس للاستعراضات أو لقمع المواطنين أو للحروب العربية البينية.

ورغم نكسة 1967 المهولة، فقد أطلق القادة العرب في قمة الخرطوم "لاءاتهم الثلاثة" رفضا للكيان الصهيوني : "لا اعتراف، لا صلح، لا مفاوضات"، وهو ما أغاظ الغرب الذي حاول كثيرا أن يقنع جيل عبد الناصر من القادة العرب بأهمية المفاوضات مع "إسرائيل" على قاعدة "أراضي قرار تقسيم  فلسطين رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947، وليس الأراضي المحتلة عام 1967" الذي أصبح مطلبا للجيل الجديد من الحكام، الذين تحدث عنهم عبد الناصر والذين تراهن عليهم قيادات الكيان الصهيوني في ضمان بقائها.

 وللأسف فإن أصغر جندي شارك في حرب أكتوبر 1973 سيكون عمره الآن فوق الستين عاما، أي أنه متقاعد حتما إن كان على قيد الحياة، ونحن أمام جيل جديد من الضباط والجنود الذين لا يملكون تجربة في الحرب مع الاحتلال، لكنهم يمتلكون الوسائل والإمكانات العسكرية واللوجستية التي لم يمتلكها ضباط وجنود الجيش المصري والسوري والأردني في حروب 1948 – 1967 – 1973، وهو ما يعني أن ما ينقص هذا الجيل هو القيادة السياسية التي تؤمن بوحدة مصير الأمة وبضرورة المحافظة على الأمن القومي العربي، وهو ما تفتقده أغلب جيوش دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة باستثناء الجيش العربي السوري الجريح، بعد المؤامرة الكونية على سوريا، كذلك الجيش العراقي الذي ليس على الحدود مباشرة مع فلسطين، والذي تعرض كشقيقه الليبي لمؤامرة غربية أسفرت عن إضعافهما حتى الآن.

ولأن الغرب أقدم على تصفية القيادات السياسية العربية الحرة الرافضة للكيان الصهيوني وللتبعية للغرب وتنفيذ أجنداته أو القبول بها، وفي المقابل "تنصيب" حكام أكثر ولاء له ولمشروعه في أهم العواصم العربية، كانت النتيجة الحتمية هو بروز الجيل الجديد من الحكام الذي تحدث عنه عبد الناصر والذي جاء أحرص على "احتضان" الكيان الصهيوني من الولايات المتحدة والغرب وتجسد ذلك في "اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة" ثم اتفاقيات "أبراهام" مع حكومات دول عربية كالإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

قدرات بعض الجيوش العربية وجيش "إسرائيل"

تحتل مصر المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا من حيث عدد أفراد الجيش وتسليحه، حسب مؤشر "غلوبال فاير باور" المتخصص في الشؤون العسكرية وذلك للسنة 2023، حيث تحتل المرتبة 14 عالميا، متبوعة بالسعودية الثانية عربيا والتي تحتل المرتبة 22 عالميا، ثم يأتي الجيش الجزائري ثالثا عربيا وفي المركز 26 عالميا، ثم يأتي الجيش العراقي رابعا عربيا، وفي المركز 45 عالميا، متبوعا بالجيش الإماراتي خامسا على المستوى العربي، وفي المرتبة 56 عالميا، وجاء الجيش المغربي في المركز السادس عربيا، واحتل المرتبة 61 عالميا.

وحسب تصنيف "غلوبال فاير باور" سنة 2018 فإن الدول العربية الواردة في التصنيف عددها 19 دولة وهي على التوالي حسب ترتيب قوتها العسكرية تنازليا: مصر، الجزائر، السعودية، العراق، سوريا، المغرب، الإمارات، اليمن، السودان، ليبيا، الأردن، تونس، عمان، الكويت، البحرين، قطر، لبنان، موريتانيا والصومال.

و"يبلغ عدد القوات الفعلية العاملة في مجمل هذه الجيوش أزيد بقليل عن مليونين وأربعمائة ألف جندي، مما يعني بأنه يتجاوز العدد الفعلي للجنود العاملين في جيشي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مجتمعتين.

أما عدد جنود الاحتياط العرب فيقدر بحوالي مليون وتسعمائة ألف شخص مما يرفع القوة البشرية الإجمالية (الفعلية زائد الاحتياطية) للجيوش العربية إلى حوالي أربعة ملايين وأربعمائة ألف شخص.

أما بالنسبة لموازنات الدفاع العربية، فتشير أرقام غلوبال فاير باور إلى أن موازنات الدفاع الإجمالية للجيوش العربية تصل لحوالي مائة واثنين وعشرين مليار وسبعمائة مليون دولار سنويا مع وجود فوارق كبيرة بين موازنات الدفاع بين بلد وآخر. فبينما تصل موازنة الدفاع في العربية السعودية لحوالي 56 مليار دولار، تنخفض موازنة الدفاع في موريتانيا إلى حوالي 39 مليون دولارا فقط، مع العلم أن موازنة الدفاع السعودية تعد ثالث أكبر موازنة دفاعية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين كما أنها تتساوى تقريبا مع الموازنة الدفاعية السنوية لكل من كندا وإسبانيا وتركيا وباكستان وإيران وماليزيا مجتمعين.

ويمكننا، في ذات الصدد، تصنيف الجيوش الإقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط تنازليا حسب قوتها العسكرية كالتالي: تركيا، مصر، إيران، (إسرائيل) التي تحتل المرتبة 16 عالميا، ثم السعودية.

وفي المقابل يتألف جيش الاحتلال من 173 ألف جندي في الخدمة الفعلية، ونحو من 465 ألف جندي احتياط، ويبلغ عدد المؤهلين للخدمة العسكرية قرابة 1.7 مليون شخص.

ولدى (إسرائيل) 595 طائرة حربية متعددة المهام، منها 241 طائرة مقاتلة و23 طائرة هجومية، إلى جانب 128 مروحية عسكرية، وطائرات لتنفيذ المهام الخاصة وأخرى للشحن العسكري، تتألف من طائرات إف-35 وإف-16، وإف-15، وعددا معتبرا من القنابل الذكية وأجهزة الاستشعار عن بعد، كما تمتلك سربا من الطائرات المسيرة الهجومية، بالإضافة إلى 42 مطارا عسكريا في الخدمة.

وتتألف القوات البرية لكيان الاحتلال من 140 ألف جندي يزاولون الخدمة كما يمتلك 1650 دبابة، بينها 500 من فئة الميركافا، فضلا عن 7500 مدرعة قتالية، إلى جانب قرابة ألف آلية بينها 650 مدفعا ذاتي الحركة، و 300 مدفع ميداني.

وتتألف القوات البحرية للاحتلال من 65 قطعة، منها 48 سفينة حربية و6 غواصات و7 طرادات. كما يمتلك الاحتلال نظام القبة الحديدية الدفاعي، وهو الذي عطلته المقاومة الفلسطينية وشوشت عليه في عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر الماضي.

كما يمتلك كيان الاحتلال أسلحة نووية تقدر بنحو 200  قنبلة نووية فضلا عن رؤوس نووية يمكن أن تصل إلى مسافة تبلغ 1500 كم تطلق عبر صواريخ "أريحا"، وتتحدث مصادر غربية عن حيازة كيان الاحتلال أيضا كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح بإنتاج 100 قنبلة نووية أخرى.

وفي المقابل تمتلك 5 جيوش عربية، هي مصر والسعودية والجزائر والعراق والإمارات،  3 آلاف و696 طائرة حربية. 8 آلاف و832 دبابة، و38 ألفا و30 مدرعة، و ألفا و604 مدافع ذاتية الحركة، و 5 آلاف و896 مدفعا، وألفا و40 راجمة صواريخ، و 645 وحدة بحرية، حسب إحصائيات موقع "غلوبال فاير بور" الأمريكي لعام 2022.

ويبلغ إجمالي عدد الجنود في الدول العربية الخمس مليونين و452 ألف جندي، ويشمل ذلك القوات العاملة والقوات الاحتياطية والقوات شبه العسكرية، تمتلك مصر وحدها مليونا و 238 ألف جندي، دون احتساب جنود وعتاد وإمكانيات جيوش 17 دولة عربية أخرى.

إن القوة العسكرية الهائلة لجيوش الدول العربية تثير أكثر من علامة استفهام في وقت تقوم فيه قوات الاحتلال الصهيوني بقتل وذبح آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء في قطاع غزة المحاصر على حدود مصر وجيشها، وغير بعيد من الأردن والسعودية، في الوقت الذي تسارع فيه بعض حكومات أغلب البلدان العربية إلى التزام الصمت مقابل الدعم العسكري والمالي والمعنوي الذي تقدمه عواصم غربية علنا للكيان العنصري الصهيوني وجرائمه البشعة بحق المدنيين العزل، فأي منطق يمكن أن يفسر الصمت المطبق لجيوش عربية عريقة مسؤولة دينيا وأخلاقيا عن حماية أمن ومصالح الأمة وخاصة حين يتعلق الأمر بفلسطين أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ فهل ماتت النخوة لدى قادة وضباط وجنود الجيوش العربية بعد أن استسلم حكامهم للمذلة والهوان؟

إن مصر وحدها تستطيع، بموقف سياسي وعسكري حاسم، وقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني والغرب الداعم له بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فحين تقرر مصر وحدها فرض إدخال الوقود والأدوية والأغذية والمياه لأهالي غزة بحماية وحدات من الجيش المصري، والتلويح، مجرد التلويح، بوقف العمل باتفاقية كامب ديفيد المذلة، فإن ذلك سيرغم الغرب على المسارعة في فرض وقف حرب الإبادة هذه وإدخال المساعدات بل والمساهمة في إعادة إعمار القطاع المدمر. فهل تفعلها الحكومات العربية أم تنتخي الجيوش العربية لحسم معركة الأمة وتنتصر لنساء و أطفال يبادون بالآلاف أمام أعين العالم وفي مقدمته قادة وضباط وجنود الجيوش العربية الصامتة منذ 1973 وحتى اليوم؟

إن ما يجري في قطاع غزة من مجازر بشعة راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف طفل وأكثر من ألفي شهيدة وآلاف الجرحى أكثر من ثلثيهم أطفال ونساء، هو في حد ذاته وصمة عار في جبين الجيوش العربية، كما تشكل إذلالا لهذه الجيوش العربية التي أصبح وجودها عبئا على الشعب العربي وليس مدعاة للفخر والاعتزاز بها وبما تملكه من عدة وعتاد يدينها ولا يشرف الأمة.

أحمد مولاي محمد

[email protected]