حرب أخرى.. حرب أخطر..! / د. مجدي العفيفي

أربعاء, 25/10/2023 - 15:24

لم يعد هناك أدنى شك في أنها حرب أمريكية صهيونية أوروبية على فلسطين الدولة والمجتمع والناس والزمان والمكان والتاريخ والجغرافيا.
وعلى الرغم من وحشية وهمجية هذا العدوان غير المسبوق، فإن هناك حربًا أخرى حربًا أخطر، حربًا أشد ضراوة، وأكثر تأثيرًا وتدميرًا.. إنها في معتقداتهم وواقعهم المشهود: حرب إعلامية.. دينية.. نفسية.. إلكترونية.. ثقافية.. وأشياء أخرى.
في هذا السباق الدموي، والسياق الوحشي، هناك كثير من المغالطات المدمرة التي يقع فيها إعلامنا العربي الكسول وإعلامهم الأجنبي البغيض، أكثرها شراسة وغفلة أن هذه الحرب هي حرب على «حماس» التي يصفونها بكل وقاحة أنها «منظمة إرهابية»، وما ذلك بصحيح ولا يمت للحقيقة بأية صلة - وإن انطلت على كثير من المخدوعين - إذ إن الكذب والافتراء والتزوير والتدليس من الآلة الإعلامية الأمريكية الأوروبية بدأ ينكشف وتسقط الأقنعة بلا حياء أو خجل، حتى إن الناشط البريطاني في حقوق الإنسان «كريغ موراي» يقول «إذا لم تكن فلسطين دولة فعلى من أعلنت إسرائيل الحرب؟ لا يجوز للدولة أن تعلن الحرب على سجن»، إذا كانت الدولة لا تعلن الحرب إلا على دولة مثلها، فهل حماس دولة؟ هذا غير صحيح، إلا إذا كان الكيان الصهيوني مجرد شتات من هنا وهناك، وهذه هي الحقيقة التاريخية التي لا يماري فيها كل ذي حجر.
الحقيقة التي تفقأ عيون المنكرين في الغرب وأمريكا إنها حرب على كل فلسطين، ومن ثم فإن اختزال كل هذه الحرب الهمجية على «حماس» فقط، خطيئة إعلامية وسياسية واجتماعية مستمرة ومستعرة، ينبغي الانتباه إليها والتوقف الفوري عن ترويجها والمشاركة في تسويقها، بل الأكثر من ذلك، أنها حرب على العرب والمسلمين والإسلام، والشواهد ماثلة والمشاهد دالة في هذا السياق، بعشرات الفيديوهات ومئات التصريحات من الموالين للكيان الصهيوني من الأوروبيين والأمريكيين، إنها حرب شاملة على أرض فلسطين، ومن يقول بغير ذلك فهو واهم، بل مشارك في تدمير فلسطين أكثر وأكثر، فانتبهوا يا أولي الألباب في الإعلام والسياسة والمجتمع والميديا، إنها لعبة صهيونية ماسونية مخطط لها منذ زمن بعيد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هناك في فضاء الميديا حرب ضروس، منصات صهيونية لإطلاق صواريخ نفسية تخدع العالم وتخادع شعوبه ودوله.. مواقع أوروبية تمور بالأكاذيب عن الفلسطينيين، صحف ومجلات كنا نحسبها كبيرة ومحترمة، فإذا هي لا تساوي جناح بعوضة، تنشر افتراءات وتحليلات مبنية على الأكاذيب الصهيونية المعهودة، ضمن «الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني» على حد تعبير الفيسلوف الفرنسي «رجاء جارودي». 

*
ولننظر إلى هذه هي القاعدة التأصيلية لكل تحرك في المنظور الصهيوني على أرض فلسطين، التي تنبعث من نص «سفر التثنية الإصحاح رقم 20» من (توارتهم):
آية 10-12:-«حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا."
آية 14،13:-وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ."
آية 15:- "هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا."
آية 16-18:-"وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا حَسَبَ جَمِيعِ أَرْجَاسِهِمِ الَّتِي عَمِلُوا لآلِهَتِهِمْ، فَتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ."
آية 20،19:- "«إِذَا حَاصَرْتَ مَدِينَةً أَيَّامًا كَثِيرَةً مُحَارِبًا إِيَّاهَا لِتَأْخُذَهَا، فَلاَ تُتْلِفْ شَجَرَهَا بِوَضْعِ فَأْسٍ عَلَيْهِ. إِنَّكَ مِنْهُ تَأْكُلُ. فَلاَ تَقْطَعْهُ. لأَنَّهُ هَلْ شَجَرَةُ الْحَقْلِ إِنْسَانٌ حَتَّى يَذْهَبَ قُدَّامَكَ فِي الْحِصَارِ؟ وَأَمَّا الشَّجَرُ الَّذِي تَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ شَجَرًا يُؤْكَلُ مِنْهُ، فَإِيَّاهُ تُتْلِفُ وَتَقْطَعُ وَتَبْنِي حِصْنًا عَلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي تَعْمَلُ مَعَكَ حَرْبًا حَتَّى تَسْقُطَ."
من هذه المأساة.. نرى هذا المشهد لجندي صهيوني يصرخ: «لقد قتلت بيدي من أجلكم أكثر من أربعين إنسانًا، وأنتم تقولون إن الإرهابيين تلطخت أيديهم بالدماء ثم ترفضون إعطائي حق العلاج النفسي، لذلك أنا أشتكي وأصرخ بسبب الصدمة التي عشتها، أنا أتبول ليلاً في فراشي من الخوف، لأنهم يأتون لي في كوابيسي يسألونني لماذا قتلتنا ؟».
 *
الفدائيون الفلسطينيون، ومعهم كل أبناء فلسطين قاطبة، هم الذين ينتزعون الأقنعة الأمريكية والأوروبية التي تزحف يوميًا إلى الكيان الصهيوني وتقدم له الولاء ولكن هيهات.. أبناء فلسطين هم فقط القادرون على الدفاع عنها، وصورة من الرعب الكامن والظاهر في كل صهيوني على أرض فلسطين، بألف معنى وألف مقال وألف كتاب.
إن عظمة المقاومة الفلسطينية عنوان كبير وخلاق يفكر بعمق لما يحدث.. وسنرى 
*
في سياق الدم الفلسطيني ووحشية الآلة العسكرية الصهيونية، استوقفتني هذه العبارة العميقة في «مذكرات السلطان عبدالحميد» لعلها تطفئ بعض علامات الاستفهام والاستهتار والاستنكار: «لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيرًا... ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقًا؛ علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين، وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضا تملكوا كافة قدراتها خلال وقت قصير، وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم»(!!).