كتب الرئيس عمر السالك: القاضي العادل المرابط ولد العادل.. يوارى الثرى

جمعة, 01/09/2023 - 17:42

{إنا لله وإنا إليه راجعون}
القاضي العادل/ المرابط ولد العادل.. يوارى الثرى
الليلة (الجمعة) هي أولى ليالي القبر بالنسبة لأخي وزميلي المرابط ولد محمد الأمين ولد العادل، رئيس محكمة الاستئناف بنواكشوط، طيب الله ثراه.
وانطلاقا من حديث: "اذكروا محاسن موتاكم وكُفُّوا عن مساويهم"، فإن لديّ في حق الفقيد شهادات أرجو أن تتسع أوقاتكم لقراءتها، ثم إني ألتمس منكم الدعاء للفقيد بالرحمة والمغفرة.
#أما_بعد
فإن لقضاة موريتانيا صفحات إلكترونية خاصة بهم ومغلقة عمّن سواهم، وقد قرأت فيها كثيرا من عبارات الثناء على الفقيد، سأنشر نماذج منها (بعد استئذان أصحابها في نشرها)، ثم أورد شهادة لي في حق الفقيد، تتلوها شهادة عامة يُجمع عليها كل من يعرفه، ثم أختم بالدعاء للفقيد. فأمّنوا يرحمكم الله.
■ كتب زميلي القاضي الثقة الثبت البحاثة/ التاه ولد ابنو، الذي يعمل منذ سنوات في محكمة الاستئناف بنواكشوط، وهو من أدرى الناس بقضاة تلك المحكمة:
"… أشهد له بالاستقامة ومتانة الديانة وحسن الخلق والأريحية ومحبة الخير للناس، والعدل في القضاء، وأشهد أنه لم يكن غافلا عن هذ اليوم. 
وأحسبه، ولا أزكي علي الله أحدا، من الصالحين العبّاد الأنقياء الأتقياء".
■ وكتب زميلي المعروف بيننا بالبعد عن المجاملة، مندوبنا الموقر/
Abdellahi Ould Elwaghef
عبدالله ولد أحمد ينجه ولد الواقف، عضو المجلس الأعلى للقضاء، وقد جمعه العمل مع الفقيد في أكثر من مكان (في الادعاء العام لدى المحكمة العليا، ثم في
محكمة الاستئناف التي كان كل واحد منهما يرأس إحدى غرفها):
"نشهد له بحسن الخلق والطيبة والمواظبة على صلاة الجماعة، والتمسك بدينه، والتفاني في العمل".
■ وكتب زميلي القاضي المبجّل، الشاعر الفقيه: محمد محفوظ ولد السعيد، المستشار بمحكمة الاستئناف:
"لقد أصيب الجسم القضائي في الصميم، وخسرت الأسرة القضائية عَلَما من أعلامها: عِلْمًا، وفقها، وتواضعا، ورجاحةَ عقل، واستقامةً.. ولا أزكي على الله أحدا".
■ وكتب زميلي الأديب الأريب الفقيه القانوني المخضرم: التاه ولد عبدالله، المستشار بمحكمة الاستئناف:
"نشهد له بتحري الحق والعدل كما نشهد له بالحزم والتواضع".
وأضاف قائلا:
"تذكرتُ الآن وتمثلتُ قول القاضي سابقا/ أحمد ولد أحمد سالم في رثاء زميله محمد محمود ولد إسماعيل، رحمه الله:
يا قاضيًا يوم أن جاء النّـعِـيُّ به •• أحكامُه نصْب عيني والقراراتُ
شهدتُّ أنك تبغي وجهَ من نطقت •• عن أمره الأرضُ والسبع السماواتُ"
وأما عمر السالك فلم يعمل مع الفقيد في المحاكم. وحتى عندما كنتُ نائبا للمدعي العام لدى محكمة الاستئناف بنواكشوط، وكان لمرابط نائبا للمدعي العام لدى المحكمة العليا: لم تكن علاقة العمل بيننا مباشِرة..
ولكنني عرفت الفقيد في ثلاثة مجالات، وأيقنتُ أنه يَجمع ولا يُفرّق:
• أولا: في النصف الأول من العام 2020: كنت وإياه عضوين في لجنة صياغة النصوص، كان الفقيد يمثل وجهة نظر المحكمة العليا، وكنت أمثل نادي القضاة الموريتانيين.. فوجدت الفقيد ذكيا فَطِنًا، يراعي المصلحة العامة ولا يهمل المصالح الخاصة بالقضاة، ويحاول انتهاج منهج وسطي، للجمع بين ما أريده أنا النقابي، وما يريده زميلي المحترم الذي يمثل وجهة نظر الوزارة ولديه تعليمات محددة؛ بأن يركّز على تعديلات بعينها دون أخرى. وعندما انسحبتُ وقلت إنني لن أكون "شاهد زور" على تعديلات لا فائدة ترجى من ورائها: كان الفقيد المرابط حكيما، فتواصل معي وأقنعني بأن سياسة المقعد الشاغر تضرّ أكثر مما تنفع.
ثم إنه في الوقت نفسه استطاع إقناع الوزارة بضرورة مراعاة مقترحات النادي، حتى تكون التعديلات ذات مصداقية لدى القضاة.. فكان له ما أراد، ولم تمض تلك الليلة حتى بعث لي زميلي ممثل الوزارة رسالةً يخبرني فيها بأن معالي وزير العدل الدكتور حيمود ولد رمظان قد وافق على مقترحات النادي بشأن تعديل النظام الأساسي للقضاء، وأن علينا أن نرجع ونستأنف اجتماعاتنا ونناقش الأمور دون تحفّظ على أي نقطة. 
• ثانيا: عرفت الفقيد لمرابط ولد العادل في المجال النقابي، خلال ترشُّحي (أو على الأصح: ترشيحي من قِبَل الزملاء) لمنصب الأمين العام لنادي القضاة، في فبراير 2020م، وكذلك عند انتهاء مأموريتي في فبراير عام 2023م، حين كلفني القضاة بمهمة اقتراح مكتب تنفيذي توافقي.. فكان المرابط أحد أبرز الفاعلين في تقريب وجهات النظر حول تشكيل ذينك المكتبين التنفيذيين، وكان ممن يسدّدون ويقاربون من أجل الوفاق وعدم الشقاق. 
وفي خضمّ ذلك، في فبراير الماضي: غضبتُ من الفقيد غضبا شديدا، واتّهمته بعدم الوضوح، وبالغتُ فقلت له: إنه لم يعد محلّ ثقتي، للأسف! 
وما زاده غضبي إلا حِلما وأناةً ورزانةً وحكمةً.. وقال لي وهو يضحك ممازحًا إيّاي:
"امسااااكين ذوك أهل الشرق"! 
(وهنا أفتح قوسا لأقول: إن لمرابط يعرف أنني لا أومن بالجهوية، ولمرابط نفسه متنازَعٌ بين جهتين، فلا حرج في أن يصفني بأنني شرقاوي، بقصد الهروب من الجد إلى المزاح، من أجل تلطيف الجو).
ثم مكثتُ يومين لا أردّ على مكالماته الهاتفية، فأرسل لي -عبر واتساب- رسالةً أبويّةً مفعمةً بالعاطفة الجياشة، ومليئةً بالحكمة والموعظة الحسنة، وقال لي في بدايتها: لا يجوز لك أن تهجر أخاك فوق ثلاث!
ثم اعتذر لي كثيرا، مع أنني أولى بالاعتذار له، رحمه الله.
• ثالثا: عرفت الفقيد تاليا لكتاب الله.
فهو أحد مؤسسي مجموعة واتسابية شرُفتُ أنا وثلاثون قاضيا بالانضمام إليها بعد أشهر قليلة من تفشي فايروس كورونا (كوفيد-19)، ومنذ ذلك الحين ولمرابط وزملاؤه القضاة يختمون القرآن كل يوم؛ بِـنِـيّـةِ رفْع البلاء عن الوطن والأمة، فيقرأ كل واحد من أولئك القضاة جزءا من القرآن الكريم، ما بين الساعة السادسة صباحا والثامنة ليلا. ثم في اليوم الموالي: يقرأ الجزء الموالي، وهكذا.. فيُختَم القرآنُ مرةً كل يوم، ويَختِم الشخصُ الواحد ختمةً كاملةً كل 30 يوما.
والبارحة، في تمام الساعة الثامنة و 3 دقائق: أعلن المشْرف المسؤولُ عن ختمة الأربعاء: أن 5 أجزاء تأخر أصحابها في قراءتها. وكان من المتأخرين: الزميل لمرابط ولد العادل.
ثم بعد ذلك بأقل من ساعة، بلغَنا نعيُ الفقيد، عليه شآبيب الرحمات تترى!
واليوم، أُجرِيَ تشريحٌ على الجثة، تأكد للأطباء من خلاله: أن وفاة المرابط المفاجئة كانت بسبب قصور في القلب والرئة. 
شهادة خاتمة
يُجمع كل من يعرفون لمرابط على أنه كان من أحسن الناس أخلاقا.
وقد وردت في حسن الخلق أحاديث كثيرة، منها: 
■ حديث الصحيحين: "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا"؛
■ وحديث الترمذي مرفوعا:
"إن مِن أحبكم إلَـيّ وأقربكم مـنّـي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".
نسأل الله أن لا يَكِلَ الفقيد إلى عمله.
دعاء:
اللهم إن عبدك لمرابط في ذمتك وحبل جوارك، وهو فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه.. اللهم فَـقِـهِ فتنة القبر وعذاب النار، وأنزله منازل المقربين الأبرار، واخلفه في ذريته، وأحسن عزاء أهله وذويه، وعزاء الأسرة القضائية فيه.
آمين، آمين، آمين... اللهم آمين
اللهم صل على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الرئيس عمر السالك الشيخ سيدي محمد