أوقفوا "الدعم العبثي للصحافة الخاصة" في انتظار تحديد معايير شفافة ونزيهة؟

خميس, 09/02/2023 - 18:53

لم تعد اللجان المكلفة بتسيير وتوزيع صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة، منذ 2020 بشكل خاص، وربما قبل ذلك، تحترم النصوص القانونية المنشئة للدعم العمومي للصحافة الخاصة المحددة في القانون رقم 2011 – 024 الصادر بتاريخ 08 مارس 2011، بل أصبح تسيير وتوزيع هذه الموارد العمومية يخضع للأمزجة الشخصية لبعض أعضاء اللجان وبعض ممثلي الجهات المعنية، حيث استحدثت بنود جديدة للصرف لم يحددها القانون ولا يمكن تأويل ما تركه القانون للجنة من صلاحيات (مفتوحة) على أنه خروج عن إطار "دعم المؤسسات الصحفية الخاصة" وفتح للباب أمام جهات أخرى لا يمكن أن تستفيد من هذه الموارد المخصصة حصرا لدعم "المؤسسات والمنظمات الصحفية الخاصة".

وفي هذا الصدد تحدد المادة (2) من القانون رقم 2011 – 024 والمتعلق بالدعم العمومي للصحافة الخاصة الموريتانية الجهات المعنية بالاستفادة من الدعم العمومي للصحافة الخاصة وتحصرها وفق نص المادة الثانية المذكورة وذلك بالصيغة التالية حرفيا:

" المادة 2: يعتبر صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة دعما غير معوض مخصص للمؤسسات الصحفية الخاصة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية التي تساهم فعليا في تكريس حق الجمهور في الإعلام".

وفي المادة (4) من نفس القانون نطالع الهدف من صرف موارد الصندوق وتأكيد تحديد الجهات المستفيدة منها، حيث تقول حرفيا:

المادة 4: تهدف موارد صندوق الدعم إلى:

▪ تخفيف الأعباء عن المؤسسات الصحفية الخاصة؛

▪ دعم قدرات مهنيي القطاع؛

▪ تحسين نوعية خدمات وسائل الإعلام الخاصة؛

▪ الرفع من مهنيتها؛

▪ دعم وجود صحافة مستقلة نوعية ومسؤولة وذات مصداقية.

أما مهام اللجان المكلفة بتسيير وتوزيع صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة فيحددها القانون ذاته في المادة السادسة كالتالي:

المادة 6: تتمثل مهمة لجنة تسيير وتوزيع موارد صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة في:

- تعبئة موارد الصندوق؛

- تحديد معايير الدعم العمومي للصحافة الخاصة والقياسات التي تناسبها وذلك مراعاة لأحكام الأمر القانوني رقم؛ 2006-017

- دراسة ملفات طالبي الدعم طبقا للمعايير المحددة؛

- التوزيع العادل لموارد الصندوق على المؤسسات الصحفية الخاصة.

وفي هذه الفقرة الأخيرة تتأكد الجهات المحددة للاستفادة من هذه الموارد وهي " المؤسسات الصحفية الخاصة"، والتي تشمل، في إشارات أخرى، المنظمات الصحفية الخاصة، كما تتضمن نفس الفقرة في شقها الأول "التوزيع العادل لموارد الصندوق" على هذه المؤسسات، وهو ما لا يتم تطبيقه نهائيا منذ بعض الوقت حيث نجد مؤسسات وقنوات "خاصة" مملوكة لرجال أعمال كبار يملكون بنوكا وشركات تجارية عملاقة ونشاطات تجارية مختلفة، تنافس مؤسسات صحفية ليس للمسؤولين عنها أي نشاط تجاري، فتحظى مؤسسات رجال الأعمال هذه بسبعة أضعاف ما تحصل عليه مؤسسة خصوصية تضم أربعة وسائط متعددة اللغات مثلا، ولا تمارس أي نشاط تجاري خارج النشاطات المعهودة للصحافة كالإشهار مثلا، فهل تم احترام هذه الفقرة من القانون أعلاه والمتعلقة بالتوزيع العادل؟! ولماذا لا يساهم رجال الأعمال في دعم موارد الصندوق بدل منافسة الصحف والمواقع الإخبارية على فتات دعم مخصص للتخفيف من أعباء وتكاليف باهظة تواجهها الصحافة الخاصة فعلا؟!

كما أن مؤسسات عمومية تستفيد من التكوين المخصص، وفق القانون، لمنتسبي المؤسسات الصحفية الخاصة، فضلا عن توسيع بنود الصرف ليستفيد منها "مستشارون إعلاميون" في قطاعات حكومية مختلفة سبق لهم أن مارسوا العمل الصحفي وأداروا مواقع وصحف خاصة، ولكنهم يتقاضون رواتب مستشاري الوزراء، وذلك على حساب المؤسسات الصحفية المحددة والمحصورة في القانون رقم 2011 – 024 ؟!

ولعل من أنبل التجاوزات الحاصلة في صرف موارد الصندوق وأكثرها إنسانية هو إشراك مرضى الصحفيين، شفاهم الله جميعا، وأسر المتوفين منهم، رحمهم الله تعالى، في بنود التوزيع، ورغم هذا التجاوز النبيل الذي لا يعترض عليه أي أحد، إلا أن القانون لم يبوب عليه، ونحن مقيدون باحترام القانون، لأننا في دولة قانون ومؤسسات.

وفضلا عن كل ذلك، نجد أن العضو في لجنة تسيير وتوزيع صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة يحصل على تعويض، غير منصوص عليه في القانون، يبلغ مليونا ونصف المليون أوقية قديمة عن بضعة أسابيع من دفاعه عن مؤسسات ومنظمات أصدقائه في الحقل، مع استثناءات قليلة، وبالتالي فهو يحصل على مبلغ يفوق بكثير ما تحصل عليه الصحيفة أو الموقع المستهدف بالدعم العمومي، وإن كان ممثلا عن إحدى المنظمات الصحفية الممثلة في لجنة الصندوق فإنه يحصل على تعويض أعضاء اللجنة المذكور أعلاه مع حصة المؤسسة التي يملكها؟ّ!

والواقع أن الصندوق، الذي أنشئ لتخفيف الأعباء والتكاليف عن المؤسسات الصحفية الخاصة، تحول إلى موسم للإكراميات والزبونية والمحسوبية وحتى الجهوية المقيتة، مع استثناءات تشمل بعض رؤساء هذه اللجان وبعض أعضائها النزيهين جدا، ولكن القرار غالبا هو بيد أحد ممثلي وزارة الثقافة حيث عمد مدير العلاقات مع الصحافة بوزارة الثقافة، منذ تعيينه عام 2017 في الوزارة، على إقصاء وحرمان المؤسسات والمنظمات الصحفية التي لا تدخل في دائرة اهتماماته، أو تقزيم حصصها من الدعم العمومي للصحافة الخاصة، وهو أمر مكشوف لدى أعضاء جميع اللجان المتعاقبة منذ 2018م من خلال مداولات اللجان، وهو تاريخ ولوجه للجنة وبقائه أحد الممثلين بشكل دائم للوزارة خلافا لقاعدة ومبدأ التناوب التي ظلت سائدة حيث كانت الوزارة تنتدب ممثلين اثنين عنها كل عام لتستفيد من خبرات وكفاءات أطرها، بل إنه، وضمن صلاحياته في الوزارة كمكلف باستقبال أسماء مرشحي المنظمات الصحفية لعضوية اللجنة، تعمد إقصاء إحدى المنظمات الصحفية القائمة منذ 1994 لأنه يدرك أن  أي ممثل من هذه الهيئة لن يقبل أي تصرف في موارد صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة خارج القانون، لذلك تعمد حرمانها من التمثيل منذ 2019.

والحقيقة أن الصندوق تحول من مصدر للتخفيف من أعباء المؤسسات الصحفية إلى موسم لتوزيع الهبات والإكراميات، وحتى حقوق التمثيل والعضوية، والعبث بموارد عمومية ليست ملكا لأي مسؤول وإنما هي من أموال المواطنين دافعي الضرائب، وبالتالي فمن الأنسب إعادة تنظيم هذه الهيئة لضبط آليات الصرف وتحديدها ووضع معايير موضوعية وواضحة للاستفادة من أموال عمومية يتم العبث بها بصورة فجة منذ سنوات  ؟!!.