النكتة السياسية تعبير عن مكبوتات الشعوب في الأنظمة القمعية و وسيلة مخابرات الأنظمة لتهدئة الشارع

ثلاثاء, 19/07/2022 - 15:15

يعتبر الدكتور عمار يزلي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة وهران الجزائرية، في دراسة بعنوان "النكتة السياسية في العالم العربي وفي الجزائر" أن "النكتة تُعتبر أحد أهم أشكال المقاومة الثقافية في مجتمع يعاني من الاحتقان والضغط بكل أشكاله". 
ويشير إلى أن النكتة هي الشكل الفني للسخرية وهي "البناء المعماري للنقد الساخر" في المجتمع.
و تنتشر في الأنظمة القمعية النكات السياسية والنصوص الأدبية التي تجنح للرمزية والمقاطع الشعرية غير الموقعة بأسماء أصحابها وغالبا يكون مصدرها المواطن لتعبر عنه، لكن مخابرات الأنظمة قد تعمد لبثها في محاولة لتخفيف الضغط النفسي على المواطن.
وتعبر تلك النكات والنصوص المكتوبة والمسموعة عن حالات الإحباط واليأس حين تتفاقم معاناة المواطن في شتى المجالات، وخاصة ما يمس منها حياته اليومية.
وأدب النكتة السياسية معروف في مختلف مراحل الأنظمة السياسية داخل موريتانيا وخارجها، حيث تم تدوين نكات سياسية معبرة في مختلف العهود التي تشهد تضييقا على حرية التعبير وعلى المواطن في حياته المعيشية.
وقد اهتمت بعض وسائل الإعلام العربية بهذا اللون من الأدب حيث افردت له بعض المطبوعات العربية، وخاصة في مصر، صفحات عديدة، 
وهكذا نجد في مصر مثلا نكتة تعبر عن انحياز الرئيس المصري أنور السادات للمسلمين على حساب الأقباط حين كان الرئيس وإمام الأزهر والبابا في الطائرة وكان لا بد أن يتم التخلص من أحد الثلاثة من أجل سلامة الباقين  وفق رأي ملاح الطائرة، فقال الرئيس السادات: أنا رئيس كل المصريين ولا يمكن أن أضحي بنفسي من أجلكما لذلك لا بد لأحدكما أن يضحي بنفسه، ثم احتكم البابا والإمام للرئيس فقرر طرح سؤال على كل واحد منهما، وهكذا سأل شيخ الأزهر: كم عدد سكان الصين؟ ، فأجابه. ثم وجه السؤال إلى البابا: ما هي أسماء سكان الصين.؟!!!
في موريتانيا تعهد الرئيس خلال الحملة الانتخابية أن لا يأكل "المشوي" في الوقت الذي لا يجد فيه شعبه قوت يومه ولم يتغير الشيء الكثير فأصبح المشوي مادة تندر لدى الشارع شعرا ونثرا.
ومن نماذج التندر على "المشوي" ما اورده أحد الأدباء بقوله:
غزوانِ فِمْجِيهْ انَ گَالْ  ..... عَـــنُ لَاهِ انَاظِرْ لَحْوَالْ
ؤگالْ اعلنُ بيه التعدالْ .... يــوَنِي يختير الشمُوخْ
ؤلاهِ إوَكَــــنَ گال اكبال ...عنُو زاد المشوي مسلوخْ
واعگب عاد اكلامُ مِلْوِي ... واعل مال الدوله منفوخ
ؤلا رينالُو فتنَ مشوي .... ؤلا رينالُو فتنَ متبــــوخ
كما يتندر الشارع على الفساد والمفسدين وما يصفونه بتحكمهم في مفاصل الدولة. وفي ذلك سال حبر كثير تعج به وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك بعض المشاريع والبرامج التي لم تتحقق في وقتها المحدد مثل جسر الحي الساكن وأدب معاناة منقبي الذهب السطحي وغير ذلك...
ولم تخل حقبة سياسية من نكات وتنكيت على القيادات السياسية تعبيرا عن المكبوتات وتنفيسا عن المكنونات 
ومن الأمثلة على ذلك هذه النكتة التي تستهدف البرلمانيين:
"انقلبت حافلة بها برلمانيون، وتأخرت الشرطة والإسعاف في الوصول لمكان الحادث، فلما وصلوا وجدوا أن فلاّحًا قد دفن كل الركّاب، فقال الشرطي للفلاح: "هل تأكّدت أنّهم ماتوا بالفعل.."؟!
رد الفلاّح: "بعضهم كان يصرخ ويقول إنّه حيّ، لكن من يصدّق السياسيين يا سيدي..".
والأمثلة كثيرة سنعود لها بنماذج حية في وقت لاحق بدءا من مواجهة الكادحين مع نظام الرئيس الراحل المختار ولد داداه مرورا بمواجهة الناصريين والبعثيين مع نظام هيداله ثم بالمراحل اللاحقة بحول الله ...
التواصل