الحرب الأوكرانية - الروسية، وتغير قواعد الاشتباك

اثنين, 23/05/2022 - 22:29

محمد مهدي الشكري (خاص/ التواصل)

أعلنت وزارة الخارجية الروسية بدء مناقشة مجلس إدارتها، نسخة جديدة من مفهوم السياسة الخارجية الروسية على ضوء الحرب الأوكرانية، والأزمة الحادة مع الغرب.

وفقا لبيان الخارجية الروسية، فإن اجتماعاً قد عقد لمناقشة إعداد مفاهيم جديدة للسياسة الخارجية الروسية، طبقا لتعليمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وأن "الاجتماع ناقش مهام السياسة الخارجية الروسية، في ضوء الحقائق الجيوسياسية المتغيرة جذريا، والتي تطورت نتيجة إطلاق العنان للحرب الهجينة المعلنة ضد بلادنا، تحت ذريعة الوضع في أوكرانيا، بما في ذلك إحياء نظرة عنصرية لأوروبا من كهف الروسوفوبيا، لإلغاء روسيا وكل ما هو روسي".

ذهب المراقبون لحد القول إن هذه اللحظة، تكاد تصبح فارقة ونقطة تحول، في مشهد العلاقات والتوازنات الدولية، وأن صيغة عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق تكاد تلفظ أنفاسها، لصالح بروز قوى وأدوار تطالب بتعددية الأقطاب.

في عام 2005، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى خطاب له أمام البرلمان إن انهيار الاتحاد السوفيتى، كان أسوأ كارثة جيوسياسية فى القرن العشرين، وقبل ذلك بعام واحد، كانت سبع دول قد انضمت لحلف الناتو: بلغاريا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. وفى عام 2009، انضمت ألبانيا وكرواتيا، وفى عام 2017 انضمت الجبل الأسود، وأخيراً في عام 2020 انضمت مقدونيا الشمالية، وبهذا اكتمل التحاق كافة دول أوروبا الشرقية، وتبلور اتجاه واضح من الحلف لضم كلٍ من جورجيا وأوكرانيا، وهو ما عارضته روسيا، باعتبارهما المجال الحيوي لروسيا الاتحادية، التي ورثت الاتحاد السوفيتي عملياً، وأحبطت الحرب فى جورجيا 2008 ضمها للحلف، وحالياً تشكل الحرب فى أوكرانيا، العملية الرئيسية لإفشال هذا المشروع تماماً.

لنرجع قليلا في تأريخ هذه العلاقة المتأزمة بين الطرفين, ففي عام ٢٠١٤سقط الرئيس الموالي للروس (فيكتوريا نوكوفيتش) حيث تمت عملية إسقاطه بطريقة، اشبة بما حصل في بعض الدول، وخصوصاً مثل ما حصل  في العراق, عندما سيرت مظاهرات تشرين المدعومة، من قبل أجهزة مخابرات أمريكية وصهيونية وعربية، قادت إلى إسقاط الحكومة العراقية، ورئيسها المنتخب عادل عبد المهدي .

بعد سقوط (نوكوفيتش ) دفع الأمريكان والغرب بالرئيس (بيترو بروشنكو), ليكون على رأس السلطة في أوكرانيا، وبعدها دعمت الرئيس الحالي (فلاديمير زيلنسكي)- وكلاهما كان مواليا للمشروع الغربي- وقادت هذه التدخلات المستمرة في أوكرانيا، إلى إثارة حفيظة وغضب الجانب الروسي, والذي كان يعتبرها خطوات تمهيدية، لإطباق كماشة الناتو إقليميا حول عنق الدب الروسي.

كما كان مبدأ (مونرو) غربيا أمريكيا, يمنع أي قوة أو دولة من السيطرة أو الاستحواذ على الدول المحيطة منها، باعتبار هذه الدول المحيطة هي الحديقة الخلفية لأمريكا, كما حصل في أزمة الصواريخ الكوبية التي زودت بها روسيا كوبا القريبة من أمريكا, كذلك نجد اليوم نفس المنهج أو الخطاب الذي أجازته أمريكا لنفسها، يحاول الروس أن يوظفوه في حربهم، ضد تمدد حلف الناتو ونشر سلاحه بالقرب من حدودهم.

هنا يطُرح سؤالان:

أولاً:هل يجوز لأمريكا فقط المحافظة على أمنها القومي، وبالمقابل لا يجوز لروسيا ذلك؟

ثانياً: هل من مصلحة العراق استعداء جيرانه، مقابل رضى أمريكا عليه؟

يعد العراق من دول الشرق الأوسط المهمة جدا بمصادر الطاقة والنفط في العالم, ولأمريكا ودول الغرب بالذات, ومع أن امريكا حاولت مؤخرا، رفع يدها عن الشرق الأوسط, والزهد بما يملكه من ثروات, إلا أن الحرب الأوكرانية الروسية, وتخلخل بنية توازن الطاقة في العالم, كشف عن عمق الخطأ الكارثي الذي أوقعت أمريكا نفسها به, فاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط-فبراير 2022 كشف خطأ الحسابات الدولية في التعامل مع الشرق الأوسط، إذ بان جليا ان سياسات الطاقة البديلة لا زالت في بدايتها وتحتاج –على الأقل- الى عقدين من الزمن لتؤتي ثمارها، وان مواجهة التحدي الصيني والروسي، لن يتم بمعزل عن موقف استراتيجي داعم من الحلفاء في الشرق الأوسط، وان أي تنازل أو إهمال لموقف الحلفاء، لحساب طهران أو غيرها من الدول المتحدية او الرافضة للهيمنة الغربية الدولية، لن يكون خسارة لمصالحهم فحسب، بل هو في المحصلة النهائية انتصارا وقيمة مضافة، تعطي الارجحية لموقف بكين وموسكو، فضلا على إدراك أن الابتزاز الروسي للغرب في ملف الطاقة، لا يمكن مواجهته بمعزل عن زيادة إنتاج النفط والغاز من الشرق الأوسط.

الأمر الآخر وفق تلك التقديرات الجيوعسكرية، فإن واشنطن ربما خشيت من وقوع أسلحة أمريكية فى يد روسيا فى نهاية المطاف، إذا ما قررت غزو أوكرانيا، كأحد الدروس المستفادة من غزو أفغانستان، فالسلاح الأمريكي في الأخير وصل إلى أعداء الولايات المتحدة، وهذه الاستنتاجات منطقية في واقع الأمر، فلو كانت الأسلحة والمنظومات التي تم تدميرها بسرعة هائلة فى أوكرانيا، أمريكية أو تابعة للحلف فهو أمر يسيء لسمعة السلاح الأمريكي مقابل الروسي، وربما تمت الإشارة إلى تقديم أسلحة من نوعية منظومات «ستينجر» ومدرعات لأوكرانيا، وبالتالي فإن التسليح الذي قدم لم يكن سلاح ردع فى كل الحالات.

مع تحقيق روسيا أهدافها العسكرية فى أوكرانيا، فستكون موسكو قد وصلت إلى غايتها، بتحريك خطوطها الدفاعية إلى الأمام، على حدود التماس المباشرة مع «الناتو»، وهو ما يعنى أن الطرفين سينتقلان إلى قواعد اشتباك جديدة، وبالتالى سينتقل المشهد من لعبة «شد الأطراف» إلى صراع «موازين قوى» بين روسيا والحلف، فبلهجة واحدة فى الخطاب الأمريكي والحلف، تم التأكيد على تعزيز الوضع الدفاعي في دول أوروبا الشرقية، وبالتبعية فإن موسكو في حال إخضاع أوكرانيا ووفق دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصريحة، للجيش الأوكراني لتولى مقاليد السلطة، فمن المؤكد أنها ستنقل بدورها بنية عسكرية هائلة خلف خطوط التماس مع الحلف فى المدى المنظور، الأمر الذى سيزيد الموقف العسكري تعقيداً أكثر مما هو عليه.

على هذا السيناريو، فمن المتصور أن قواعد اللعبة تغيرت على رقعة الشطرنج بين روسيا و«الناتو»، وسيضاعف التعقيدات أكثر أن الحوار بين موسكو والحلف ذهب إلى نقطة اللا عودة، فالرئيس زيلنيسكى طلب التفاوض مع موسكو، عبر الوسيط الفرنسي الرئيس ايمانويل ماكرون، وفق صيغة «نورماندى» لكن اللافت للانتباه هو أن البيان الفرنسي في هذا الصدد كشف عن أن زيلنيسكى اضطر إلى هذه الخطوة بعد الفشل في الوصول إلى بوتين بشكل مباشر، ثم جاء الرد الروسي بالقبول بالمفاوضات لكن بصيغة استسلام، مع الإشارة إلى دعوة بوتين ــ كما سلفت الإشارة ــ الجيش الأوكراني إلى الإطاحة بالسلطة، وبالتالي يفرض بوتين قواعد اللعبة من الآن فصاعداً، كما أن التسريبات بشأن أن تكون تلك المفاوضات فى وارسو تكتسب رمزية مهمة بالنظر إلى أن صيغة «مينسك» أصبحت من الماضي، وأن المفاوضات ستكون ما بين موسكو ونظام موالٍ لها فى الأخير وليس بينها وبين «الناتو» الذي يتعين عليه قبول قواعد اللعبة الجديدة.