موريتانيا: الناصريون يحيون الذكرى ال 35 لانتفاضة 1984 ويستذكرون شهداءهم

ثلاثاء, 23/04/2019 - 18:56

نظم الناصريون في موريتانيا مساء أمس الأحد بفندق "موريسانتر" بالعاصمة نواكشوط، ندوة خلدوا خلالها الذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 التي قام بها التيار الناصري ضد نظام ولد هيدالة، وأدت إلى إسقاط هذا النظام، وخلال هذه الندوة، التي حضرها جمع كبير من الناصريين والمدعوين، احتل الحديث التعذيب واستشهاد الشهيدين: سيد محمد لبات (سيدات) وأحمد ولد أحمد محمود الصدارة في الحديث عن هذه الذكرى، كما غصت القاعة بالشعارات، المعبرة عن استحضار روح الشهيدين والتاريخ النضالي للحركة.

فلسطين والقدس كانا حاضرين بقوة، كما تم استحضار شعارات تلك المرحلة المنددة بالتحالف الرأسمالي العسكري وتفقير الشعب ورفض تطبيق الليبرالية المتوحشة آنذاك..إلخ من الشعارات ذات الدلالة العميقة، والمؤثر وجدانيا وعمليا في الجماهير الموريتانية أمس واليوم، شعارات: "لا لليبرالية التعليم والصحة"، "يسقط التحالف الرأسمالي العسكري"،"لا للطرد الجماعي للعمال"،"ضريبة التبرع تساوي ثراء الحاكمين"، "لا لتصفية شعبنا في الريف".
استهلت الندوة بقراءة الفاتحة على روح الشهدين، بعدها ألقى رئيس "منظمة الثقافة والاتصال والبئة والتنمية" "ثابت" د. محمد الأمين ولد عبيد كلمة بالمناسبة أكد فيها على أن تخليد هذه الذكري يشكل مساهمة في صياغة وعي جديد أكثر عطاء، من خلال تخليد ذكرى 1984 المجيدة، والتي سقط خلالها شهيدين، هما: سيدي محمد ولد لبات، وأحمد ولد أحمد محمود، وأوضح أن هذا التخليد، يتم هذه السنة، تحت شعار: "ذاكرة شعب وتاريخ وطن"، مؤكدا أن هذا الحدث، يشكل محطة ذهبية من محطات تاريخ بلدنا المعاصر ولحظة انتصر فيها الإنسان على الأنانية وضرب المناضلون فيها أروع مثال في الوطنية الصادقة، التي تسامت عن المصالح الضيقة والحسابات الشخصية.
وأكد د. ولد عبيد أن التردي الأخلاقي، الذي يطبع الحياة السياسية اليوم، يتطلب من كل الخيرين والأحرار مساهمات نوعية وجادة من أجل الخروج من حالة التردي القائمة وما يتولد عنها من ضبابية في الرؤى واختلال في مفاهيم التدافع.. وهذه بدورها قال إنها مزدوجة، تهدد المصير الوطني وتستدعي جهدا لمواجتها.
واستطرد رئيس منظمة "ثابت" قائلا: إن بلادنا تمر بمنعرج تاريخي من حياتها، يتعين أن يؤسس خلاله أهل الثقافة والفكر والرأي المستقل، صياغة نمط تفاعلاتنا الداخلية، وفق عقلية تقدمية ومستنيرة، تعلي من شأن التعدد في الآراء والتباين في المواقف والتنوع في وجهات النظر، من حيث هي إثراء وإغناء وتطوير لتجربتنا الوطنية ووسيلة فعالة لتحصينها ضد ثقافة الإقصاء والتطرف والغلو.
وتعهد ذ. ولد عبيد بأن تبقى "ثابت" الحضن الدافئ للكل، وذلك من أجل تجذير منظومة مفاهيمية، تقدمية، قادرة على التصدي للتخلف ورواسب الماضي وسلبياته.
بعده ألقت الأستاذة فاطمة بنت اكليب، كلمة النساء، مؤكدة فيها أننا مدعوون للوقوف إجلالا و تقديرا لتضحيات شهداء و سجناء الانتفاضة ، حيث كانت السجون يومها قد امتلأت بالسجناء، وسقط الشهيدان البطلان سيد محمد/ لبات، واحمد ولد احمد محمود، تغمدهما الله برحمته الواسعة، إنه سميع مجيب.
وأكدت الأستاذة فاطمة بنت اكليبإن المرأة الناصرية قد لعبت في هذه الانتفاضة المجيدة دورا نضاليا متميزا حيث شاركت و بشكل منقطع النظير، في المظاهرات والانشطة التعبوية من توزيع للمناشير،  والمرابطة أمام المعتقلات و مواساة اسر السجناء، مما جعلها تتعرض للاعتقال و التعذيب داخل مخافر الشرطة وتتعرض كذلك لمختلف انواع الاهانات النفسية و البدنية.
وطالبت بنت اكليب بأداء اكثر فعالية من مجرد الإحياء المناسباتي، قائلة: "إنه علينا القيام بكل ما هو ممكن من خطوات في سبيل احياء المشروع لأن إحياء الذكرى لا يكون وفاء، ما لم نحيي ما ضحى هؤلاء بأعز ما يملكون فداء له.
واختتمت الأستاذة فاطمة، قائلة: "إسمحوا لي أن أطلب من جميع مناضلات هذا التيار العمل على ترسيخ هذا  الفكر في نفوس أبنائنا، الذين لم يعايشوا فترة ازدهاره، والذين هم بحاجة إلى ملء الفراغ بأفكار ومبادئ هذا الفكر النير وذكر مناقب وتضحيات شهدائه، وجعلهم قدوة في زمن تكتوي فيه المنطقة العربية بنار الفكر المتطرف و سطوة القوى الاستعمارية".
بعدها ألقى رئيس منظمة "الطليعة التقدمية الشاب:  محمد حمنيه  كلمة جاء فيها:
"باسم الطليعة التقدمية نشكر منظمة "ثابت" على تنظيمها لهذه الندوة المخلدة لذكرى راسخة في القلوب ومليئة بالدلالات والعبر.. إنه تخليد يبرهن على وفائنا  لشهدائنا، الذين سقطوا في ساحة الشرف، دفاعا عن كرامة شعبهم وخدمة لوطنهم وأمتهم.
و بما أننا فصيل طلابي شبابي فإن كلمتنا هذه، ستركز على الدور الكبير و الجوهري، الذي لعبه التلميذ و الطالب، خلال تلك الانتفاضة المجيدة.
لقد شكل التلاميذ و الطلاب وقودا لانتفاضة ١٩٨٤ الخالدة، فلم تسلم مدرسة و لا حائط من كتابة الشعارات المنددة بالنظام وسياساته وممارساته، كما كانت المناشير تطبع وتوزع على عموم التراب الوطني في نفس التوقيت.. وهو عمل يصعب تخيل دقة تنفيذه في ظروف كالتي كانت تعيشها البلاد آنذاك.
لقد كان للطلاب حينها لاءاتهم التي تحاكي عدديا لاءات عبد الناصر: لا اعتراف، لا صلح، لا سلام، فقد صدح التلاميذ والطلاب الناصريون حينها أيضا بشعارات: لا لليبرالية التعليم والصحة- لا لتجويع أهلنا فى الريف- لا للتحالف الرأسمالي العسكري..
لقد قدم الشباب الناصري تضحيات جساما، فنكل بهم أشد ما يكون التنكيل، وزج بهم في السجون والمعتقلات، ودفعوا دماءهم الزكية، ثمنا للحرية والكرامة الوطنية.. ففي زنزانات النظام الهيدالي، صعقوا بالكهرباء وتعرضوا لتعذيب"جكوار" وللضرب المبرح، ومورست ضدهم كل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، كما أخضع كثيرون منهم للإقامة الجبرية وعاش من تمكن منهم من الخروج الآمن قساوة المنافي والغربة، بحثا عن مكان يوفر لهم مناخا للنضال لصالح قضيتهم، ويقيهم بطش نظام متغطرس.
 إن تضحيات الفتيات والشبان والنساء والرجال الناصريين، شكلت وقودا لانتفاضة 1984 المجيدة، كما قدمت القوى النقابية، على مستوى اتحادي الطلاب والعمال دروسا في النضال والتضحية، جديرة بأن تدرس للأجيال المتعاقبة... فبفضل ذلك العطاء المتدفق، استطاع الناصريون توجيه ضربات موجعة إلى نظام البطش الهيدالي، زعزعت سلطانه و أضعفت قبضته على الحكم، الشيء الذي أدى إلى إسقاطه، أشهرا قليلة بعد انطلاق شرارة الانتفاضة الناصرية المظفرة.. والتي أثمرت دستورا جديدا،  كرس اللغة العربية، لغة رسمية للبلاد، وتم التأكيد فيه على هوية البلاد، وأصبحت بفضله الوحدة المغاربية والعربية هدفا، تسعى الدولة إلى تحقيقه.
إننا فى الطليعة التقدمية ونحن  نخلد معكم اليوم هذه الذكرى الأليمة، التي سبقت ميلاد غالبيتنا، فإننا نعدكم بأن نظل دوما ثابتين على طريق رعيلنا الأول.. فلتثقوا بأننا لن نحيد و لن نتراجع و لن نبدل، وسيظل الصوت الناصري جهورا، مؤثرا وفاعلا- كما كان و كما يجب أن يكون.
لقد قمنا في الطليعة التقدمية بعديد التحركات التي من شأنها أن تفعل النشاط القومي في بلدنا، كما وقفنا بقوة ضد خطوة النظام الغريبة و المدانة بأشد العبارات، والمتمثلة في تغيير إسم شارع جمال عبد الناصر الرمز العربي المسلم الإفريقي الذي تمثل شخصيته و تاريخه الناصع رصيدا نضاليا، خدم أمتنا العربية و قارتنا الإفريقية، فكان عبر مسيرته النضالية، مثالا للتضحية وأنموذجا رائعا وفريدا في المنطقة، عزز وحدة وتعايش العرب و الأفارقة.. وهو خيار يناسب دولتنا المتسمة بالتنوع.. لذا فإن عبد الناصر بتاريخه وبنضاله، المتسم بالشمولية والتنوع، يشكل رافعة للوحدة الوطنية في موريتانيا.. وهذا ما كشفه التفاعل منقطع النظير مع البيان- الذي وجهناه للرأي العام الوطني- داخل الساحة الوطنية بكل أعراقها وفئاتها وطبقاتها، تنديدا بتغير إسم شارع جمال عبد الناصر ، حيث  أدان الجميع تلك الجريمة النكراء وتضامن مع موقفنا الرافض لها...
إننا لن نقبل أن تذهب دماء الشهيدين سيدي محمد ولد لبات وأحمد ولد أحمد محمود هباء، ونطالب بمحاسبة كل من شارك في جريمة تصفيتهما جسديا، ،  فهو حق لا يسقط بالتقادم، كما نطالب بجبر الضرر بالنسبة لكل من تضرر من موجة التعذيب والمعتقلات، خلال انتفاضة 1984 المجيدة..فنحن في الطليعة التقدمية لن نرضى بأن تضيع تضحيات و معاناة السجناء و المعتقلين من النساء والرجال والطلاب والعمال تلك.. فبقدر ما كانت هذه الانتفاضة فاعلة ومؤثرة حينها، فإننا نريد لروحها اليوم أن تكون موجها ومرشدا لنا، من أجل إكمال مسيرة الشهداء..وما ذلك على الله بعزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
واختتمت الندوة بورقة للأستاذ محمد فال ولد ممحمادة، حاول خلالها أن يستحضر الظروف، التي أدت إلى انتفاضة 1984 المجيدة، وكانت الورقة تحت عنوان: "انتفاضة 1984 المجيدة: المسارات و المآلات"، هذا نصها:
"استجابة لطلب هيئتكم الموقرة، ومساهمة في نشاطها الذي تنظمه إحياء للذكرى الخامسة و الثلاثين لانتفاضة 1984 المجيدة وتذكرا لشهدائها الإبطال و ترحما على أرواحهم الطاهرة و وفاء لهم و استلهاما لما يحمله الاستشهاد من معاني روحية ووقود نضالي لمواجهة التحديات التي تواجه شعبنا وامتنا العربية و قارتنا الإفريقية و عالمنا الإسلامي،  أقدم هذه الإثارة المتواضعة  عن انتفاضة 1984 المسارات و المآلات  وذلك حسب المحاور التالية :

-         الأوضاع السائدة في البلاد في يناير 1984

-         خطة التحرك ومسار الانتفاضة

-         كيف واجه النظام هذه الانتفاضة

-         النتائج والدروس المستخلصة
لقد شهد مطلع الثمانينات انتشارا واسعا للتيار الناصري في البلاد أدى إلى سيطرته  على المنظمات العمالية والاتحادات الطلابية و على الساحات المدرسية مما أوحى للمحيط الخارجي بقوة و خطورة هذا التموقع والانتشار، جعل التيار يوضع تحت أنظار الأجهزة البوليسية للنظام و القوى السياسية المنافسة والمتعاطية معه حينها.

- الأوضاع السائدة في البلاد في يناير 1984
لقد كانت البلاد ترزح تحت وطأة نظام حكم محمد خون ولد هيداله العسكري الذي حكم البلد مابين 1979 – 1984 ، حيث شهدت أوضاع البلاد تدهورا خطيرا على كافة الأصعدة:

- فعلى المستوى السياسي : سعى هذا النظام إلى تكريس سلطة الفرد الذي يمتلك كل السلطات والصلاحيات فهو رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني و رئيس الدولة و رئيس الوزراء ووزير الدفاع  و القائد الأعلى للقوات المسلحة و رئيس المجلس الأعلى للقضاء و رئيس الهياكل و يمارس الدكتاتورية والتسلط ويحكم البلاد بقبضة من  حديد تستند إلى نظام بوليسي يسعى إلى تصفية كل القوى السياسية التي رفضت الانصياع للتدجين مثل التحالف من اجل موريتانيا ديمقراطية  (AMD)   والبعثيين و يستعد لتصفية الناصريين.

- وعلى المستوى الاقتصادي شهدت الأوضاع في البلاد تدهورا متسارعا  لم يسبق له مثيل نتيجة السياسات الارتجالية و سوء التسيير.

فتميز الاقتصاد بالهشاشة بسبب عدم تنوع الصادرات حيث كان يعتمد أساسا على صادرات خامات الحديد.

و قد أتى الجفاف الذي ضرب البلاد خلال سنوات 70-80 على معظم إنتاج القطاع الريفي الذي تحول معظم سكانه إلى لاجئين مشكلين أحزمة بؤس في ضواحي المدن والقرى حيث لا ماء، لا عمل لا سكن، لا صحة ولا تعليم، كما أن مديونية حرب الصحراء وتمويلات المشاريع الطموحة التي ذهبت إلى جيوب المفسدين دون أن تنتج ما يعوض تلك الديون (مصفاة النفط، مصنع السكر، مصنع نحاس اكجوكت، مصنع الصلب بانواذيب ، مصنع الملابس الجاهزة باواكشوط) قد تراكمت وحان قضاؤها حيث بلغ ما يستوعبه سداد الديون سنة 84 حوالي 36% من حصيلة الصادرات، و فشلت سياسة التقويم الاقتصادي رغم الاستغلال المفرط للثروة السمكية الهائلة في نفس الفترة  و التي لم تسعف الميزانية في تسديد الديون المستحقة و هكذا تضاعفت المديونية الخارجية مرتين  (619 مليون دولار إلى 1.7مليار) ووصل الاقتصاد إلى طريق مسدود خلاصة حاله جهاز إنتاجي هش و هيكلة تصدير عديم التنوع و عجز مزمن في الميزانية العامة و في ميزان المدفوعات و مصادر تمويل خارجية شحيحة و ذات شروط مجحفة.

أمام هذه الوضعية، بدأت البلاد تتجه نحو الليبرالية الوحشية حيث خصخصت المؤسسات العمومية وقطعت خطوات نحو ليبرالية التعليم و الصحة  وزاد ت الضرائب على ذوي الدخول المحدودة وشهدت أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا جنونيا وتخلت الدولة عن مسؤولياتها الأساسية وابتكر النظام أساليب جديدة لامتصاص ما تبقى لدى المواطنين من إمكانيات تحت عناوين التبرع تارة لقصر الشعب وأخرى لفائدة المتضررين من الجفاف فزادت نسبة التضخم والبطالة  ولم يعد للشعارات، التي يرفعها النظام( التقويم الاقتصاد والاعتماد على الذات)  من  مصداقية ولا معنى

- أما على المستوى الاجتماعي فحدث ولا حرج، لقد انعكست الأوضاع السياسية والاقتصادية  على واقع السكان حيث لم تعد أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية في متناول الغالبية العظمى من المواطنين؛نتيجة تدني القوى الشرائية للمواطن ،وبدا توقف منح الطلاب وإلغاء الكفالات المدرسية الداخلية على مستوى المدارس و الثانويات، حيث كان التكفل للتلاميذ بالمأكل والمسكن، فانتشرت المجاعة و الأمراض الناتجة عن سوء التغذية و انتشار الأوبئة بين صفوف سكان الأرياف والكبات .

2- خطة التحرك ومسار الانتفاضة:

لقد جاءت انتفاضة 1984 لتعبر بصدق عن رفض الشعب الموريتاني ممثلا في قواه الحية (عمال، طلاب، تلاميذ، ومواطنين عاديين ) لهذا الواقع المأسوي وردا على التسلط والاستبداد الممارس عليه وسعيا إلى تجسيد طموحات الجماهير الشعبية في الحرية و تحقيق الحياة الكريمة ، وفي سبيل ذلك تم وضع خطة تحرك مدروسة و محكمة ونفذت حسب تدرج زمني مناسب وهكذا:

- تمت بلورة طرح سياسي يتناول مختلف جوانب الواقع ويفضح سياسات النظام المتبعة

- إصدار بيانات تفصيلية تواكب التحرك وترد على دعايات النظام

- دعم و تاطير الاحتجاجات الشعبية والإضرابات الطلابية والعمالية المطالبة بالتغيير
وتجسيدا لخطة التحرك المذكورة أعلاه انطلقت انتفاضة 84 في التاسع من يناير بإصدار بيانها الأول تحت عنوان " إلى أين يتجه التحالف العسكري الرأسمالي" ذلك البيان الذي حلل الأوضاع المأسوية وكشف انعكاساتها الخطيرة على حياة المواطنين مركزا على الآثار المدمرة لبوادر الاتجاه  نحو لليبرالية في قطاعات الصحة والتعليم وندد بارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وتدني القوى الشرائية للمواطنين و سوء  أحوالهم  ودعا القوى الحية في البلاد إلى رفض الواقع والسعي إلى تغييره.
وجاءت الخطوة الموالية، ليلة 28 فبراير 1984  حيث عمت الكتابات الجدرانية معظم مدن البلاد راسمة شعارات لانتفاضة، التي كانت شاهدة على سلامة الحس التقدمي والشعبي للانتفاضة :

- ففي مواجهة الدكتاتورية وانتهاكات الحريات الجماعية والفردية ومصادرة رأي القوى الرافضة للواقع رفعت الانتفاضة شعار "يسقط التحالف العسكري الرأسمالي، لا لطرد ألتلاميذ والطلاب"

- وفي مواجهة تدهور الأوضاع المعيشية في الريف وما يعانيه سكانه من بؤس وحرمان كان شعار "لا لإهانة وتجويع شعبنا في الريف"

- وفي مواجهة البطالة والتعسف ضد العمال "لا للطرد الجماعي للعمال"

- وجاء شعار " ضريبة التبرع = ثراء الحاكمين من اجل التعبئة ضد ابتزاز واستنزاف المواطنين باسم مصالح عامة لتحقيق مصالح شخصية للثلة الحاكمة .
ومع حلول 5 مارس84 وصلت التعبئة والغليان أوجهما داخل المحيط المدرسي عموما، في مختلف أنحاء البلاد، حيث بدأت إضرابات الطلاب و التلاميذ و المظاهرات الشعبية و المسيرات تعم البلاد إضافة إلى بعض القطاعات  العمالية كالبحارة و المعلمين (انواذيبو و لعيون) .
 ثم توالت بعد ذلك بيانات الانتفاضة مواكبة لتطوراتها، تحلل الواقع والمستجدات و ترد على حملات التضليل والتشويه التي حاول النظام إلصاقها بالانتفاضة نذكر من بينها البيان الشهير '' كذب الطغاة''.

3 . كيف واجه النظام الانتفاضة :

واجه النظام الدكتاتوري الاحتجاجات السلمية في هذه الانتفاضة بقمع وحشي لا مثيل له من ضرب و تنكيل و استخدام مفرط للقنابل المسيلة للدموع ثم شن بعد ذلك حملة اعتقالات عشوائية واسعة النطاق شملت مئات الأشخاص الذين اخضعوا في زنزانات الاعتقال لأكثر أنواع التعذيب فظاعة، وقد احتفظ النظام بنحو 130 من هؤلاء في السجون حتى يوم سقوطه وكان توزيعهم على النحو التالي:

- الهندسة العسكرية في انواكشوط 49 معتقلا

- مفوضية الشرطة في أطار 48 معتقلا

- فرقة الدرك بلعيون 22 معتقلا

- مفوضية الشرطة فكيفه 14 معتقلا، تم تحويلهم فيما بعد إلى سجن بيلا

- بالإضافة على 33 شخصا وضعوا تحت الإقامة الجبرية في مناطقهم الأصلية
وتحت التعذيب الوحشي لسجناء الانتفاضة سقط الشهيدان:

-  سيدي محمد (سيدات) ولد لبات رحمه الله ورضي عنه وأرضاه  في 13 ابريل في معتقله في مدرسة الشرطة في انواكشوط

- احمد ولد احمد محمود رحمه الله ورضي عنه وأرضاه  في 3مايو في معتقله بمفوضية الشرطة في أطار. 

4. النتائج والدروس

أدت انتفاضة 1984 المجيدة بما قدمته من تضحيات و ما سطرته من بطولات وما أظهرته من صمود ومن قدرة على الاستمرار لفترة طويلة نسبيا  من جهة ما واجهها به النظام من قمع وما ارتكبه في حق السجناء من فظائع من جهة أخرى إلى التضامن الشعبي الواسع معها مما  افقد النظام مصداقيته وأصبح يعاني عزلة خانقة على المستويين المحلي و الدولي، أجبرت  بعض  أركانه على  تقديم رأس النظام وبعض مقربيه كبش فداء  في انقلاب عسكري  في 12/12 /1984.

- استطاع الناصريون في 1984 تفجير وقيادة انتفاضة شعبية بكل المواصفات والمعايير عبرت عن رفضهم للواقع وحملت مضمونا اجتماعيا استطاع تمثل معاناة المواطن الموريتاني وطموحاته وكانت التجربة الوحيدة في البلاد التي قدمت شهداء تحت التعذيب من اجل مشروع الدولة الوطنية .

- حافظت الانتفاضة على طابعها السلمي رغم بطش النظام و غطرسته مما جنب البلاد حينها مخاطر العنف و الانفلات الأمني الشامل

-  إن وصول أصحاب هذه الانتفاضة إلى مستوى القناعة بالتضحية في سبيل مشروع الدولة الوطنية في مجتمع مثل مجتمعنا يعتبر سبقا في العمل النضالي المنظم والهادف.

-  إن مستوى الإعداد والتهيئة على مستوى الوسائل لم يكن يستجيب للنتائج التي ترتبت على الانتفاضة ( جيش من السجناء " شهيدان، يتامى وأرامل)

- أثبتت هذه الانتفاضة الشعبية، رغم ما قد يترتب عليها من مخاطر، أنها هي السلاح الأخير الفعال الذي تمتلكه الشعوب في مواجهة انسداد أفق الحياة الذي تخلقه تراكمات أنظمة الدكتاتوريات والتسلط.    
إن استلهام الروح النضالية لهذه الانتفاضة العظيمة تستدعيه جسامة التحديات التي يواجهها وطننا والمخاطر المحدقة به من الداخل و الخارج، نذكر منها:

- الدعوات العنصرية و الفئوية التي أصبحت أصواتها عالية و مكشوفة بشكل يهدد بانفراط عقد المجتمع.

-  المظلوميات الاجتماعية المزمنة التي تعاني منها بعض فئات المجتمع الناجمة عن الاسترقاق و مخلفاته و التي تستغل و بصفة مكشوفة من طرف قوى داخلية و خارجية لتفكيك المجتمع و تدمير البلد.

-  الحركات المتطرفة التي تتخذ من الدين غطاء لتبرير الإرهاب و الإقصاء و التي عمدت إلى تجنيد شباب الأمة لزعزعة الأمن و الاستقرار في المنطقة.

-  رياح الفوضى السياسية  العارمة التي تجتاح المنطقة العربية و تهدد وجود كياناتها السياسية مستغلة سوء الأوضاع على مختلف الصعد.

-  حالة التشرذم و التدمير و الاقتتال التي راحت ضحيتها معظم الأقطار العربية فأصبحت الأمة مستباحة من طرف القوى العظمى و بعض دول الجوار.
لمواجهة هذه المخاطر يتحتم تلاقي كل الأوفياء لوطنهم و أمتهم على رزمة الأولويات التالية:

- جعل امن البلاد و استقرارها فوق كل الاعتبارات الأخرى

-  رفع الظلم عن الفئات المحرومة و السعي إلى إنصافها اقتصاديا و اجتماعيا.

- تعزيز الوحدة الوطنية بالحفاظ على السلم الأهلي وعبر إقامة العدل و المساواة و إشاعة ثقافة الحوار و حق الاختلاف و التنوع.

-  التأكيد على حماية الحريات الفردية و الجماعية و الحرص على ديمومتها

- ترسيخ التناوب السلمي على السلطة

- خلق مستوى من التنمية المستديمة يوفر حدا معقولا من الحياة الكريمة للمواطنين.

- التأكيد على دعم القضية الفلسطينية و الوقوف في وجه المخططات الهادفة إلى تصفيتها و تهويد القدس الشريف و استمرار الحصار على غزة.

- ضرورة استمرار النضال من اجل الوحدة العربية الشاملة باعتباره الخيار الوحيد لمواجهة الواقع العربي المتردي."

- وخلال الندوة، تدخل السفير والمحامي ذ. الشيخ ولد باها، حيث قدم شهادته حول تلك المرحلة، مبينا حجم الاستهداف العشوائي وغير الواعي، الذي تعرض له المواطنون في ظل نظام هيدالة، حيث تعرض هو شخصيا لخسارة منصبه في منظمة استثمار نهر السنغال، بفعل وشاية كاذبة.

-  كما تناول الكلام كذلك المحامي ابراهيم ولد أبتي، الذي قال إن أولى اهتمامه بموضوع حقوق الانسان كان إثر مشاركته في تونس مؤتمرا للمحامين العرب، عرض خلاله تقرير، قال إنه اتسم بالدقة والصدق، قام به محام مصري كلفه به اتحاد المحامين العرب.. وقال إنه تأثر بدقة ومهنية هذا تقرير المقدم من طرف شخص غير موريتاني، اتجاه اعتقالات وتعذيب انتفاضة 1984 في موريتانيا، والتي استشهد خلالها مواطنين عزل تحت التعذيب.. وقال إنه يجب معرفة الجناة ومتابعتهم.

محمد المختار