إلى متى ثنائية الثروات الهائلة والفقر المدقع في بلدي ؟!

أربعاء, 27/03/2019 - 01:43

غالبا ما يبادرني بعض المراقبين من الأشقاء والأصدقاء المهتمين بالشأن الموريتاني بالسؤال عن ثنائية الثروات الموريتانية الهائلة والمتعددة مع الفقر الكبير الذي يعانيه الشعب الموريتاني بشكل عام وعن أسباب ذلك، وهل ترجع لسوء التسيير أم للعجز عن الاستغلال المعقلن لتلك الثروات مثلا؟

وفي الغالب أحمل مسؤولية الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن والوطن إلى "تراكمات من الماضي ومحاولات جادة لانتشال البلاد من الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه منذ الاستقلال"، أقول ذلك ولكنني في الواقع لست مقتنعا بأن ستين سنة من التسيير وإرادة البناء والتغيير تعجز عن توفير حياة كريمة لمواطنين لا يتجاوز عددهم أربعة ملايين نسمة ترقد أرضهم على ثروات هائلة كالسمك والحديد والذهب والنحاس ومختلف أنواع المعادن، وتتوفر على ثروة حيوانية هي الثانية عربيا بعد السودان فضلا عن النخيل والزراعة وغيرها من المصادر المتعددة للرخاء ؟!

غير أن الإجابة على السؤال تبقى ملحة وضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأننا على أعتاب مرحلة مهمة ستعرف فيها البلاد إضافة ثروة الغاز والنفط إلى الثروات السابقة، فضلا عن أننا في مرحلة تحول سياسي، نتمناه سلسا، يتطلب الإلحاح في إيجاد آلية جادة وشفافة ونزيهة تمكن المواطن من الاستفادة من خيرات وطنه الذي حرمته منه نخب استأثرت بكل شيء ولم تترك له سوى المعاناة، ولن يتم ذلك دون وضع خطط تنموية حقيقية، وليست صورية وتمويهية، لتمكين المواطنين من إدارة وتسيير مشاريع مدرة للدخل تشمل الجميع ويستفيد منها الجميع دون استثناء، فضلا عن رفع الرواتب إلى المستوى الذي يناسب حجم الثروات الهائلة التي تنعم بها بلادنا ويليق بأبناء شعب صبور كشعبنا الأبي.

بعض المراقبين يعتقد جازما أن ثروات بلدنا المتاحة حاليا تكفي، مع حسن التسيير والتخطيط، لتحويل كل مواطن موريتاني إلى إنسان ثري جدا، بل وليس أقل ثراء من مواطني دول الخليج العربية النفطية.

ومن المؤسف جدا أن آلاف الشباب والرجال الموريتانيين يهاجرون، حتى في مناطق الخطر في إفريقيا، بحثا عن ظروف معيشية أفضل، فكيف نتحدث عن ثروات وموارد هائلة وآلاف من أبناء بلدنا يعيشون في مناطق عديدة من العالم بعيدا عن الأهل والوطن بحثا عن حياة كريمة بينما الثروات الهائلة ينهبها ثلة من اللا وطنيين؟

إن تغيير الواقع الراهن ضرورة ملحة وأولوية تمليها المواطنة والمسؤولية، ولا يمكن لأي نظام حكم أن يتجاهل هذا الواقع ويتغاضى عن هذه الثنائية المحيرة، لذلك لا بد، ونحن في وجه انتخابات رئاسية مفصلية، أن نسمع من المرشحين، في تفاصيل برامجهم الانتخابية، تنافسا على حسن الأداء وخاصة في مجال تسيير الثروات الوطنية والتوزيع العادل لها، ومن دون ذلك فلا قيمة ولا أهمية للتناوب على ديمومة المعاناة والفقر.

إن سوء التسيير ونهب الثروات من قبل نخب متعاقبة على حكم البلاد على حساب رخاء المواطن وتطور البلد، حولنا إلى شعب فقير وبلد متسول رغم قدرتنا على أن نصبح أكثر ثراء من كثير من البلدان الشقيقة والصديقة لو توفرت الإرادة الجادة لحسن التسيير والتخطيط وفق الأولويات التنموية.

إن تجليات المعاناة ليست فقط في المستوى المعيشي للمواطنين العاطلين عن العمل ولا حتى الموظفين والعمال من الفئـات المتوسطة والضعيفة وإنما في كل قطاع من القطاعات المختلفة حيث نفتقر إلى الخطط المتكاملة للنهوض بأداء القطاعات الحيوية لتسهم بفاعلية في عملية التنمية المنشودة.

لن أخوض في تفاصيل العجز الحاصل ولا مكامن الخلل، لكنني أتوقع أن إقصاء المهووسين باختلاس المال العام من إدارة المرافق الحيوية ومحاسبة الضالعين في نهبه، والاعتماد على كفاءات وطنية وأيادي نظيفة ووضع الخطط والبرامج التنموية الجادة كفيلة بوضع القطار على سكة النهوض وتجسيد التطلعات المنشودة في البناء والتنمية وتحقيق الرفاهية. ولن يتم لنا ذلك، بكل تأكيد، ما دمنا نرهن البلد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين لا بد من الشروع في التخلص من قيودهما المذلة، فضلا عن مراجعة العديد من اتفاقيات الاستثمار القائمة والتي لا تستفيد منها البلاد بما يتناسب وحجم العائدات والمداخيل التي يجنيها المستثمرون، وهو أمر من الضروري أن يتم في أجواء ودية تبقي المجال مفتوحا ومشجعا للاستثمار في بلدنا.

ترى هل يتحقق حلم المواطن في الاستفادة من ثرواته الهائلة وهل يأتي اليوم الذي يمكن بالفعل أن يجلس أكبر المسؤولين في قفص الاتهام بل وفي السجن، إذا اقتضت الضرورة حماية للمال العام ولحقوق المواطنين من النهب الممنهج الذي لن يتوقف دون وجود رادع حقيقي.

أحمد ولد مولاي امحمد