زراعة الضفة ... الحلقة المفقودة / محمد ولد مامون

أحد, 24/02/2019 - 01:00
محمد ولد مامون

ماذا تستفيد فقيرة الهند من استئجار رحمها ... ؟

كان ذلك سنة 1995 عندما لاحظ - المزارع الشاب سيدي عبد الله ولد برو (يبلغ آنذاك  25 سنة ) إبان زيارته لداكار بغية جلب بذور الخضروات - أن بعض المزارعين السنغاليين الكبار يستلمون من عند اللبناني -  تاجر البذور -  كميات معتبرة من بذور الفاصوليا الخضراء (Haricot vert ) وهو الذي خبر هذه المادة في مطاعم الغرب أيام الشتاء القارس  , تساءل في قرارة نفسه: لماذا هذا التهافت على بذور نبتة محصولها لا يتواجد على قائمة موائد الأفارقة؟.

وبحسه التجاري انتبه اللبناني إلى شرود زبونه وأخبره أن هؤلاء المزارعين متخصصون في تصدير الخضروات والفواكه إلى أوروبا وبأن أهم صنف زراعي يمكن للأفارقة المنافسة في تصديره هو الفاصوليا الخضراء لأنها تعتمد أساسا على اليد العاملة، خاصة أيام الحصاد.

اشترى سيدي البذور التي جاء من اجلها وزاد باقتنائه بذور الفاصوليا الخضراء وكذلك المعرفة الضرورية لإدارة المحصول (la conduite culturale ) ابتداء من البذر وحتى الجني إضافة إلى تقنيات الفرز والتعليب والشحن إلى السوق الأوروبية خاصة سوق رينجيس Rungis في باريس والتي هي من أهم مراكز توزيع وإعادة شحن الفواكه والخضروات  إلى باقي الأسواق الأوروبية.

تم زرع هكتار واحد من الفاصوليا الخضراء، وفى منتصف العملية جلب صديقه المزارع المهندس مولاي ولد مولاي عمر (يشغل منصب مستشار وزير التنمية الريفية المكلف بخلية التخطيط آنذاك)  الى المزرعة ليريه ما تم انجازه وليتدارس معه الطرق الفنية الضرورية لإرسال شحنة تجريبية الى سوق رينجيسإلا انهما توصلا الى طريق مسدود لان غزو السوق الاوربية يتطلب الامتثال لمجموعة من المعايير الفية لهذه السوق من ضمنها ميثاق المتعلق بالصحة النباتية ( la charte phyto) و حصول الدولة الموريتانية على علامات تجارية خاصة بها تمكن مزارعيها من الولوج الى السوق الاوربية عن طريقها .... هذا اضافة الى ضبط تقنيات جني المحصول وفرزه  و تعليبه وهذه العملية الاخيرة تتطلب اقتناء علب خاصة  تحمل ماركة  وعنوان المنتج واسم الدولة المنشأ .

رجع مولاي إلى وزارته وهنا اخبر ممثل البعثة الأوروبية بوزارة التنمية الريفية ومستشار الوزير ابول جينييسPaul Ginies بهذه التجربة الجامحة الطموحة والغير مسبوقة، فتحمس للسفر إلى روصو بغية المشاهدة عن قرب، وبعد أيام وصلوا المزرعة وراعهم ما شاهدوا ... المنتوج تم إعطاؤه للأبقار بدل إرساله على الأقل إلى الأسواق المحلية.

تواعد الجميع في مباني وزارة التنمية الريفية لتقييم ما تم التوصل إليه و السعي إلى تذليل العقبات مستقبلا.

وبعد المداولات، ومن اجل إدخال عملية إنتاج الخضروات والفواكه - الموجهة إلى السوق الأوروبية- في الدورة الزراعية المحلية، تم الاتفاق على ما يلى:

ابتعاث بعض المزارعين إلى السنغال لاكتساب المعرفة (acquisition du savoir-faire) في مجال إنتاج وفرز وشحن منتجات كل الأصناف القابلة للاستزراع في منطقة النهر والصالح منتوجها للتصدير إلى السوق الأوربية.

مطالبة السلطات العمومية بضرورة السعي لدعم إنتاج الخضار والفاكهة الموجهة للتصدير في إطار دعمها للتنويع الزراعي. المطالبة بإصدار تشريعات في هذا المجال ومواءمتها (harmonisation) مع متطلبات التشريع الأوروبي المرتبطة بالنفاذ إلى أسواقه .

التعهد من طرف ممثلي الاتحاد الأوروبي بتمهيد كل الإجراءات المرتبطة بتمويل عملية إنتاج الخضار والفاكهة الموجهة إلى السوق الأوروبية في حالة نجحت العملية التجربة (opération test) المزمع إجراؤها في العام 1996 والتي سيتم، إضافة إلى تصديرها للمنتوج، توزيع الباقي على السوق المحلى خاصة البقالات الكبرى والسفارات والبعثات الأجنبية .

إنشاء إطار تنظيمي جمعوي، تعاونية أو تجمع ذو نفع اقتصادي، من طرف المزارعين الراغبين في الاشتراك في عملية إنتاج و تصدير الخضار والفاكهة الى السوق الأوروبية. و من اجل إبداء حسن النية، دفع الاتحاد الأوروبي بمنحة (000 200 1 أوقية قديمة ) كتشجيع لسيدي عبد الله على مبادرته الفردية و الشجاعة .

وفى هذا الإطار تم إنشاء تعاونية المنتجين الزراعيين في الترارزة الشرقية COPATE من طرف سيدي عبد الله ولد برو ومولاي ولد ودادى رحمه الله ، وكان سيرى ومولاي ولد مولاي عمر، والتي تمكنت في سنة إنشائها 1996 من إنتاج  6 أطنان من الفاصوليا الخضراءHaricot vert  2 طن منها قابلة للتصدير.

عملية الإنتاج تمت حسب النظم المعتمدة من طرف السوق الأوروبي.  تم توزيع الباقي  في أسواق نواكشوط والذي تم تقييمه و تقديره إيجابا خاصة من طرف المستهلك الأجنبي .

وبفضل دعم الاتحاد الأوروبي ازدادت الصادرات (وهي بالمناسبة تشحن جوا عبر الطائرات) إلى السوق الأوروبي حيث بلغت 16 طنا من الفاصوليا ذات الجودة العالية haricot fin ونوعية haricot extra fin المفضلة لدى المستهلك الفرنسي بالخصوص.

وتضاعفت الصادرات في 1998 و1999 بفضل انضمام منتجين جدد إلى التعاونية كشركة سيكاب SICAP  (مجموعة محمد عبد الله ولد عبد الله ) و مزارعين أفراد كأحمد ولد الوافي والحاج ولد الددى ويعقوب ولد دحود رحمه الله وغيرهم ... إضافة إلى ذلك تم إنتاج بعض الأصناف الأخرى القابلة للتصدير كالطماطم الكرز و البامية والهليون والذرة الحلوة والبطيخ والشمام (Tomate cerise , gombo ,asperge, maïs doux , pastèque et melon).

وبما أن البامية Gombo توجد سوقها الكبيرة في بريطانيا، فكان من الضروري الولوج إليها دون المرور بسوق رينجيس RUNGIS وذلك للتخفيف من الكلفة

وهكذا قامت شركة سيكاب SICAP  وشركة الحاج ولد الددى وشركة محمد سالم ولد احمين السالم بزراعة مكثفة للبامية وتصدير الإنتاج عن طريق السنغال بواسطة تاجر صيني متخصص في تصدير البامية مباشرة إلى بريطانيا .

على ضوء هذه التجارب فكرت الدولة في إنشاء برنامج يعنى بالتنويع الزراعي، و هكذا تم إنشاء برنامج التنمية المندمجة للزراعة المروية في موريتانيا PDIAIM، والذي دعي شركاء التنمية إلى المساهمة في تمويله المقدر بــ 100 مليون دولار، فاختار البنك الدولي أن يمول المشروع و أن باقي المهتمين بالمشاركة في المشروع يجب أن يكونوا تحت مظلته، فانسحب الاتحاد الأوروبي وخسرنا بذلك تمويلا جاهزا يقدر بــ 000 5002 أوقية كانت كافية لتلافى القطيعة ولانتقال المزارعين بطريقة سلسة من حاضن إلى الحاضن الآخر قبل أن يتم الانتهاء من تأسيسه ( مشروع PDIAIM ) .

قبل إطلاق مشروع PDIAIM قامت الخلية، والتي ستتولى مستقبلا تسيير المشروع، (المنسق دندو ولد تاج الدين، ومسؤول الخلية فئ روصو الشيبانى)، بإجراء تجارب على 13 صنفا من البطيخ والشمام و عدة أصناف أخرى من الفاصوليا الخضراء وغيرها، وتم إجراء هذه التجارب بواسطة تجمع يضم المؤسسين الأوائل لــ COPATE  و شركة سيكاب SICAPوشركة SDPA المملوكة لمختار الحسن ولد الحسن و المنظمة العربية للزراعة والتنمية AAAID .

نجحت التجربة وتم إطلاق المشروع ودخل مستثمر أجنبي جديد، وليته لم يدخل، وهو الشركة الفرنسية لإنتاج وتسويق الفواكه في غرب إفريقيا - المملوكة لدانيال ميتران ابن الرئيس الفرنسي الأسبق – و أنشأت شركة سمتهاGrand Domaine de Mauritanie.

حاولت هذه الشركة الاستحواذ على كل شئ بدا بالتمويل  المحلى (بيت القصيد ) و الذى لا يحق لها خاصة  ذلك الموجه منه للدعم (la subvention) وكذلك تسيير كل العملية ابتداء بالإنتاج وانتهاء بالشحن الى السوق الاوربية لكننا وبكل وعي رفضنا ( أقول رفضنا، لأني كنت جزءا من كل هذه النشاطات بحكم أنى كنت احد مسؤولى شركة SICAP) هذه الهيمنة  لأن الهدف من المشروع أو على الأقل مكون التنويع (Composante de la diversification) هو أن يتمكن المزارعون المحليون من ضبط العملية ابتداء بالإنتاج وانتهاء بالشحن

حاولت الشركة الفرنسية استعراض عضلاتها فأقامت محطة فرز وتبريد (أحرقتها لاحقا ) فأقام المزارعون  المحليون محطة للفرز و التبريد، أقامت محطة تبريد صغيرة في المطار ( un terminal ) فأقام المزارعون نفس المحطة  . قامت الشركة بعملية إنتاج بعض الأصناف القابلة للتصدير و قام المزارعون  بنفس الشيء نظرا لتجربتهم الجليلة في الميدان، وكان إنتاجهم أكثر جودة من إنتاج الشركة الفرنسية، وهذا بشهادة المشروع نفسه وخبراء البنك الدولي الذين كانوا يقيمون التجربة ميدانيا .

لكن ماذا حدث ؟

بدون الدخول في التفاصيل ( لأن ذلك يتطلب مقالا آخر ) ضعفت السلطات العمومية أمام الممول وجبنت إدارة المشروع  أمام المافياهات الأجنبية الملازمة دوما للتمويلات فتم رفض تمويل مشروع طموح تقدم به المزارعون المتكتلين في تعاونية  القافلة لاكارافان - la caravane التي أصبحت علامة un label معترف به -  يقدر ب 200 مليون أوقية إلا أن إدارة PDIAIM  رفض و بدون تبرير هذا المشروع، وعرضت مبلغ  000 000 28 مليون من دون أن يكون هناك ما يبررها كنوع من الرشوة مقابل التغاضي عن قبولهم تمويل الشركة بمبلغ 000 000 600 أوقية والتي لم تكن لها أي فائدة تذكر سوى إنشاء مزرعة صغيرة لتصدير بعض الموز أو الخضار إلى أوروبا أو تمويل GDM  الموريتانية لGDS السنغالية.

كان من المبررات الواهية التي دافعت بها إدارة المشروع عن فعلتها هو أن المزارعين سيستفيدون نقل المعرفة والتكنولوجيا Transfert du savoir-faire  إلى المزارعين، إلا أن GDM  رحلت وعملت بسياسة الأرض المحروقة فأضرمت النيران في محطة الفرز والتبريد بغية الاستفادة من تأمينها الأجنبي وأحرقت أشجار الموزRejets de bananes حتى لا يقوم المزارعون بتكثير الأصناف التي كانوا  قد جلبوها معهم .

رحلت جى دى ام GDM ولم يجنى المزارعون سوى الندم.

نفس السيناريو هو ما استنسخته وزارة التنمية الريفية حاليا وبفارق انه فى هذه النازلة الجديدة لا يوجد مزارعون بل عمال سخرة لدى شركة إماراتية .... المستثمر إماراتي والإدارة الفنية مغربية واليد العاملة (منيفرات) خليط من الموريتانيين والسنغاليين ومهاجرى وعابري سبيل غرب إفريقيا.

من الصعب الحصول على أية معلومة عن الشركة - وقد يكون ذلك عائد الى الشريك المحلى ( الغير مرئي) - سوى أنها حصلت على 300 1  هكتار  وبأنها ستتخصص في إنتاج الفواكه والخضروات للسوق الأجنبية والمحلية وأنها بدأت فعلا في التصدير وإنها بصدد تموين السوق المحلى بالخضروات .

وكانت الوزيرة لمينة بنت امم قد صرحت في إحدى خرجاتها الإعلامية بان موريتانيا بدأت في تصدير الفواكه إلى بريطانيا وان علينا أن نفرح بذلك.

فهل فعلا علينا أن نفرح ؟ وهل فعلا موريتانيا هي من تصدر ؟

لكي تدعى أن منتجا زراعيا ما ملك لك لابد إما أن تشتريه أو تنتجه .. ولكي تنتجه وتكون قادرا على تسويقه لابد أن تملك وسائل إنتاجه من ارض و ثروة بشرية متخصصة وأدوات إنتاج وبني تحتية للمعالجة ولوجستيك إسناد وحتى ماركة الولوج إلى السوق le label، إضافة إلى تشريعات متوائمة مع إكراهات السوق الأوربية  .. الخ،  فماذا نملك نحن خاصة في هذه النازلة الإماراتية ؟

 الأرض الزراعية ملك للشركة الإماراتية ولا يهمنا – على الأقل حاليا- كيف حصلت عليها

الثروة البشرية هي كالتالي: الإداريون والمهندسون مغاربة والعمال اليدويون من حاملي الأثقال ومنظفي المراحيض % 80  منهم سنغاليون والبقية موريتانيين ومن عابري السبيل الأفارقة. وسائل الإنتاج من جرارات و ما تعلق بها من أدوات إنتاج استجلبت من الخارج، 

لم تستفد الشركات المحلية التي تورد الآلات الزراعية أوقية واحدة منهم ولم تستفد الدولة لان الشركة معفية من الضرائب ووارداتها من وسائل الإنتاج معفية من الجمركة .الشركة لم تبنى اية محطة للفرز والمعالجة و التعبئة– أسوة ب GDM– حتى ولو كانت تنوى حرقها لاحقا .الشركة تقوم بإرسال بضائعها عن طريق الشاحنات المغربية والتى ليست ملزمة بأي مسار محدد مما يعنى عدم التحكم فى وسائل النقل مما يشكل ثغرة ضعف خطيرة خاصة لمن بضاعته  قوتها تكمن في مدى طازجيتها ( Produit fraisil s'agit d'un).الماركة  le label الذى سيلج به المنتوج إلى أوروبا هو ملك للشركة الإماراتية وإذا رحلت – لا قدر الله – سترحل به .

لا توجد محطات نهائية للتخزين المؤقت terminaux لا بالمطارات ولا بالموانئ، الدولة لم تنشاها ولم تلزم أو تطلب من مستثمريها إنشاءها .حتى على مستوى التشريعات، الدولة لم تحين المواءمة القانونية  harmonisation مع تلك الأوربية خاصة  تلك  المتعلقة بالمبيدات الحشرية والفطرية وغيرها ...

والأخطر من ذلك انه مسموح لهم بتموين السوق المحلية بالمنتجات الزراعية – وهو ما رفضته الحكومة السابقة أيام تعاقدها مع GDM–  لان هذا سيحد من قدرة المزارعين المحليين في القدرة على المساهمة في ضمان الأمن الغذائي القومي وارتهانه إلى الغير الذي يمكن أن يرحل فجأة أنى ومتى شاء.

ستغادر الشركة الإماراتية يوما ما , كما غادرت شركة جى دى ام GDM،  ولن يجني المزارعون إلا مزيدا من الندم .

إذا لا يمكننا أن نفخر أو نفرح بما  صرحت به الوزيرة، فهو لم يرقى إلى مستوى تأجير الرحم، انه حمل كاذب.