قانون الاشهار... انقضت الآجال.. فمتي يتم التطبيق؟

اثنين, 18/02/2019 - 01:15
أحمد مصطفى - كاتب صحفي ودبلوماسي سابق

أحمد مصطفى - كاتب صحفي ودبلوماسي سابق

في 13 مارس 2018 وقع رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز القانون رقم: 017/2018 المتعلق بالإشهار واستكملت إجراءات الإصدار بنشره في عدد الجريدة الرسمية رقم: 1410 الصادر في 15 أبريل 2018، وأدرج إنفاذ هذا القانون ضمن خطة الحكومة للعام 2019 التي عرضها الوزير الأول أمام البرلمان.

ويكتسي موضوع إنفاذ قانون الإشهار طابعا استعجاليا لأهميته ولانقضاء الآجال القانونية التي نصت عليها المواد الانتقالية لتمكين كل الفاعلين من معلنين ووكالات إشهار ووسطاء ووسائل إعلام من التكيف مع ترتيبات القانون الجديد، إذ تنقضي هذه الآجال في 13 مارس 2019 ورغم ذلك لم تفعل الحكومة بعد آليات التطبيق التي تضمنتها المادة: 243 من قانون الإشهار والتي تنص على إنشاء خلية مؤقتة تديرها الوزارة الوصية بالتعاون مع قطاعات معنية بتطبيق القانون من مهام هذه الخلية مباشرة إصدار المراسيم التطبيقية للقانون خاصة تلك المتعلقة بإنشاء سلطة وطنية لتنظيم الإشهار وبإنشاء صندوق لترقية الإنتاج الإشهار والإعلامي وتنظيم حملات تحسيسية تشاورية مع كل أطراف العملية الإشهارية بالإضافة إلى وضع مساطر إنفاذ القانون المختلفة بوصفه قانونا يهم معظم قطاعات الدولة.

وقد بادرت الوزارة الوصية في مايو 2018 بوضع محددات مرجعية لخلية تسيير المرحلة الانتقالية تضمنت تشكلتها ومواردها البشرية والمادية، واستقر رأي الحكومة في ذلك الوقت على توخي النجاعة واقتصار التمثيل في الخلية المؤقتة على ممثلي القطاع الوصي وممثلا لأرباب العمل بصفتهم ممثلين لحلقة المعلنين وممثلا عن رابطة العمد الموريتانيين بوصفهم أصحاب الصلاحية الترابية بالنسبة للإشهارات الخارجية  بالإضافة إلى ممثل لقطاع المالية.

وعين قطاع المالية وأرباب العمل ممثليهم بصورة رسمية من خلال مراسلات محفوظة وكادت أشغال الخلية أن تنطلق لكن توقفت فجأة بفعل فاعل وظلت تراوح مكانها.

فسر التعطيل في بدايته على أنه كان بدافع تمكين المجموعة الحضرية المنحلة التي كانت المسير الوحيد للإشهارات الخارجية من تحصيل إشهارات مقرات الشركات والمؤسسات التي تحصلها مطلع كل سنة وتجني منها مبلغا جزافيا في حدود 400 مليون أوقية كان الإنفاذ المبكر للقانون سيجعله غير ممكن لأنه ألغي صلاحيات المجموعة الحضرية في ما يتعلق بالإشهارات لكن المجموعة الحضرية حصلت ما حصلت واندثرت ولم تسند أية صلاحيات بشأن تسيير الإشهارات الخارجية لمجلس العاصمة الجهوي ورغم ذلك تغطي لوحات الإشهارات الخارجية المنصوبة خارج نطاق القانون مساحات متزايدة وعشوائية على كل تقاطعات الطرق وفي كل أماكن التجمع والنشاط المكثف مشوهة واجهات المدينة ومربكة حركة المرور ومشوشة بما تحمله من مضامين مترهلة في أذهان المستهلكين الموريتانيين ويدر هذا النشاط الفوضوي مبالغ طائلة تجنيها جهات غير مخولة وتهدر في غير حق شرعي ولا تقف خلفها أية جهة مسؤولة فالوزارة الوصية غائبة بغياب الخلية والمجموعة الحضرية أصبحت في خبر كان وجهة نواكشوط لم يسند لها القانون أي دور ولا علاقة لها بالموضوع وسلطة تنظيم الإشهارات تأخر إصدار المرسوم المنشئ لها لأن إعداده أوكل لخلية مؤقتة لم تشكل بعد.

فمن المسؤول؟ ومن الخاسر من تجميد القانون؟ وهل من سبيل إلي تدارك الموضوع؟

المسؤولية عن إنفاذ القوانين بشكل عامة تقع على عاتق الدولة والمسؤولية الخاصة تقع على عاتق القطاعات الوصية التي تندرج النصوص ضمن حقل مشمولاتها القانونية والإدارية ولا عذر بجهل القانون ولا مسوغ لتجاهله، فالقانون يسن ليطبق وقانون الإشهار صدر تجاوبا مع تطلعات كل الفاعلين في الحقل الإشهاري ومثل تعطيله خسارة كبيرة لأطراف عديدة من أهمها:

الدولة التي هي الخاسر الأكبر فالقانون المعطل يفتح آفاقا واسعة لتوظيف الإشهار في إنعاش الاقتصاد وفي حماية المستهلك وفي صيانة الذوق العام ويعول عليه في تسريع وتائر التنمية المستدامة وفي تعبئة موارد مالية جديدة لتمويل الإعلام وفي توطين تقانات الإنتاج الإعلامي والإشهاري المتقدم وكان من شأنه أن يمنح أدوات قانونية مهنية لحماية القيم الوطنية ومنع استخدام الهشاشة الاجتماعية لتحقق مآرب تسويقية وتضمن ترتيبات قوية بشأن صيانة الكرامة الإنسانية وتطوير إشهار إعلامي بناء ومتسم بالنفع العام.

ومن أوجه خسارة الدولة كذلك خسارتها لموارد ضريبية هائلة ولإمكانية توظيف مئات آلاف الرسائل النصية القصيرة التي نص القانون على تخصيص نسبة 20% منها لفائدة النفع العام ووفق تقديرات أولية فإن شركات الاتصال الثلاث الكبرى تبث سنويا ما يناهز 60 مليون رسالة نصية ولكم أن تتصوروا أهمية استخدام الدولة لـ20% من هذه الرسائل لفائدة النفع العام في مجالات الصحة والتعليم والأمن العام والسلامة الطرقية وحماية المستهلك والإرشاد الزراعي والمحافظة على البيئة وغيرها من المرافق الحيوية.

الخاسر الثاني هو الإعلام الوطني فالقانون يلغي الاحتكار ويلزم المعلنين بممارسة الإشهار بطرق قانونية شفافة ومتوازنة تنقل الباحث عن الإشهارات من متطفل زبوني إلى شريك مسوق لخدمة مجدية مصنفة وينشئ القانون صندوقا للترقية الإشهارية والإعلامية يمول باقتطاع نسب من عائدات الإشهار ويتوقع لهذا الصندوق أن يمثل مؤسسة وطنية مالية تعني بتمويل المقاولات الإعلامية والإشهارية وتسهم في مأسستها وتمكينها من مواكبة التطورات التكنولوجية الهائلة التي تشهدها تقانة الإنتاج الإعلامي، ومن خلال إنشاء سلطة تنظيم الإشهارات يتيح القانون للهيئات الإعلامية لأول مرة فرصة تمثيل مؤسسي في هيئة تشاركية تسهر على انسيابية الإشهارات وتسييرها على عموم التراب الوطني بطرق قانونية لا تقصي أحدا وتكرس مصالح الجميع.

لقد كان المؤمل من قانون الإشهار أن يشكل ثالثة أثافي الحريات الإعلامية ويضمن مصدرا لا ينضب لتمويل الإعلام بكل قطاعاته العمومية والخصوصية والجمعوية ولكن الرياح جرت بما لم يكن في الحسبان.

هل من سبيل لتدارك ما فات؟

من الضروري استخدام الوقت بدل الضائع لتجاوز الروتين الذي عطل إنفاذ قانون الإشهار فنحن على أعتاب استحقاقات رئاسية ينظم القانون جوانبها الإشهارية المعوضة ويجرم إشهاراتها المقنعة ويرسم مسارات محددة المعالم لتسويق البرامج بصورة تصون مصالح وحقوق كل الفرقاء.

إن تطبيق قانون الإشهار يتطلب إرادة قطاعية فاعلة تتجسد من خلال بيان عاجل يقدم للحكومة حول آليات التطبيق كما يتطلب عقد تشاور فوري مع الفاعلين الإشهاريين من معلنين ووسطاء ووكالات وأقطاب إعلامية، ومن الناحية القانونية يتطلب تفعيل آلية الإنفاذ الإسراع في تشكيل خلية الإشراف المؤقتة التي نصت عليها المادة: 243 وكل ترتيبات المواد الانتقالية الأخرى المتعلقة باستصدار المراسيم المنشئة لسلطة التنظيم ولصندوق ترقية الإنتاج الإشهاري والإعلامي وسيكون على القطاع الوصي أن يتخذ بالتعاون مع الجهات التي أوكل لها القانون مهمة التصدي للخروقات في المجال العمومي إجراءات سريعة وقوية لوقف فوضي إشهارات اللوحات الخارجية التي تغطي مفترقات طرق العاصمة في كل الاتجاهات.

لقد لبي صدور قانون الإشهار في حينه مطلبا مجمعا عليه من طرف كل الفاعلين في مجالات الإعلام والإشهار وإنفاذه بسرعة وبجدية يمثل أولوية ملحة للدولة والمجتمع ومطلبا لا يتحمل التأجيل لكل الفاعلين الاقتصاديين الإعلاميين والإشهاريين.