المواسم الإنتخابية في موريتانيا والرقص على الإيقاع

خميس, 29/02/2024 - 20:22

تسود المشهد السياسي الموريتاني هذه الأيام حالة من الهدوء خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يونيو المقبل، إن لم يكن الهدوء الذي يسبق العاصفة مع اقتراب الموعد الإنتخابي .
مشهد سياسي بدأت ملامحه تتشكل ببطء في انتظار لحظة الحسم والاعلان رسميا عن قائمة المرشحين، إذ يجمع المراقبون للشأن الوطني أن الأنظار تتجه نحو تأكيد ترشيح رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية جديدة بشكل قطعي.
تشير كل الدلائل و المعطيات بأنها ستكون محسومة لصالحه بحكم موقعه وترشحه من داخل البيت الرمادي و تصدره للمشهد السياسي والتفاف كل القوى  التقليدية إلى جانبه سياسيا، في ظل ضعف و غياب منافس معارض قوي داخل المشهد الوطني.
 ببنما تصاعدت على مدار الأشهر الماضية وتيرة الاستعداد والتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث تهافتت أحزاب الموالاة إضافة للحزب الحاكم "إنصاف" ضمن جهود التحضير و في ضوء بيان مشترك يطالب بترشح الرئيس الحالي السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لعهدة ثانية جديدة نظرا لحجم المنجز وضرورة استكمال مسيرة البناء والتنمية خلال المأمورية الجديدة، فيما تباينت مواقف المعارضة بين دعوة البعض غير الدستورية بعدم ترشح الرئيس غزواني بالمرة لعهدة ثانية يكفلها الدستور، في حين قدم احد قادة المعارضة التقليدية، دون الكشف عن الدوافع أو الأسباب، مقترح مبادرة بتمديد مأمورية رئيس الجمهورية المنتهية ولايته و حل البرلمان والدخول في حوار وطني شامل يمهد لانتخابات رئاسية لاحقة لن يشارك فيها الرئيس الحالي و بالتالي العودة إلى المربع الأول ما قبل عقدين من الزمن، و هو ما يعد خروجا وخرقا جسيما للدستور و من بابه الواسع، رغم أن أحزاب المعارضة لم تقدم بدائل حتى الآن، إلا أن قيادات منها تطمح لحشد تأييد يؤهلها لخوض المنافسة على غرار مهرجان حزب "تواصل" الأخير و الرسائل المشفرة، أو انتظار دخول المعترك الانتخابي بمرشح موحد و هو أمر مستبعد في ظل اتساع نقاط الخلاف بين أطياف المعارضة وعدم الانسجام و تراجع دور بعض أحزاب المعارضة التقليدية التاريخية ذات الحضور الواسع داخل المشهد السياسي سابقا والخبرة الكبيرة وارتمائها في أحضان النظام في ضوء التفاهمات الحاصلة في إطار اتفاق ميثاق الجمهورية المبرم مع الداخلية.
لعل ما ميز الساحة السياسية هذه الأيام بشكل ملفت للانتباه  
هو استمرار اللقاءات و المؤتمرات الحاشدة و التيارات والمبادرات الداعمة، من حين لآخر، بإشراف نخب سياسية شبابية أو غيرها وبجهود خاصة خارج الإطار الحزبي 
في مسعى لإبراز و إظهار مستوى الولاء و التأييد اللامشروط للنظام.
ممارسات سياسية دأب عليها المجتمع منذ العهد الطائعي تبنته الأنظمة السياسية اللاحقة أسس لمرحلة من التفنن في النفاق السياسي والتطبيل والتزلف و الاحتيال والولاء الزائف قلص دور الأحزاب و قوض مفهوم الدولة و أعاق تنمية البلاد في كل المجالات وساهم في تكريس القبيلة و ترسيخ البعد الجهوي.
إن النخب هي الطلائع المجتمعية التي يفترض أن تضطلع بأدوار شتى على غرار تحقيق التنمية، و هي القوة الاجتماعية الدافعة بعجلة التنمية والمعززة للموارد، كما أنها أيضا هي المنتجة للقيم الاجتماعية، فهي التي يقع على عاتقها، في كل الحالات، مهمة البناء الاجتماعي و القيادة و التخطيط.
إن عمليات التغيير، على العموم، و كذلك المسارات التنموية إنما تقودها النخب الوطنية لا غير .
في حين تعد الأحزاب من أهم التنظيمات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر علي سير وحركة النظام السياسي وضمان استمراره و استقراره، فهي تؤدي دورا مهما في تنشيط الحياة السياسية، كما أضحت تشكل ركنا أساسيا من أركان النظم الديمقراطية.
فأداء الأحزاب ينعكس سلبا أو إيجابا على نوعية الحياة السياسية و على مستوى التطور الديمقراطي و.التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يعد انعكاسا للنظام الحزبي السائد في الدولة. 
اعتادت الانتخابات الموريتانية منذ عقود سيطرة الاعتبار الشخصي في تحديد وجهة التصويت على حساب عامل الولاء الحزبي لعوامل عدة أبرزها اعتماد غالبية الأحزاب على الأعيان و النافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي.
نظرا لانعدام ثقافة الانضباط الحزبي و درجة الغبن و التهميش على مستوي هيكلة الحزب دونما أي إنصاف لأي كان و غياب الروابط بين الأحزاب و الناخبين بالشكل الموجود داخل المجتمعات الديمقراطية في العالم خارج إطار المواسم والمناسبات السياسية، فالعلاقة القائمة لدينا في ظل غياب مفهوم صحيح للمواطنة كثيرا ما تكون بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية بحتة ليس إلا !
في حين يرى بعض المحللين أن ثمة أمورا و مستجدات داخل الساحة الوطنية في ظل تصاعد غير مسبوق لخطابات الكراهية و التحريض و إثارة النعرات و الإساءة و الخروج على القيم و الثوابت الوطنية قد تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي إضافة إلى نقاط و قضايا وطنية من قبيل تداعيات صفقة إيواء المهاجرين الأفارقة المبعدين من أوروبا و ما أثير حولها من جدل و تناقض في التصريحات الرسمية و ضعف التعاطي مع الحدث و ما قد ينجم عن ذلك من مخاوف وقلاقل و مخاطر اتجاه أمن المواطن و استقرار البلاد في انتظار مآلات رفع الحصانة البرلمانية عن النائب المشاكس والمرشح السابق للرئاسيات بيرام الداه اعبيد و ما قد يترتب على ذلك قضائيا في ضوء شكاية قدمت ضده من طرف رئيس حزب اتحاد قوى التقدم السيد محمد و لد مولود إثر التشهير به في قضايا دعم مالية سببت له أضرارا نفسية ومعنوية كبيرة. إجراء برلماني استجابة لرسالة من وزارة العدل صنفه النائب بيرام بأنه تعسفي يدخل في إطار التجاذبات  السياسية ضمن الصراع المستمر مع النظام.
من جهة أخرى يستمر صعود أسعار السلع الاستهلاكية مع اقتراب شهر رمضان.
و اتساع دائرة الفساد في الدوائر الحكومية والمؤسسات العمومية في ظل الإفلات من المساءلة و العقاب رغم تبني الحكومة استراتيجية وطنية جديدة في هذا الاتجاه وصفها بعض المراقبين بطبيب ما بعد الموت.
Médecin après la mort .
إننا نتطلع دوما إلى التمسك بتوجيهات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني التي تجسد خيار الشعب الموريتاني حول إرساء دولة مؤسسات وقانون وتؤسس لعدالة اجتماعية تشمل الجميع و تعزز من تماسك وحدة الشعب، وتنشئ تنمية مستدامة لها القدرة على تحقيق مكاسب وخلق فرص وتكرس لحياة كريمة. 
فمتى يتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة على ترهات ولاء النفاق المزيف ؟!!
حفظ الله موريتانيا
أباي ولد أداعة