صفقة إيواء و توطين المهاجرين الأفارقة الخطر القادم من أوروبا / أبايه ولد أوداعه

أحد, 25/02/2024 - 20:37

أثار الإتفاق المبرم بين الإتحاد الأوروبي و موريتانيا و المنتظر أن يتم توقيعه بشكل رسمي 7 مارس المقبل، جدلا وطنيا واسعا و قلقا شعبيا كبيرا بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر تشييد مناطق إيواء لمهاجرين أفارقة و منعهم من العبور نحو أوروبا مقابل حزمة مساعدات مالية.
الشئ الذي نفته السلطات العمومية على لسان الأمين العام لوزارة الداخلية السيد محفوظ ولد ابراهيم.
حيث قال إن الحكومة لم و لن تقبل و لم تناقش أصلا أي موضوع يتعلق بإستضافة موريتانيا لمهاجرين أجانب يتم ترحيلهم إليها من اسبانيا أو أي بلد أوروبي. 
ما هو أكيد أن وصول وفد اوروبي رفيع المستوي و بهذا الحجم إلى العاصمة انواكشوط، ضم كلا من رئيس حكومة إسبانيا السيد بيدرو سانشيز و رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة اورسولافون ديرلاين لم يأت من فراغ و إنما هو لحاجة في نفس يعقوب، كشف عن أسرارها اللقاء المشترك بين رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني و ضيوفه الأوروبيين حينما تطرق لجهود موريتانيا و سبل دعمها للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. 
لا شك أن أوروبا ماضية في طرد المهاجرين الأفارقة إلي خارج أراضيها مهما كلفها الثمن، إذ يعلق الاتحاد الأوروبي آمالا كبيرة على المفاوضات الجارية مع سلطات وحكومات دول المغرب العربي الواجهة الإفريقية المطلة علي أوروبا والمعبر الرئيسي للهجرة غير الشرعية نحوها، وخاصة مع الجانب الموريتاني عبر دفع ما تدعيه أوروبا من شراكة اقتصادية و أمنية و استثمارات كبرى نحو مزيد من التعزيز. 
لكن يظل من الواضح جدا أن إرساء مراكز إيواء مهاجرين أو تشييد ملاجئ هو الهدف المنشود في الوقت الراهن و المقصد الأوروبي الأكثر إلحاحا في خضم هذه الزيارة.
في ظل تجاهل التناقض الحاصل الذي تعيشه و تفرزه منظومة القيم الغربية بين ما تدعيه من إلتزام و إحترام لحقوق الإنسان و ما تقترفه في حق شعوب إفريقيا من جرائم ضد الإنسانية، في حين يرى بعض المراقبين للشأن الداخلي أن هذا الحراك الأوروبي جاء نتيجة لعوامل عدة لعل من أبرزها تراخي و تساهل السلطات الموريتانية خلال الآونة الأخيرة في كبح جماح تدفق المهاجرين الأفارقة  عبر أراضيها إلى أوروبا. 
في غياب الدعم اللوجستي الضروري في هكذا ظروف، والضغط من جهة على الاتحاد الأوروبي للدفع بالمزيد من التمويلات و الاستثمارات و توفير وسائل منوطة بتشييد مناطق إيواء للمهاجرين المتسللين من إفريقيا على طول الحدود مع السنغال و في اتجاه الجارة مالي و قطع الطريق أمام عبورهم نحو أوروبا.
و ما قد يترتب علي ذلك في حالات المضايقة أو الإهانة من تأثيرات و تداعيات علي وضع الجالية الموريتانية الواسعة والحاضرة و المقيمة في مختلف بلدان إفريقيا إنطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل، خاصة في ظل رئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي و ما تتطلب من تريث و رؤية شمولية. 
و إن كان البعض يري أن الدولة الموريتانية ينبغي أن لا تقبل ان يقيم علي أرضها إلا من يحترم قوانينها كما يجب أن لا تقبل أن تكون منطقة عبور غير شرعية أو أرضا لتوطين المهاجرين الأفارقة المطرودين من أوروبا أو المتسللين الوافدين من إفريقيا و أن لا تكون حارسة إلا لحدودها.
فالحكومة الموريتانية ليست معنية بأمن أوروبا بقدر ما هي معنية و مسؤولة عن أمن واستقرار مواطنيها قي مختلف المجالات.
فمن المفارقة أن تهتم الحكومة بشأن الهجرة المعاكسة للشباب الإفريقي القادم من أوروبا أو الوافد من إفريقيا  في حين تتناسى و تتجاهل أسباب و تداعيات هجرة الشباب الموريتاني المطردة رغم المخاطر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل و حياة كريمة، و ما سيكون لذلك في الاتجاهين من تبعات و تأثير مباشر يتعلق بالتغيير الديمغرافي للتركيبة السكانية للمجتمع و على مستوى القيم و الثوابت الدينية والأخلاقية و الوطنية.
إضافة إلى تفاقم البطالة و تردي الأوضاع الإقتصادية.
تأسيسا لما سبق فإن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم بما فيها تلك المتعلقة بالهجرة غير الشرعية ترتبط بميراث الفترة الاستعمارية و غياب القيادة الصالحة، بالإضافة إلى سوء إدارة الدولة و تفشي الفساد.
و السياسات الخاطئة و الظالمة للحكومات الغربية اتجاه حكومات و شعوب إفريقيا، و المبنية على منطق دول مانحة وأخرى مستفيدة.
في ظل تغيير جيو سياسي يتطلب إعادة و مراجعة الاتحاد الأوروبي لمواقفه و بناء سياساته و تقييم علاقاته مع دول القارة السمراء على أسس قوية و علاقة موازنة يطبعها الاحترام و المصالح المشتركة المتبادلة، و أمام فشل الاستراتيجية الأمنية الأوروبية في المنطقة خاصة فرنسا وحلفائها.
بالمقابل نجد أن أهم دوافع و أسباب الهجرة غير الشرعية القائمة في إفريقيا هي:
النزاعات والحروب الأهلية و الإرهاب و عدم الإستقرار وضعف الدولة المركزية و سوء التسيير و التدبير والتبعية العمياء لإملاءات الخارج و تفاقم الأوضاع و الأزمات، إضافة إلى عدم انعكاس الدعم المالي و مساعدات الدول المانحة  على الواقع المعاش للساكنة.
إن حكومات و شعوب القارة الإفريقية اليوم، في ظل رئاسة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للاتحاد الإفريقي، ينبغي أن تتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى شراكة واسعة مع الاتحاد الأوروبي قائمة على الثقة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤى و استراتيجية شاملة للاستثمار ستؤسس لعلاقة اقتصادية قوية و استقرار دائم وستحد وتقلل من شأن الهجرة غير الشرعية و ذلك من خلال المحاور و الآليات التالية:
1 - سعي الإتحاد الأوروبي الجاد في دعم و إيجاد الحلول الناجعة للنزاعات والحروب الأهلية الإفريقية كخطوة أولى نحو الإستقرار.
2 - العمل على صناعة و إشاعة السلام و التسامح في إفريقيا.
3 ‐ ضرورة تمسك الإتحاد الأوروبي باحترام المبادئ الديمقراطية و الحكم الرشيد و دولة القانون وحماية حقوق الإنسان.
و العزوف و الإبتعاد عن سياسةالكيل بمكيالين .
4 - إطلاق حزمة استثمارات أوروبية إفريقية طموحة تعمل على تحسين و تقوية بلدان القارة.
5 - توجيه الدعم ليلامس عمق المجتمع من خلال تنمية محلية لها القابلية علي خلق فرص عمل داخل الأوساط الهشة و امتصاص أكبر كم من البطالة كعامل إستقرار سيحد و يقلص من عمليات الهجرة غير الشرعية.
6 - عدم قبول منطقة الإتحاد الأوروبي ملاذا آمنا للتهرب الضريبي و غسيل الأموال، باعتبار أن الإتحاد الأوروبي شريك وفاعل اقتصادي داخل القارة السمراء. 
7 ‐ التخلي تماما عن استباحة الأراضي الإفريقية تحت مسميات واهية بحجة الحرب علي الإرهاب عبر انتشار قوات أمن خاصة و كبيرة.
أمور من بين أخرى ينبغي أن تحدد مسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي و الموقف الإيجابي اتجاه قضايا و مآسي وأزمات ماما إفريقيا بغية إيجاد حلول مشتركة مناسبة و فعالة لإيقاف تدفق المهاجرين أو الحد من هجرة غير شرعية منتشرة في كل الإتحاهات بشكل و صور وأنماط أكثر مما تتخيل.
فمتى يتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة الدائم على ترهات المصالح الضيقة ؟!

حفظ الله موريتانيا.
 أباي ولد اداعة