مؤتمر بانرمان ووعد بلفور ومشايخ الخليج .. لهذه الأسباب يدعم الغرب كيان الاحتلال بجنون وتخذل دول عربية القضية الفلسطينية

ثلاثاء, 24/10/2023 - 14:44

يتساءل المواطن العربي والمسلم العادي عن السر وراء كراهية الغرب لكل ما هو عربي ومسلم و دعمه غير المشروط للإرهاب والمجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني المهجر من أرضه والمحروم من إقامة دولة مستقلة حتى على جزء بسيط من أرضه المغتصبة.

بل إن المواطن العربي والإنسان المسلم العادي لا يكاد يجد أدنى تفسير للحروب التي تشنها أغلب الدول الغربية، كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، على البلدان العربية والإسلامية وتدميرها بمبررات واهية واحدا تلو الآخر، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان ... إلخ.

لقد ساعدت الرغبة الملحة لدى ملوك الغرب الصليبي في السيطرة على فلسطين والشام ومصر، بعد الحروب الصليبية، في تكوين فكرة شكلت قناعة راسخة لدى قادة هذه الدول بضرورة القضاء على كل ما يمكن أن يشكل مصدر قوة للعرب والمسلمين، وبالتالي جاءت الحملات الصليبية لتحتل المشرق العربي وقلبه النابض فلسطين حيث القدس والخليل والناصرة (موطن المسيح عليه السلام) وكل المناطق الحيوية والحساسة في المنطقة العربية مثل فلسطين ومصر والشام التي تشكل قلب الأمة وشريانها الحيوي.

لذلك تستمر هذه الحملة الاستعمارية تحت عناوين مختلفة من دينية (صليبية) إلى اقتصادية وسياسية (الديمقراطية)، بغرض السيطرة على مصادر الثروة في المنطقة العربية وتشويه وحدتها الجغرافية المتصلة عبر زرع جسم غريب داخل هذا الوطن الكبير الممتد من شنقيط (موريتانيا) إلى المنامة (البحرين) عربيا، ثم جاكرتا إسلاميا، وهكذا جاء مؤتمر تمزيق جغرافيا المنطقة وتقسيم مناطقها على عدد من الدول الغربية وفق ما أسفر عنه مؤتمر بانرمان 1905- 1907.  

أخطر مؤتمر وأخطر وثيقة لتقسيم الوطن العربي وتكريس تخلفه

انعقد مؤتمر كامبل بنرمان، في لندن عام 1905 وتواصلت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية للمحافظة على تفوق وتقدم الدول الاستعمارية، التي تفتقر إلى الموارد الاقتصادية، إلى أطول أمد ممكن.

وقدم بانرمان فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضم عددا من الدول الاستعمارية آنذاك وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان. وهو أخطر مؤتمر حصل لتدمير الأمة العربية خاصة (الإسلامية عامة) وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة وفصلها جغرافيا عبر زراعة كيان غريب في فلسطين.

ومن أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرين في هذا المؤتمر:

- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول

الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها

الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص (والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

- محاربة أي توجه وحدوي فيها:

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعاد يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي "دولة إسرائيل" واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة، كما دعا إلى فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر "الدولة الإسرائيلية"، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف.

وعد بلفور وإقامة ممالك ومشيخات عربية موالية للغرب

ولتجسيد نتائج مؤتمر كامبل بانرمان، كان لا بد من زرع ذلك الجسم الغريب في قلب الوطن العربي، ولم يكن مرشحا لإقامة هذا المشروع سوى اليهود الذين تعرضوا لحملات إبادة ومضايقات واسعة في أغلب الدول الأوروبية منذ القرن الحادي عشر الميلادي وحتى الحرب العالمية الثانية، حيث أوعزت بريطانيا لبعض المنظمات الصهيونية بإنشاء الوكالة اليهودية المكلفة برعاية مصالح اليهود عبر العالم وترحيلهم إلى "أرض الميعاد" وذلك بعد تلقي وعد من رئيس وزراء بريطانيا آرثر ج بيلفور عام 1917 بإقامة وطن لليهود في فلسطين، وذلك قبل أن تحتل بريطانيا فلسطين والمنطقة تجسيدا لنتائج واتفاقات مؤتمر بانرمان. وهكذا احتلت بريطانيا فلسطين وشرق الأردن عام 1920 أي بعد قرابة ثلاث سنوات من وعد بلفور "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" حيث سبقت ذلك موجات هجرة يهودية صهيونية إلى فلسطين كانت أولاها بين عامي 1850 – 1903 م حيث وصل إلى فلسطين 50 ألف يهودي صهيوني وذلك قبل مؤتمر بانرمان بسنتين فقط.

وحتى سنة 1911م كان مجموع المهاجرين اليهود إلى فلسطين 83 ألف يهودي، قدموا من دول مختلفة أغلبها في أوروبا.

وتواصلت هجرات اليهود ليشكلوا ثلثي سكان فلسطين التاريخية، بفعل موجات الهجرة اليهودية المتواصلة من جهة وإبادة وتقتيل وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، لتقوم الأمم المتحدة وبفعل هيمنة القوى الغربية عليها، بإصدار القرار 181 سنة 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود الوافدين والفلسطينيين، سكان الأرض وأصحابها، وهو القرار الذي سيتخلى عنه القادة العرب فيما بعد ضمن ما سموه "مبادرة السلام العربية" ليكتفوا بالمطالبة بالأراضي المحتلة في حرب يونيو 1967 فقط.

وكانت الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل‏، هي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية. وقد أُنشئت في 1908 باسم «مكتب فلسطين» في يافا كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي ليستوطنوا فضلا عن تشكيل العصابات المسلحة "الهاجاناه" وغيرها.

وبعد قيام "دولة إسرائيل" عام 1948، أصبح اسمها «الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل» ومن مهامها جمع الإعانات القومية اليهودية، وعملت على الحصول على وعد بلفور من الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى حيث كان استيلاء الإنجليز على فلسطين وانتزاعها من الأتراك متوقعا. بعد قيام " إسرائيل" عام 1948 ظل نشاطها مستمرا في تشجيع (العودة اليهودية)، وحل مشاكل الاستيطان، والدعاية، وجمع الأموال، وتثقيف اليهود خارج "إسرائيل" بالأهداف الصهيونية.

بقاء (إسرائيل) مصدر ثروة أمريكا والغرب

ولأن الغرب نجح في تحقيق الخطوة الأساسية والجوهرية في مؤتمر بانرمان، وهو إقامة دولة عازلة وسط الجسم العربي الممتد من موريتانيا إلى البحرين، فقد كان لزاما على الغرب حماية هذا الكيان الغريب ودعمه عسكريا وماليا وسياسيا حتى يحافظ على تتوفقه العسكري على جيرانه العرب الذين مزقتهم القوى الاستعمارية نفسها تجسيدا لأهداف مؤتمر بانرمان، حيث احتلت فرنسا أغلب الدول العربية في إفريقيا (موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس) فيما احتلت إيطاليا (ليبيا) واحتلت بريطانيا مصر والسودان وفلسطين وشرق الأردن، والكويت والخليج العربي واليمن، فيما احتلت فرنسا لبنان وسوريا.

وهكذا تم تحقيق الهدف الثاني الأهم وهو احتلال البلاد العربية وتمزيقها جغرافيا لتصبح الحدود والحواجز الجغرافية أحد معوقات التواصل العربي وكذلك اللغات والثقافات الغربية المكتسبة من كل دولة استعمارية.

وضمن ذات المخطط، ولتمكين الغرب من الهيمنة على الموارد الاقتصادية العربية كالنفط والغاز والثروات المعدنية الأخرى المحتملة، دعمت بريطانيا بعض العائلات العربية لتتولى الحكم في بلدان خليجية صغيرة ومتعددة، كما حصل في السعودية والأردن والكويت والإمارات والبحرين وقطر، وجميع هذه الدول كانت متواصلة وموحدة المصالح قبل الاحتلال والتمزيق. وللأسف ظلت هذه المشيخات والإمارات والممالك العربية موالية تماما لبريطانيا ثم أمريكا وحليفة حقيقية للغرب الذي ضمن بقاء حكامها في السلطة مقابل المحافظة على مصالح الغرب في الوطن العربي، ونفس الأمر حصل في معظم الدول العربية في شمال إفريقيا باستثناء الجزائر التي انتزعت استقلالها بالمقاومة والجهاد والتضحيات.

وهكذا طلت غالبية دول الخليج العربية موالية وداعمة للغرب و"خادمة" لمصالحه في المنطقة، من أجل المحافظة على حكم العائلات في تلك الدول، وهو ما أدى إلى انقسام الوطن العربي سياسيا في مراحل الصدام والمواجهة مع الاحتلال والعدوان الغربي على مصر وحرب فلسطين سنة 1948 وقيام ثورة 23 يوليو وما أعقبها من مواجهات بين مصر الناصرية والاستعمار البريطاني والفرنسي والأمريكي والكيان الصهيوني، إلى تصنيف الدول العربية إلى دول المواجهة أو الصمود والتصدي، مقابل "الدول العربية المحافظة" التي تنسق مع الغرب بشكل مكشوف ولا تدعم المواجهة، مع استثناءات قليلة وخاصة عام 1967 و 1973 بعد النكسة وانتصار أكتوبر حيث وقفت بعض هذه الدول "المحافظة" مع مصر وسوريا وقطعت البترول عن أمريكا والغرب في مواقف مشرفة نادرة لم تتكرر لاحقا، وخاصة بعد استهداف بعض قادة تلك الدول مثلك الملك فيصل رحمه الله.

ولعل ما يحصل اليوم، وبعد القضاء على دول الصمود والتصدي، كليبيا وسوريا واليمن ثم استهداف الجزائر بحرب إرهابية داخلية امتدت عشر سنوات، هو ما يفسر التهاون العربي في دعم فلسطين بصورة مشرفة، حيث اضطرت الحكومات العربية إلى مساومة "إسرائيل" وقبول المفاوضات معها، وخاصة بعد "سمسرة" السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، بين مصر و"إسرائيل" ثم اتفاقية وادي عربة بين "إسرائيل" والأردن، ثم اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، مما فتح المجال واسعا لإقامة اتفاقيات تطبيع بين عدد من الدول العربية و"إسرائيل"، مثل المغرب وموريتانيا وتونس ثم لاحقا، بعد تنفيذ خطة الشرق الأوسط الجديد وإطلاق "الربيع العربي"، حيث أقيمت اتفاقيات "أبراهام بين "إسرائيل" والمغرب والسودان والإمارات والبحرين، دون أن ننسى قطع العلاقات مع "إسرائيل" من طرف موريتانيا وتونس والمغرب عقب العدوان على غزة عام 2009م.

لذلك فإن ما سبق إلى جانب دعم "إسرائيل" كقوة استعمارية متقدمة تحمي مصالح الغرب في المنطقة وتمنع النهضة والتقدم والتنمية في المنطقة العربية عبر استهداف العقول العربية والمنشآت التنموية والعسكرية المتقدمة وإغراق المنطقة بالرذيلة والمخدرات، كل ذلك يجعل الغرب أكثر حرصا على تفوق "إسرائيل" عسكريا ودعمها اقتصاديا مقابل حرمان الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة على جزء بسيط من أرضه، حدده قرار التقسيم الأممي 181 لسنة 1948 وتنازل العرب الرسميون عن ذلك مقابل حدود الرابع من يونيو 1967 وهو أمر بالتأكيد لن يستقيم لأن أصحاب الأرض لن يتخلوا عن أرضهم في فلسطين التاريخية حيث أملاكهم وأراضيهم وعقاراتهم.

وهكذا .... نجد أن الخلاص من الأنظمة العربية الرافضة لــ"إسرائيل" مكّن الغرب من تعزيز نفوذ "الدول العربية المحافظة" التي تتساوى مع "إسرائيل" في خدمة مصالح الغرب في المنطقة، حيث لم يعد جمال عبد الناصر أو من يتبنى نهجه، موجودا في مصر، قلب الأمة النابض، ولم تعد العراق بتلك القوة التي تخيف الغرب و"إسرائيل" بعد تمزيق العراق،  وتم القضاء على معمر القذافي وتفكيك ليبيا، وإضعاف سوريا الأسد، وكذلك اليمن وتحييد السودان، وإلهاء الجزائر بحرب الصحراء الغربية، رغم أنها أقوى دولة مغاربية عسكريا وأكثر العرب دعما ماليا للشعب الفلسطيني بمعدل 100 مليون دولار شهريا.

لذلك فإن علينا أن لا نستغرب المواقف العربية "المتواطئة" والتي أبدت استعدادها لتنفيذ صفقة القرن التي قدمها "ترامب" نيابة عن "إسرائيل" وقبلتها أغلب دول الخليج المحافظة، ولولا رفضها فلسطينيا وعلى مستوى بعض الدول العربية الوازنة لكانت فلسطين اليوم في خبر كان.

إن ما نتابعه اليوم من ضعف في الموقف الرسمي العربي ووقاحة غربية غير مسبوقة في إعلان دعم مجازر الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني واستهداف أطفاله ونسائه وشيوخه في محرقة حقيقية لم يسبق لها مثيل في التاريخ وبشهادة جميع سكان كوكب الأرض، وليس في أفران سرية، كما يزعم دعاة المحرقة اليهودية من طرف هتلر، لا يفسره سوى تجسيد مؤتمر بانرمان عام 1907 في لندن، وتقسيم المنطقة العربية بين بلدان المؤتمر الاستعمارية، وإقامة جسم غريب موال للغرب في المنطقة العربية. لذلك فحماية أمن "إسرائيل" مقدس لدى الغرب و"ضروري" لدى حلفائه في النظام الرسمي العربي، حتى ولو كان ثمن ذلك تصفية القضية الفلسطينية.

ولا يمكن الحديث عن حل جذري بإمكانه وقف هذه المضيعة سوى وقوف "الشعوب" العربية والإسلامية ضد حكامها، ولو بالاعتصام في الشوارع في ربيع عربي حقيقي رفضا لتصفية فلسطين، أو تحرك الجيوش العربية للإطاحة بالأنظمة العربية المتواطئة، فضلا عن خيار دعم محور المقاومة، التي من واجبها أن تتدخل الآن مهما كان الثمن باهظا، لأن هذا التدخل سيربك الأنظمة العربية "المحافظة" ويحرجها تماما ويدفعها لــ"التوسل" لدى العواصم الغربية من أجل وقف إبادة الشعب الفلسطيني خشية تحرك الجيوش العربية للإطاحة بها، فضلا عن أنه سيربك الغرب الذي سيجد نفسه في مواجهتين إحداهما ضد روسيا الاتحادية في أوكرانيا والثانية ضد المقاومة الفلسطينية في فلسطين وحزب الله وإيران وسوريا واليمن وهو ما لا يمكن أن يتحمله الغرب طويلا.

أحمد مولاي محمد – إعلامي موريتاني

[email protected]