د. اسحق الكنتي يكتب: حين يروج الددو فيدلس!

أحد, 17/09/2023 - 20:58

لا ينقضي العجب ممن يعد في العلماء ورثة الأنبياء، ثم لا يتورع عن "لعب" دور مقدم محتوى يروج لمنتجات "ساعة شنقيتل"، ويشيد بجمعيات تستنزف جيوب الفقراء تحت اليافطة الفضفاضة للصدقة والإنفاق، وواقع تلك الجمعيات، الذي لم يعد خافيا على أحد، أنها ذراع تمويل لحزب الإخوان، وينتفع منها القائمون عليها، وللشيخ حصته من الريع أسوة بمقدمي المحتويات في وسائل التواصل الاجتماعي!!!

 غير أن مقدم المحتوى، الذي غالبا ما يكون أنثى، يقف إغواؤه وإغراؤه عند حدود هذه الحياة الدنيا. أما الددو فيغروي في الدنيا بإغراء الآخرة. والتدليس وسيلته المجربة. كان آخر ترويج له لجمعية من جمعيات الجماعة، مخرجا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من سياقه التعبدي ليجعل منه سلعة يستدر بها جيوب فقراء موريتانيا المؤمنين.

" عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" رواه مسلم. هذا الحديث في الحث على العبادة وتبيين سبل الخير، ينقلب على لسان الددو صك غفران مسعر بثلاثمائة وستين أوقية قديمة (360 )، مخافة اللبس، يدفعها كل فرد من العائلة كل يوم في صندوق جمعية إخوانية أودعته عندهم فارغا لتستلمه مليئا!

يجتزئ الددو الحديث، فعل المدلسين، فلا يورد منه إلا الجزء الذي يريد توظيفه لجمع المال، فيقف عند "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة" ليخرج الحديث من سياقه التعبدي فيجعله في الحث على الإنفاق!!!

يقول الددو: " فإذا كان كل بيت في كل يوم يقدم رب البيت، أو ربة البيت 360 صدقة. مثلا: ثلاثمائة وستين أوقية وتضعها في هذا الصندوق فإن ذلك سيكون أداء للحق الذي افترضه الله على كل مفصل من المفاصل وتأمينا من هذه الأمراض..." لم يذهب أحد من أهل الحديث إلى ما ذهب إليه الددو من تفسير الصدقة الواردة في الحديث بمال ينفق على جمعيات الإخوان. لأن نص الحديث فسر لفظ الصدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة... ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى."  قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله، عند شرحه الحديث: "... ولكن هذه الصدقات ليست صدقات مالية، بل هي عامة، كل أبواب الخير صدقة..." (شرح رياض الصالحين، 2/155/157)، فلماذا حصرها الددو في الأوقية القديمة وحدد لها جمعية إخوانية مصرفا؟!! لا يكتفي الددو بذلك بل يكلف غير المكلفين بالإنفاق، إمعانا في الجمع مصداقا لقوله تعالى: وتحبون المال حبا جما. يفرض الددو على الطفل أن يدفع من مصروفه اليومي، ولو أوقية واحدة. فما هو مستند الددو في ذلك! فالطفل خارج دائرة التكاليف الشرعية حتى يبلغ. والانفاق حدد له الله قاعدة عامة: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو. والعفو ما زاد على الحاجة، وقد فسره الحديث: من كان له فضل ظهر فليعد به على أخيه... فكيف يسلب الددو مال طفل ينفقه ذووه عليه على قدر حاجته!!!

يزيد الددو في التدليس لإيهام العامة بأن هذه الصدقة التي على السلامى واجبة، بعد أن حولها إلى نقد.. "... فإن ذلك سيكون أداء للحق الذي افترضه الله على كل مفصل من المفاصل وتأمينا من هذه الأمراض..." فمن المعلوم أن الصدقة الواردة في الحديث تطوع في العبادة، إذ تجزئ منها ركعتا الضحى، ولو كانت فرضا ما أجزأت عنها. لكن الرجل يربي في الحديث زيادة في الأرباح العاجلة. بل يجعل من الحديث بوليصة تأمين.. "وتأمينا من هذه الأمراض". والغريب أن الرجل من أصحاب الدثور؛ يملك جامعة خاصة، ويعمل مستشارا في بعض البنوك، وكان ساكن الزينقو يجري عليه مائة ألف دولار، ويتقاضى حقوق خرجاته الدعوية، يركب سيارة دفع رباعي، ويسكن قصرا منيفا... وما عرف له إنفاق درهم ولا دانق!!! أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم!!!                        

 فلنفترض عائلة مكونة من خمسة أفراد استلمت أحد صناديق الددو ملتزمة بأداء مكسه محدد القيمة، ستدفع في اليوم: 1.800 أوقية قديمة، وفي الشهر: 54.000 أوقية قديمة، وفي السنة:648.000 أوقية قديمة. ولنفترض أن مائة أسرة فقط التزمت دفع المكس، فإن دخل الجمعية السنوي سيبلغ: أربعة وستين مليونا وثمان مائة ألف 64.800.000 أوقية قديمة. وسيكون حاصل مائة أسرة من عواصم الولايات 13 في اليوم: 2.340.000، وفي الشهر: سبعين مليونا ومائتي ألف أوقية قديمة 70.200.000، وفي السنة: 842.400.000 أوقية قديمة، أي ما يقارب المليار أوقية. هذا هو الحد الأدنى ولكم أن تتخيلوا الأرقام الحقيقة حين يتنافس المغفلون في شراء السراب، الذي يروج له الددو في الحوض الشرقي، وعلى شاشة المرابطون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي لصالح جمعية إخوانية. وفي الحديث الشريف: " عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة." (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه). فهل يترك المسلم فقراء قرابته ليتصدق على حزب سياسي!!!

د. محمد إسحق الكنتي