وقالت المعارضة ياويلنا من بعث "الداه" من مرقده.

خميس, 18/05/2023 - 15:07

منذ انقلاب 1978 سيطر على المشهد السياسي الصراع بين الأنظمة العسكرية الحاكمة بقوة السلاح والقوى الإيديولوجية المسيطرة على الشارع المعارض بجدية مشاريعها الوطنية وصدق نضالها واستعداد مناضليها للتضحية في سبيل تجسيد تلك المبادئ.
مع مجيئ ديمقراطية "ميتراه"، المفروضة على حكام افريقيا، انتظمت القوى الايديولوجية في تشكيلات حزبية منافسة لمعسكر السلطة المتكون من ثلاثي التحالف العسكري الرأسمالي الرجعي مضافا إليه رموز من القوى الايديولوجية التي سئمت شظف النضال و اشرأبت اعناقها لفتات موائد القصر الرمادي فنحت المبادئ جانبا لتتمتع بنسائم المكيفات ووافر ظل المكاتب. 
طيلة ثلاثة عقود حافظت أحزاب المعارضة على زخمها وظل صوتها يصدح عاليا بمطالب تعكس هموم قواعدها وتكشف فساد الحكام وتجبرهم على توسيع هامش الممارسة الديمقراطية وصيانة حرية التعبير، هذا الصوت لم تسكته وسائل الترهيب ولم تؤثر فيه المغريات المادية ولم تمنعه عمليات التزوير المكشوفة من الولوج إلى قبة البرلمان فكان كالشوكة في حلق النظام :
فضح الممارسات الديكتاتورية المشينة للأنظمة الحاكمة.
يغض مضاجع مسيري القطاعات الحكومية.
قوي عند النزال في الانتخابات.
بيد أن الانتخابات الرئاسية الماضية أتت بثاني ضابط عسكري يتمتع بقدر كبير من الذكاء والاحتراف السياسي على الرغم من أنه لا يعرف له ماض ايديولوجي سابق، أطلق في حملته الانتخابية خطابا خدر فيه الجميع،  مواطنين بسطاء معارضين أشداء، وطمأن فيه كل مفسد حرامي، كانت كلمة السر عنده (لن أترك أحدا على الطريق).
حسبها المواطن الفقير، المهمش والمقصي فجرا جديدا من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، خصوصا أنها أشفعت بتغيير لاسم الحزب الحاكم ليتسمى ب"الانصاف" وانشئت مؤسسة "تآزر" التي ضخت فيها المليارات وقيل إنها ستنهي جيوب الفقر.
نفس الشعار تلقفته المعارضة وظنت أن زمن الدكتاتورية والانفراد بالسلطة قد ولى وأن عصر التشارك في تسيير البلد قد أزفت ساعته وأن ثمرة نضال العقود السابقة بدأت تؤتي أكلها وأن البلد سيتحول إلى واحة للديمقراطية سيحسده عليها الجيران. 
توالت عمليات الاستدراج لزعماء المعارضة من الجلوس جنب الرئيس على منصة الاحتفال باكجوجت فالاستمتاع بسهرات ليالى مدائن التراث فتعيين الأبناء وأولي القربى في المناصب الحكومية  وعشرات الملايين التي صرفت بالتساوي على الاحزاب مع بدء النزال الديمقراطي .
هذا الجو المفعم بالتصالح، المنزوع  التجاذب السياسي، والذي لا يخلو من نفحات المصالح الشخصية، ابعد الساسة المعارضين من هموم قواعدهم وانساهم الواقع المزري الذي تتخبط فيه بسبب الارتفاع الصاروخي للأسعار وتدني الرواتب وشبه الشلل الذي تعاني منه المرافق الخدمية العمومية بسبب الفساد، فلم نعد نرى دموع محمد غلام تنهمر على هكذا واقع بل أصبح اكثر تبريرا للواقع من أساطين النظام وانعدم النفس البروليتاري لولد مولود ولم تعد الطبقات الكادحة يعنيه واقعها ووجد بيرام صاحبه ولم يعد البلد في نظره مستنقعا للاسترقاق، أما رمز النضال أحمد ولد داداه فقد انزوى بركن من بيته وحط عصا النضال.
هيئ المسرح إذن للنزال بين نظام يتمترس وراء شتى انواع أساليب الاقصاء وتكميم الأفواه  وانبعاث لرجال نظام معاوية ومعارضة كانت في موسم استجمام سياسي ففرض عليها تاريخ المنازلة ولم يبق سوى أن يبعث فارس المعركة من مرقده فوقع الاختيار على الداه ولد عبد الجليل ذلكم الداه الذي أشرف على انتخابات 1999 والتي شابها من التزوير ما اقنع الرئيس السابق معاوية بأن يعيد الانتخابات في انواكشوط.
اسفرت انتخابات 13 مايو 2023 عن هزيمة مدوية لأحزاب المعارضة إلى الحد الذي سيفقدها أي تمثيل في قبة البرلمان ويجعلها في عداد ساكني مقبرة الرياض، وحالها اليوم حال من يقول: يا ويلنا من بعث الداه من مرقده، ونسوا أن سنة الله في خلقه هي: "إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، فها أنتم اليوم تستبدلون بأحزاب  كانت على وشك أن تحل قبل أن ينفخ فيها المغاضبون على الانصاف الروح فأصبحت في المقام الأول وأنتم في الذيل.
شيخنا محمد سلطان.