عقيد متقاعد خبير في مكافحة الإرهاب : فرار السجناء “السلفيين”:بين المعلومات المتوفرة والمعلومات الغائبة

ثلاثاء, 07/03/2023 - 13:03

من الواضح أن السلطات الموريتانية لا تهمل اليوم كون الإعلام يشكل مرتكزا من مرتكزات الاستراتيجيات الأمنية. فهكذا جاء بيان وزارة الداخلية بعد ساعات قليلة من فرار “سلفيين” من السجن المركزي في نواكشوط ليلة البارحة في حدود الساعة التاسعة مساءً. صحيح أن معلومات كثيرة ومتنوعة قد تم بثها فورا قبل ذلك على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي حول الموضوع بشكل لا يتقيد فيه أحيانا موزعوها بالحيطة المهنية التي تستدعيها طبيعة الحدث وخطورته؛ مما حدا بنا إلى الدعوة إلى التريث في التعاطي الإعلامي مع الموضوع وإلى طلب الجهات الرسمية المعنية بالتدخل سريعا لإنارة الرأي العام حول ما جرى ويجري[i]. وفعلا لم تتأخر كثيرا ردة فعلها، التي سمحتْ بعلاج سليم للمعلومات المتداولة، تدقيقا وتصحيحا، خاصة فيما يعني: عدد ونوع الفارين، عدد الضحايا والجرحى، توقيت العملية، تبادل إطلاق النار.
السجناء السلفيون الهاربون من السجن المدني بعد قتل عنصرين من الحرس الوطني
وطبعا بقيتْ أسئلة كثيرة مطروحة لا نتوقع لها أجوبة في القريب العاجل. فالتحقيق في بداية خطواته الأولى ولنْ يؤتي أكله تماما إلا بعد فترة زمنية الله وحده يعرف قدرها.  كما أن فجائية الحدث المدهشة وطبيعته الأمنية الحساسة جدا تجعلان من اللازم انتقاء المعلومات المتوفرة الصالحة للنشر. ومن أهم تلك التساؤلات التي لا ننتظر لها اجوبة سريعة:
كيف وهل حصل الفارون على عون من متآمرين من داخل السجن أو من خارجه؟ وما هي الإجراءات المترتبة عن ذلك؟
إلى أي حد سوف يؤثر هذا الحدث على سياسة الدولة واستراتيجياتها في مجال محاربة الإرهاب والتطرف العنيف؟
كيف ستتعاطى السلطات والإعلام مع تداعيات ما وقع وأثره على ما يعرف تحت اسم “النموذج الموريتاني” في مجال محاربة الإرهاب والتطرف العنيف؟
وأيا كانتْ الإجابات، فإن فرار هؤلاء السجناء الخطيرين سوف يحدث لا محالة تغييرات أمنية هامة لنْ يتم الإفصاح عن جميع حيثياتها: تمس خطط تأمين وتسيير السجون، كما نعتقد أنها ستشمل نواحي أخرى، أعم وأعمق، تُعنَى بتحيين الاستراتيجية الوطنية العامة لمحاربة التطرف العنيف والإرهاب، سواء ما تعلق منها بالجوانب العسكرية أو النواحي الإعلامية والتوعوية. 
فصورة البلد وأمنه قد عرضها هذا الحدث لعثرة لا ينبغي التساهل في علاجها: لا في الداخل ولا في الخارج. وأتوقع شخصيا أن يضر بترتيب موريتانيا على المؤشر العام للإرهاب (GTI[ii]) الذي يصدر سنويا عن معهد الاقتصاد والسلام ([iii]IEP) الموجود في استراليا.
ومن جهة أخرى، فمن البديهي أن تدهور الأوضاع الأمنية، على حدودنا الغربية مع دولة مالي المجاورة وفي منطقة الساحل عموما، يزيد من الأمر تعقيدا. بل من الوارد أن نتساءل: هل ما نلاحظه من قوة متزايدة بدرجة خطيرة للجماعات الإرهابية والإجرامية في المنطقة له ضلع، أيًا كان نوعه، مباشر أو غير مباشر، فيما جرى ليلة البارحة في السجن المركزي بنواكشوط؟

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)