نقيب المحامين: العدالة في دولة القانون والمؤسسات تتطلب الاستقلالية والكفاءة والنفاذ (نص الخطاب).

خميس, 05/01/2023 - 23:45

قال نقيب المحامين الموريتانيين في كلمة له أمام المنتديات العامة حول العدالة، التي شارك فيها رئيس الجمهورية: إنه "لا حديث عن العدالة بدون تحقق شروطها المتمثلة في توفير محاكمة عادلة، ولا محل للمحاكمة العادلة بدون استقلالية القضاء واستقلالية مهنة المحاماة، فالاستقلالية هي العامل المشترك الأهم الذي يلتقي فيه القضاء والمحاماة، فلا غرابة ـ إذن ـ إذا اشتركت المحاماة مع القضاء في منتديات عامة حول العدالة لأن وجود الاثنين جنبا إلى جنب هو الوسيلة الوحيدة لنجاح أية منتديات مخصصة لإصلاح القضاء".

وأضاف: "بالاستقلالية يتحقق الحياد والتوازن بين حقوق الأطراف، أما الاستقلالية فتقتضي الوقوف ضد توجيه الأوامر إلى القضاة وضد تحويلهم دون طلب منهم، وحمايتهم من كل التأثيرات الخارجية من قبيل استغلال النفوذ، الوساطات والقرابات والصداقات وغيرها من المؤثرات الخارجية التي لا تمت للعدالة بأية صلة."

وهذا هو النص الكامل لخطاب نقيب هئية المحامين الموريتانيين ذ/ إبراهيم أبتي:

صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهوريــــــــة

أصاحب المعالي

أصحاب السعادة

أيها السادة والسيدات كل باسمه وجميل وسمه

لنا الشرف العظيم أن نحضر معكم اليوم افتتاح المنتديات العامة حول العدالة، باعتبار المحامي شريكا للقضاء طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 016/2020 الصادر بتاريخ 24/07/2020 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة، الذي رأى النور في بداية مأموريتكم الميمونة.

إن هذا القانون يعتبر بحق قفزة نوعية لمسايرة الأنظمة القانونية المعاصرة، والاتفاقيات الدولية المهتمة بتحقيق وترسيخ قواعد العدل والإنصاف في المجتمعات الحديثة.

إن الشراكة بين القضاء والمحاماة، أقول بين القضاة والمحامين، التي تم سنها لأول مرة في قانون المحاماة الصادر سنة 2020 لا تعني إطلاقا الاشتراك في تنظيم وجدولة وبرمجة الملفات وعقد الجلسات وإصدار الأحكام والقرارات القضائية وتنفيذها بل تعني الشراكة في " تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وكفالة الدفاع عن حقوق الأفراد وحرياتهم".

ولا حديث عن العدالة بدون تحقق شروطها المتمثلة في توفير محاكمة عادلة، ولا محل للمحاكمة العادلة بدون استقلالية القضاء واستقلالية مهنة المحاماة، فالاستقلالية هي العامل المشترك الأهم الذي يلتقي فيه القضاء والمحاماة، فلا غرابة ـ إذن ـ إذا اشتركت المحاماة مع القضاء في منتديات عامة حول العدالة لأن وجود الاثنين جنبا إلى جنب هو الوسيلة الوحيدة لنجاح أية منتديات مخصصة لإصلاح القضاء.

فبفضلكم ـ صاحب الفخامة ـ نجتمع اليوم للحديث عن القضاء وتحدياته وتقويمه والوقوف على إيجابياته وسلبياته وتسليط الضوء على معوقاته واستخلاص النهج والطريق الصحيح من أجل مستقبل أفضل لضمان تكريس دولة الحريات وحماية حقوق الأفراد وطمأنة المستثمرين.

وفي هذا المضمار لا بد من الإشادة بالدور الطلائعي للهيئة الوطنية للمحامين عبر تاريخها الحافل من خلال الجيل الأول المؤسس والأجيال المتلاحقة إذ ظلت صامدة في الظروف الاستثنائية الصعبة من أجل ترسيخ مبادئ الديموقراطية وحماية الحريات الفردية والجماعية وترسيخ دولة القانون واليوم نعيش ثمرة كفاح تلك الأجيال.

إن العدالة التي نصبوا جميعا لإصلاحها تجسد أساسَ الملك، وضمانَ السلم الاجتماعي، ومحفـــزَ التنمية، ولكي تقوم بهذا الدور الجوهري في دولة القانون ودولة المؤسسات، يلزم - في نظرنا-أن تتحقق ثلاثة شروط هي: الاستقلالية والكفاءة والنفاذ.

فبالاستقلالية يتحقق الحياد والتوازن بين حقوق الأطراف، أما الاستقلالية فتقتضي الوقوف ضد توجيه الأوامر إلى القضاة وضد تحويلهم دون طلب منهم، وحمايتهم من كل التأثيرات الخارجية من قبيل استغلال النفوذ ، الوساطات والقرابات والصداقات وغيرها من المؤثرات الخارجية التي لا تمت للعدالة بأية صلة.

وأما الكفاءة فشرطها التكوين الدائم المستمر والتفرغ للعمل، والتشجيع على جودة العمل والأداء وتحرير الأحكام والقرارات وتأسيسها وضبط نظام برمجة وإدارة الجلسات، ووضع الكفاءات والتخصصات المناسبة في أماكنها المناسبة.

وأما النفاذ فكما قال عمر ابن الخطاب لأبي موسى الأشعري في رسالة القضاء: (لا خير في قضاء لا نفاذ له)، فالتنفيذ هو ثمرة التقاضي وحقيقة فض النزاع، وتعطيل الأحكام والقرارات القضائية يقلل من قيمتها وبالتالي المساس بهيبة القضاء ومن ثم بمصداقيته وتنفيذها من طرف الدولة ومؤسساتها أولى من غيرها إذ أن التنفيذ يضمن للقرار القضائي قيمته ومكانته.

ولن يتأتى إصلاح العدالة دون إصلاح كل مكوناتها، لأن الأحكام القضائية هي في النهاية ثمرة جهود أطراف متعددة، حيث يناقش الحكم والقرار القضائي الدعاوي والحجج المقدمة من طرف المحامين، وقد يحلل عقود الموثقين ويستعين بترجمة المترجمين، وخبرات الخبراء، و محاضر الضبطية القضائية، ولا يصدر أي حكم أو قرار دون جهود معتبرة للقضاة و كتابات الضبط ، لتسند مهمة تنفيذه للعدول المنفذين، فيأتي العمل القضائي ثمرة لجهد الجميع، ولكل طرف منهم وزر من مسؤولية رداءته أو شرف جودته.

ولأن المحامي بطبيعة مهنته يختم عادة مداخلاته بتقديم طلباته، فإننا نلتمس العمل على تحقيق استقلالية القضاء وتحسين كفاءته ونفاذ قراراته تكريسا للصيغة التنفيذية التي تحلى بها الأحكام والقرارات القضائية التي نص عليها القانون مستهلا إياها بعبارة ب "فإن الجمهورية الإسلامية الموريتانية تأمر"، وصيانة حق الدفاع وحريته وحصانته التي كرسها القانون المنظم لمهنة المحاماة الصادر سنة 2020 وكل المواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا لما للمحاماة من مكانة في كل نظام قضائي يعمل لتقوية وحماية دولة القانون التي نعمل جميعا من أجل تحقيقها.

صاحب الفخامة

أخيرا وليس آخرا فإن الهيئة الوطنية للمحامين ستظل سندا وعونا قويا لسياستكم الرشيدة الهادفة إلى تحقيق العدالة والإنصاف ودولة القانون التي لم تدخروا أي جهد في تحقيقها.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

                                                                     النقيب/ إبراهيم ولد أبتي