يتحدث الموريتانيون منذ سنوات أو عقود عن فوضى إدارية عارمة أماراتها غياب و/ أو تغييب معايير الولوج و الترقية إلى المناصب الإدارية حتى ساد مرافقَ عمومية حساسة كثيرة و فى مرات مشهودة "مناقيرُ بيضاء Blanc-becs" أَغْرَابٌ على الإدارة لا علاقة لهم بها من قريب و لا من بعيد كما قاد مرافق إدارية رئيسة أخرى في مشاهد متكررة أقلُّ منتسبيها كفاءة و تجربة و "أخفِّهم"يدا و أخلاقا،...
وقد أدت ظاهرة "اللامعيارية الإدارية" إلى هَرَجٍ و مَرَجٍ حيث أضحى كل موريتاني بالغٍ فقط (لم أقل عاقل و لا متعلم) طامحًا لأعلى المراتب الإدارية و قَبِيلُهُ له داعمون و في شأنه ضاغطون و حُجَّتُهم بالغة بأن طموحه مشروع فقد سبقه له أَتْرَابٌ تَسَنَّمُوا أعلى المناصب الإدارية.
و اعتقادي أن "الفوضى الإدارية" ببلادنا فعَلتْ أفاعيلَها و عَبَثَتْ ألاعيبها فبلغت حَدَّها و حَصحَصَتْ نهايتُها لذلك يتعين تحيينُ تقنينِ معاييرَ تعيدُ ضبط و تنظيم الولوج و التعيين و الترقية إلى الوظائف الإدارية السامية ذلكم أن المعيارية هي مخ الإدارة العمومية و من أوكدها:
أولًا- معايير صِحَّةِ التعيين: وهي المعايير التي يجب البدء بالتأكد من توفرها إذ لا يكون التعيين فى الوظائف القيادية صحيحًا إلا بتوفرها فهي إقصائية و مما لا يستغنى عنه ومنها:-
1.الكفاءة العلمية المبرَّزَةُ: و يجدر أن يُبَوَّأ هذا المعيار مرتبة "سَيِّد المعايير" فلا يعقل إسناد مهمات سامية إلى أشخاص عديمي أو ناقصي الكفاءة العلمية كما كان -و ربما مازال- متواترا و هو السبب الرئيس فى تردى المرافق العمومية؛
2. الأمانة و النظافة التسييرية: و يقصد بهذا المعيار اعتبار حيازة المتأهل للوظائف السامية شهادة خُلُوٍّ من السوابق التسييرية صادرة و مؤشرة من مؤسسات الرقابة المالية: محكمة الحسابات؛ المفتشية العامة للدولة والمفتشية المالية معيارَ صحةٍ لأهلية التعيين بدونه يكون التعيين مستحيلًا .
ثانيا-المعايير الترجيحية: وكلما توفرت و تأكدتْ معايير صحة الولوج و التعيين بالوظائف الإدارية السامية لَزِمَ تنقيح المعايير الترجيحية والتى من أبرزها حسب الترتيب :
1.التوازن التشاركي: و يعنى هذا المعيار الانتباه إلى تفادى توطين أغلبية الوظائف السامية لدى عرق أو منطقة أو شريحة معينة و العمل على ترجيح كل ما من شأنه ضمان عدالة توزيع و انتشار و تشاركية الوظائف السامية حسب الأعراق و المناطق و الشرائح،...
2.التمييز الإيجابي: أَوْكَدُ التمييز الإيجابي كمعيار ترجيحي يجدر أن يخصص للشرائح التي عانت "غبنًا حقوقيًا" كضحايا رواسب الاسترقاق كما أن التمييز الإيجابي وارد لصالح جنس النساء و فئة الشباب.
3.التجربة اللازمة: قد يقول قائل إني أخرت التجربة (و هي شقيقة الخبرة و الكفاءة)و هو قول ظاهرُ الوجاهة لكني إنما قصدت تقليل شروط الصحة و حصريتها على الكفاءة العلمية و النظافة التسييرية كما أردت إبراز أهمية "التوازن التشاركي" و التمييز الإيجابي اللذين يبدوان ناقصين في المشهد الإداري، و الجدير بالتنويه أن تصنيف و ترتيب هذه المعايير لا ينقص من أهمية التجربة شيئًا فكفاءة علمية بلا تجربة كالعلم بدون العمل به.
--------------------
مقال منشور بتاريخ 23 يوليو 2020