دعوة إلى الإسلام / مقال للزعيم العربي الإفريقي الراحل جمال عبد الناصر

أربعاء, 03/11/2021 - 22:11

في أخريات القرن السادس الميلادي، وقبيل أن يغمر نور محمد الرسول صلوات الله عليه أرجاء البشرية، كان العالم فى الشرق والغرب، في الشمال والجنوب يتعثر في خطا الرجعية، ويئن من وطـأة الجور والاستعباد، ويبعد كثيرا عن تعاليم المسيحية السمحاء، ويعكف معظمه على عبادة الوثن، ويعبد بعضه النار أو الكوكب السيار.

فشعوب بأسرها تستذلها قلة من الرجال، قد يلقبون بالأباطرة حينا، والقياصرة حينا آخر، وعوالم بمجموعها تضللها فئة أطلقت على نفسها رجال الدين، واتخذت من هذا اللقب ستارا تنوّم به هذه الجماهير حتى لا تفيق من سباتها، وتزيح العصائب عن أبصارها.

وحروب بعضها في أثر بعض تثار إشباعا لنهمة الغزو والفتح، فحسب حتى بات العالم على شفا الهاوية، وكادت تدور عليه الدائرة، ولكن رحمة الله التي وسعت كل شيء، قضت ولا راد لقضائها أن تهدى هذا العالم الضال، وترده إلى الهداية والاستقرار، فاختارت محمدا العربي اليتيم الفقير الناشئ في جوف الصحراء ليكون النبي الملهم، والرسول الموحى إليه، ليرد البشرية إلى الإسلام والطمأنينة وإلى التراحم والتعاون وإلى الإيمان واليقين.

وكانت رسالة من أشق الرسالات وأخطرها لهذا الجو العاصف الذي كان يجتاح العالم حينذاك، ولهذا التخلف المزري الذى اتسم به البشر آنذاك، لكن الخلق العظيم الذي تخلق به الرسول الكريم والصبر الجميل الذي تحلى به طوال حياته، والقوة الخارقة فى الإعداد والتنظيم، وما كان يمتاز به من بلاغة ومنطق سديد، كل أولئك مكن لرسالته، وأصل لدعوته فآمنت به هذه الملايين من البشر إيمانا زاخرا لا يخبو ولا يفتر.

ولقد استطاع الرسول الكريم أن يجعل دعوته مثالا لكل الدعوات، ومنارا لمن أتى بعده من المصلحين، فقد كان خاتم الأنبياء، وآخر الموحى إليهم من المرسلين، فجعل من حياته دستورا للحاكمين، ومن سيرته شاخصا يهتدي به الأحياء على مر الأجيال والأعوام. لقد كانت حياته متناهية في البساطة، غاية في السمو والترفع، فعاش فقيرا ومات فقيرا، وكان في ذلك مضرب الأمثال، وكانت سيرته حافلة بألوان التضحيات، فضحى بنفسه مرات ومرات، ضحى بها عند إعلان دعوته، وإصراره عليها، وعدم الرجوع عنها على قلة الناصر والمعين، وضآلة المال والنشب، وضحى بها ليلة هجرته، وفى أيام هجرته وضحى بها في الغزوات التي دافع فيها عن كيانه بل كيان دعوته.

وكانت دعوته من أقوى الدعوات لأنها لم تجعل حجابا بين العبد و ربه، ووساطة بين الإنسان ومعبوده، فالله أقرب إلى مخلوقه من حبل الوريد، فقضى بهذه الدعوة على كل وساطة وكهانة وادعاء.

وبساطة الدعوة كانت العامل الأول فى هذا القرب العجيب: فكل إنسان يستطيع فى يسر أن يفهم مرامي الدين، ويقوم بفرائضه في غير عنت أو إرهاق.

واظهر ما في الدعوة الاتحاد والتعاون، فالمسلم أخو المسلم، والمؤمن للمؤمن أنيّ كان هذا المسلم أو المؤمن، فالفرقة ضعف، والخروج على الجماعة خذلان.

حقا إن في الدعوة الإسلامية دروسا وعبرا، فلم لا نتخذ منها واعظا ومرشدا؟ لم يشق بعضنا عصا الطاعة على بعض؟ ولم نفترق في سياستنا وأهدافنا ومثلنا؟ لم لا نهتدي بهدى الإسلام عند ما نضل الطريق أو تشتبه علينا الأعلام؟ لم يكن بعضنا حربا على بعض؟ ولم ننسق فى سبيل غير سبيل الأخوة الصادقة والعصبية المتكاتفة والجماعة المتآزرة؟

ألم تكفنا هذه القرون السوالف التي صرنا فيها إلى حطام؟ ألم تنل منا العوادي لما كان بيننا من فرقه؟ ألم نستذل، وقد كنا سادة الدنيا وكرامها؟

أيها العرب، أيها المسلمون، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول بأن تكونوا يدا على من عداكم، مسالمين لمن سالمكم، ولا تفرقوا ولا تهنوا، فأنتم الأعلون وليست هذه العبارة ألفظها من الشفاه، أو يرددها اللسان، لكنها نابعة من قلبي المؤمن إيمانا عميقا بدعوة الإسلام التي هي دعوة القوة والسلام، فهل تضعون أيديكم في يدي؟

وهل تلبون هذه الدعوة الحارة من قلب مؤمن بالعروبة والإسلام؟

وليس يكفيني أن بلغت، وأشهدت الله على أن بلغت، ولكنى سأسعى ما حييت بكل ما فيّ من جهد وعزم وإيمان لتصبح هذه الدعوة حقيقة لا ريب فيها والله على ما أقول شهيد.

جريدة الأهرام بتاريخ 1 مايو 1955