ملفات فساد كبرى تطيح بمسؤولين... هل بدأت تونس حربها الحقيقية على الفساد؟

خميس, 21/10/2021 - 16:54

بات ملف مكافحة الفساد حديث الشارع التونسي، الذي تساءل عن مدى جدية الرئيس قيس سعيد في فتح ملفات الفساد السياسي والإداري والمالي ومحاسبة المتورطين فيها والقطع مع عهد المحسوبية والإفلات من العقاب وخرق القانون.

وقبل يومين، أسدلت النيابة العمومية في محافظة سيدي بوزيد (الوسط الغربي) الستار عن ملفات فساد كبرى، طالت ثلاث مندوبيات جهوية في المحافظة، وتورط فيها موظفون ومسؤولون كبار في الدولة من بينهم وزيرة سابقة.

وأعلنت النيابة الاحتفاظ بـ19 متهما في قضايا فساد بالمندوبية الجهوية للشباب والرياضة بسيدي بوزيد تتعلق بالتلاعب في صفقات عمومية والاستيلاء على أموال عمومية وإنجاز مشاريع وهمية، من بينهم وزيرة الشباب والرياضة السابقة التي تم استنطاقها كمتهمة.
كما تم فتح تحقيق ضد 11 شخصا، وإصدار بطاقتي إيداع بالسجن بشأن كل من مندوب الفلاحة بسيدي بوزيد وموظفة بالمندوبية في قضايا تتعلق بالتدليس والاستيلاء على أموال عمومية، واستغلال الصفة لتحقيق مصالح خاصة، وتكوين عصابة مفسدين بغاية الاعتداء على الأشخاص والأملاك.
أما ملف الفساد الثالث، فيتعلق بالمندوبية الجهوية للتربية بسيدي بوزيد، حيث تم الاحتفاظ بسبعة من موظفي وإطارات المندوبية، من بينهم المندوب الجهوي الحالي والسابق والكاتب العام للمندوبية الذين تم اتهامهم بتدليس شهادات لأكثر من 100 معلم وأستاذ نائب في الجهة.

خطوة أولى في الحرب على الفساد

وقال رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان المجمدة اختصاصاته، بدر الدين القمودي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن الملفات التي تم الكشف عنها في سيدي بوزيد هي خطوة أولى في طريق الحرب على الفساد.
واعتبر القمودي أن هذه المنجزات هي نتيجة مباشرة لتوفّر الإرادة السياسية لأول مرة في تونس خلافا للشعارات التي رفعها سابقا السياسيون زورا وبهتانا، مضيفا "نستطيع الآن أن نقول إننا بدأنا في محاربة الفساد بالصورة المطلوبة".

وتابع أن "تضافر الجهود والتقاء الإرادة السياسية مع الإرادة القضائية والمواطنية إضافة إلى دور أجهزة الدولة الاستخباراتية يمكن أن يثمر عن محاربة فعلية للفساد، كما حدث في سيدي بوزيد".

وأكد القمودي أن سيدي بوزيد لن تكون الاستثناء، وأن الحرب على الفساد ستمتد لتشمل فتح ملفات أخرى على مستوى الإدارات الجهوية وحتى المركزية.
وشدّد المتحدث على ضرورة أن تمتد الحرب على الفساد لتشمل القضايا الكبرى، وعلى رأسها ملف الصفقات العمومية وديون البنوك العمومية والقروض التي تم اسداؤها لرجال الأعمال دون ضمانات ولم يقع استرجاعها، إضافة إلى ملف الأملاك المصادرة الذي وقع التلاعب به، وملف المنشآت العمومية التي تحتاج إلى عملية تدقيق شاملة على غرار شركة فسفاط قفصة وشركة السكك الحديدية والخطوط الجوية التونسية.

وقال القمودي إن هذه الأهداف تتطلب إصلاحات هيكلية في الجهاز القضائي من خلال تطهير هذا المرفق من الولاءات المالية والحزبية وتدعيم القطب القضائي المالي بشريا وماديا.
إدارات ملغمة حزبيا
وفي تصريح لـ "سبوتيك"، اعتبر وزير المالية الأسبق، حسين الديماسي، أن المباشرة بفتح ملفات الفساد خطوة إيجابية لقتل هذا المرض الذي استنزف الإدارات والاقتصاد.
ويرى الديماسي أن الفساد استشرى أكثر بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني، نتيجة ضعف التشريعات والقوانين الرادعة ووجود تسيّب على مستوى أجهزة الرقابة وتراجع الجهاز العدلي عن القيام بدوره في فتح ملفات الفساد، بشكل فتح المجال لتزايد المخالفات والرشاوى والصفقات المشبوهة والتدليس.
وقال المتحدث إن العديد من ملفات الفساد بقيت مجمدة لسنوات في رفوف المحاكم بعضها يرتقي إلى جرائم ولم يتم النظر فيها، مشددا على ضرورة فتح ملف الانتدابات في الإدارات التونسية التي أصابها مرض التحزّب، على حدّ قوله.

وتابع: "الإدارات التونسية ملغّمة بالانتدابات الحزبية.. ولم يعد الموظف في خدمة المواطن وإنما في خدمة أنصار حزبه الذي وظفه، وهو ما أسهم في انتشار ثقافة التمييز والتدليس والترقيات المشبوهة".

ويرى الديماسي أن جزءا مهما من الشعب التونسي دفع ضريبة باهظة لاستشراء الفساد خاصة في الإدارات، بسبب غياب الإنصاف وتغليب الولاءات الحزبية على المعايير المهنية في التوظيف.

المحاسبة.. الحلقة المفقودة

إلى ذلك، قال رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إبراهيم الميساوي لـ "سبوتنيك"، إن مكافحة الفساد بقيت مسحوقا تتجمل به الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ الثورة، معتبرا أن المحاسبة وتسليط العقوبات على الفاسدين هي الحلقة المفقودة في مسلسل القضاء على الفساد.

ولاحظ الميساوي أنه خلال العشر سنوات المنقضية لم تصدر أحكام قضائية ضد المتورطين في قضايا الفساد، مضيفا: "صحيح تم إيقاف بعضهم ولكن وقع إطلاق سراحهم بصفقات سياسية مشبوهة".
واستشهد الميساوي بتقارير محكمة المحاسبات ومختلف التقارير الصادرة عن دوائر الرقابة على الوزارات التي بقيت حبيسة الرفوف رغم أنها نقلت معطيات دقيقة حول مئات الجرائم التي يرتكبها مسؤولون تحت شعار حسن النية.
واعتبر الميساوي أن ملفات الفساد التي فتحت وباركها الشعب التونسي والمجتمع الدولي هي مجرد زوبعة في فنجان، وبعضها استخدم لغايات سياسية على غرار تلك التي فتحها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.
وتابع: "حتى رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي أعلن صراحة عن تصديه للفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة، نجده في المقابل يقوم بشيطنة القضاء الجهاز الوحيد المخول له البت في ملفات الفساد، ويعطّل نشاط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في خطوة لا نعرف إلى حد الساعة ملابساتها ونتائجها".

وقال الميساوي إنه كان ينتظر من رئيس الجمهورية أن يكشف عن ملفات الفساد التي نبّه إليها في العديد من خطاباته، وأن تتم محاسبة الوزراء المشمولين بالتحوير الوزاري الأخير في حكومة هشام المشيشي والذين قال الرئيس إنه رفض أدائهم للقسم بسبب تورطهم في قضايا فساد.

وشدد الميساوي على ضرورة أن لا تقتصر مكافحة الفساد على الشعارات وأن يتم توسيع دائرة المحاسبة لتشمل جميع المتورطين، مشيرا إلى أن مسؤولية الانتدابات المشبوهة لا يتحملها فقط الموظفون وإنما حتى النقابات القطاعية التي سكتت عن الانتداب العائلي والحزبي والرشاوى

المصدر: سبوتنيك