شجاعة الجهل..

خميس, 14/10/2021 - 15:49

في رحلةٍ ريفيةٍ، رأيتُ مجموعةً من أصدقائي يلعبون لعبةً سخيفةً؛ عـلَّقوا زجاجةَ مياهٍ غازيةٍ فارغةٍ بحبلٍ من غُـصْنِ شجرةٍ، وجعلوها تتأرجحُ كبندولِ الساعةِ، ثم راحوا يَنْصَبّون عليها بالبندقيةِ من مسافةٍ بعيدةٍ نِسْبِيًّا.. دَنَوْتُ منهم وقرَّرْتُ أنْ أُجَرِّبَ..
ما هذه؟ … بندقيةٌ؟ … كيف تُطْلِقون بها؟ … ما المطلوبُ بالضَّبْطِ؟ … إصابةُ هذه الزجاجةَ؟ … دَعوني أُجَرِّبْ … وضغطتُ على الزنادِ بلا تفكيرٍ لتتناثرَ شظايا الزجاجةِ في كُلِّ اتجاهٍ، ويَشْهَقُ أصدقائي ذُهولاً.
عرفتُ فيما بعدُ أنَّهُم يُحاوِلون منذُ ساعةٍ إصابةَ الزجاجةِ، وأنَّ ثلاثةً منهم حاصِلون على جوائزَ في الرِّمايَةِ، لكنَّهم فشِلوا!
لو كنتُ أعرِفُ هذا كُلَّهُ مُسْبَقًا لَفشلتُ حتمًا…
هذه هي شجاعةُ الجهلِ… لَولاها لَما فعلنا أيَّ شَيْءٍ، لأنَّنا نتوقَّعُ الفشلَ من البدايةِ.
لهذا لم أنْدَهِشْ عندما قرأتُ عن ذلك الشابِّ الأمريكيِّ الذي دخلَ قاعةَ المُحاضراتِ مُتَأَخِّرًا، فوجدَ على لَوْحِ الكتابةِ معادلةً غيرَ محلولةٍ.. نَسَخَها وافترَضَ أنَّ هذهِ هي واجِبُهُ المَنْزِلِيُّ…
هكذا عادَ إلى دارِهِ وسَهِرَ حتَّى حَلَّها، وقدَّمَها لأستاذِهِ في اليَوْمِ التالي.
أُصيبَ الأستاذُ بالذهولِ، وطلبَ الفتَى ليُخْبِرَهُ حقيقةَ أنَّ هذه المعادلةَ لا حَلَّ لها.. أو هكذا اعتبرَها أساتذةُ الرياضياتِ عبرَ التاريخِ. وقد كتبَها الأستاذُ على لَوْحِ الكِتابةِ كنموذجٍ للمعادلاتِ مستحيلةِ الحلِّ…
الطالبُ الذي لم يعرفْ هذه الحقيقةَ استطاعَ أنْ يحلَّها في ليلةٍ واحِدَةٍ!
يجبُ أن نَتَحَلَّى بشجاعةِ الجهلِ، ولا نُفَكِّرُ في مدَى صعوبةِ ما نحنُ بِصَدَدِهِ، ولا بعددِ من فشلوا قبلَنا. هذه هي الطريقةُ الوحيدةُ الممكنةُ للنجاحِ. أمّا لو حاصَرَتْنا أشباحُ المَخاوِفِ قبلَ أنْ نبدأَ، فلَسَوْفَ تخرجُ تلكَ الكلابُ السوداءُ المُفترسةُ لِتُمَزِّقَنا قبلَ أنْ نَخْطُوَ خُطْوَةً واحِدَةً.
د. أحمد خالد توفيق