المغرب: "التجمع الوطني للأحرار"...حزب "الحمامة" الذي قضى على أحلام "العدالة والتنمية" الحكومية

جمعة, 10/09/2021 - 17:27

فاز "التجمع الوطني للأحرار" الأربعاء بالانتخابات التشريعية في المغرب، موجها ضربة قاسية لحزب "العدالة والتنمية"، أكبر الخاسرين في هذه الاستحقاقات. ويعتبر حزب "الحمامة"، الذي يرأسه عزيز أخنوش وهو أحد كبار الأثرياء في المغرب، من الهيئات السياسية التي ولدت من رحم السلطة في مرحلة السبعينيات، وتحولت إلى رقم مهم في المعادلات الحكومية على مر السنوات. فما الذي يعرف عن هذا الحزب؟
ارتبط اسم حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الفائز في الانتخابات التشريعية المغربية التي أجريت الأربعاء، بزعيمه التاريخي أحمد عصمان، المتحدر من مدينة وجدة بشرق المملكة. وأسس عصمان الحزب الأزرق أو حزب "الحمامة" في 1978، جمع فيه عدد من المستقلين الذين وصلوا إلى البرلمان عقب انتخابات 1977.

ويعتبر محللون أن هذا التأسيس جاء بإيعاز من السلطة وقتها لضرب اليسار المشاكس، الذي كان في مجمله يرفض المشاركة في اللعبة السياسية، ويشن ضدها انتقادات لاذعة، متهما العملية الانتخابية باستمرار بعدم النزاهة والتزوير. علما أن عصمان كانت تربطه علاقة مصاهرة مع الملك الراحل الحسن الثاني.

واستمر وجود أحمد عصمان على رأس الحزب لمدة 29 عاما، وهي مدة تقلد فيها ابن وجدة عدة مناصب حكومية ودبلوماسية، كان أبرزها قيادته للحكومة من 1972 حتى 1979، وهي أطول مدة قضاها وزير مغربي على رأس الحكومة في المملكة. وخلفه في تسيير الحزب الوزير السابق مصطفى المنصوري في 2007، قبل أن يطيح به وزير الخارجية السابق صلاح الدين مزوار في 2010. وفي أكتوبر 2016 تم انتخاب عزيز أخنوش زعيما جديدا للحزب.

آلة استقطاب "جذابة"

وصول أخنوش، وهو رجل أعمال ثري يوصف بأنه مقرب من القصر، إلى رئاسة هذا الحزب، منح لهياكل التنظيم دينامية جديدة، استطاع بموجبها استقطاب فئة مهمة من الشباب المثقف، كان باستمرار يفضل الميل لأحزاب اليسار وتنظيماته، وأيضا بعض الفنانين كما هو شأن المغني المعروف رشيد الدوزي الذي ظهر معه في مهرجان خطابي بوجدة وهو يفسر دواعي التحاقه به "الحمامة" أمام الحضور.

وهذا، بفضل آليات استقطاب جديدة، لأن التقليدية منها، يقول الخبير الدستوري والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق لفرانس24، "لم تعد تجلب الشباب، لاسيما وأن الجيل الثاني من بعض قيادات اليسار يركزون على توريث أبنائهم ولم يبقى العمل الحزبي عمل للنضال بل بات يؤدي للمناصب".  

وهذه الدينامية داخل الحزب أعطت نتائجها في هذه الانتخابات حسب رئيس الحزب عزيز أخنوش، الذي اعتبرها "ثمرة" عمل خمس سنوات من العمل، وفق ما جاء على موقع الحزب. وقال أخنوش: "لقد خضنا مسارا غير مسبوق للإنصات إلى المواطنات والمواطنين والعمل معا على صياغة برنامج انتخابي يرقى لطموحات البلاد". 

وأضاف: "لقد عاين المغاربة، باختلاف أعمارهم، في المدن والقرى، عملنا الدؤوب وصوتوا بكثافة للتجمع الوطني للأحرار.. لذا نتوجه للمواطنات والمواطنين بالشكر والامتنان، واحدا واحدا.. شكرا على الثقة ديالكم ونحن ملتزمون بتكثيف الجهود باش نكونوا في مستوى هاد الثقة". 

حزب ليبيرالي أم "اجتماعي ديمقراطي"؟ 

ظل "التجمع الوطني للأحرار" يصنف لسنوات بأنه من الأحزاب "الإدارية" أو "الصفراء" من طرف المعارضة اليسارية خاصة حتى نهاية التسعينات مع تشكيل حكومة التناوب بقيادة حزب يساري، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لأول مرة في المغرب، في إطار نوع من التوافق بين ما كان يعرف بـ"أحزاب الكتلة" والملك الراحل الحسن الثاني، وتم إدماج "الأحرار" كحزب وسطي في هذه الحكومة في إطار نوع من التصالح أولا بين اليسار والقصر وثانيا بين اليسار وما كان يعرف بالأحزاب الإدارية.

للمزيد - الانتخابات المغربية: ماهي أسباب "التسونامي السياسي" الذي قد يؤشر لنهاية "العدالة والتنمية"؟

ويرفض هذا الحزب تقديمه على أنه حزب ليبيرالي، كما جاء في تصريح للمتحدث باسمه شفيق الودغيري، ويفضل تصنيفه كحزب "اجتماعي ديمقراطي"، له رؤية مبنية على "المساواة، المسؤولية والتماسك الاجتماعي"، وفق ما جاء في الخطوط الكبرى لبرنامج السياسي، الذي ركز فيه على "الشغل فالشغل ثم الشغل"، "الوصفة" الناجعة، بالنسبة له، لتحقيق "التماسك الاجتماعي".

برنامج "الحمامة"

يبقى التحدي المطروح أمام هذا الحزب، حسب المتحدث باسمه شفيق الودغيري، "تنزيل مشروع الأحرار الذي جاء بعد أكبر عملية إنصات شملت 300 ألف مغربية ومغربي وخلصت إلى خمسة التزامات، انبثق عنها 25 إجراء". وأكد الودغيري في حديث للصحافة أن لـ"التجمع" "الكفاءات القادرة على تنزيل هذا البرنامج" بمعنى تطبيقه على أرض الواقع. من جانبه، أوضح الوزير السابق عضو المكتب السياسي للحزب محمد أوجار أن حزبه "قدم برنامجا عقلانيا مرقما قابل للتطبيق، ولديه مصادر تمويله والكفاءات لترجمته" على الميدان.

ويعتبر لزرق أن "التجمع الوطني للأحرار أعطى إشارات كونه يحمل مشروعا للتنمية وطبيعة القطاعات الحكومية التي شغلها جعلته جذابا، باعتبارها القطاعات الواعدة في المغرب التي تتلاقى مع التطلع الجماعي في تحقيق التنمية، لكون الخيار الديمقراطي لا يكون مثمرا إلا بها".

لكن يبقى السؤال، كيف سيمكن لهذا الحزب ترجمة وعوده مع وجود "نموذج تنموي كبير" من اقتراح الملك. أستاذ العلوم السياسية محمد شقير اعتبر في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذا "النموذج" "حسم الاختيارات الكبرى"، ويجعل من الانتخابات مجرد "آلية لإفراز نخب سياسية جديدة قادرة على تفعيله". بدوره يرى المحلل السياسي مصطفى السحيمي في حديث للوكالة أنه "يفرض على الأحزاب تبني برامج متشابهة...".

ولعب "التجمع الوطني للأحرار" دورا أساسيا في تشكيل الحكومة المنتهية ولايتها، وتولى فيها حزبه وزارات أساسية مثل الاقتصاد والمالية والصناعة والسياحة. كما شارك في الحكومات المتعاقبة منذ 23 عاما، باستثناء فترة قصيرة بين 2012 و2013.

مع من سيتحالف "التجمع"؟

أكبر الأسئلة التي تطرح الآن، هو لأي من الأحزاب سيتجه حزب "الحمامة" لتشكيل ائتلاف حكومي. بالنسبة لرئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية" محمد بودن، "الصيغة الأولى تتعلق بتحالف "الأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، فهذا يكفي لتكوين أغلبية مريحة بنحو 257 مقعدا، لكن إذا كانت هناك أغلبية بين الأحرار والاستقلال والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، يمكن أن تتجاوز 228 مقعدا فهي أغلبية مريحة أيضا". وفق ما جاء في تصريح له لوكالة رويترز.

أما المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، فيعتبر في حديث لنفس الوكالة، أنه من الصعب التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة، لأن "دائرة المفاجأة ظلت دائما تلاحق عملية تشكيل الحكومات، ولكن البديهي أن العدالة والتنمية خارج تشكيل الحكومة المقبلة". كما استبعد مشاركة الحزب الفائز بالمرتبة الثانية "الأصالة والمعاصرة" في الحكومة، مشيرا إلى أن "الخطاب الذي تبناه في الانتخابات، يجعله منطقيا خارج تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة بعد أن وجه للأحرار انتقادات لاذعة مثل شراء الأصوات".

وأكد أخنوش غداة إعلان فوز حزبه، استعداده "للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معنا في المبادئ والبرامج، تحت القيادة السامية لجلالة الملك". في إشارة إلى مد يديه لبقية الأحزاب التي تشاركه نفس الرؤية لبناء تحالف حكومي. ومن المفترض أن يعين الملك محمد السادس في الأيام المقبلة رئيس حكومة جديد من حزب "التجمع الوطني الأحرار"، الذي قضى على أحلام "العدالة والتنمية" الإسلامي بالبقاء في الحكومة.

بوعلام غبشي

فرانس 24