مخاوف من "انتقائية" في ملف العشرية: أكثر من 30 شخصية بينها وزراء ورجال أعمال لم يتم الاستماع إليهم ؟!

ثلاثاء, 16/03/2021 - 22:41

تقول مصادر في لجنة التحقيق البرلمانية، التي تم تشكيلها للتحقيق في 11 ملفا يرجح أنها شهدت فسادا بينا، أن أكثر من 30 شخصا تم ذكرهم بالأسماء والصفات في تقرير اللجنة البرلمانية، تم استثناء بعضهم من التحقيق لدى الإدعاء العام، وهو ما شكل صدمة لدى أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية التي استغرب بعض أعضائها عدم استدعاء المشمولين بملفات مثل ملف إفلاس شركة سونيمكس وملفات أخرى كبيع أملاك الدولة حيث تم استدعاء بعض المسؤولين المتورطين والتغاضي عن آخرين مارسوا نفس الفعل، وهو ما دفع هؤلاء ومعهم غالبية المواطنين، للتساؤل عن الأسباب وراء ذلك، وهل هناك انتقائية تم اعتمادها بإيعاز من السلطة التنفيذية، أم أن الأمر يتعلق بعملية تدرج في معالجة الملفات حسب أولويات تراها الجهات المعنية ؟

ويخشى المواطنون من أن تتم معالجة هذا الملف الحساس بقدر كبير من الانتقائية بحيث يتم "استثناء" بعض الوزراء ورجال الأعمال والشخصيات النافذة من التحقيق والتقاضي، فيما يتم الاستماع لقلة قليلة وتوجه التهم إليها وعلى رأسها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض المقربين منه سياسيا واجتماعيا في إطار عملية "انتقام بدأت منذ أزمة "مرجعية" حزب الاتحاد".

ورغم أن الملف في عهدة النيابة العامة ومن ثم القضاء، فإنه يبقى من الوارد طرح التساؤلات التي أثارها المتابعون، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل خاص، وبعض وسائل الإعلام، حول عدم معالجة الملف دفعة واحدة والتغاضي عن بعض الأسماء التي مارست أفعالا بسببها تم توجيه الاتهام لآخرين ؟

فهل يريد النظام تهدئة بعض "الجبهات" وتفادي الصدام مع عشرات النافذين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في وقت واحد، ومعالجة هذه الملفات بالتدرج، أم أن الأمر سيقتصر على توجيه التهم لــ 13 شخصا بينهم الرئيس السابق ووزيران أولان وعدد من الوزراء السابقين ورجال الأعمال والمقربين؟

ثم إن مطالب النيابة بحق المتهمين كانت صادمة للقضاء الجالس الذي لم ير قط طلبا من الإدعاء العام في تهم كهذه يقل عن طلب السجن لعشر سنوات على الأقل فإذا بالنيابة تطلب الرقابة القضائية وفي ملفات بهذه الخطورة ؟ فهل يعود ذلك لتدخل صريح من السلطة التنفيذية في هذا الملف، الذي يفترض أن يكون قضائيا بحتا، أم أن الأمر يعكس حرص النيابة ومن خلالها الحكومة على "الحريات العامة"؟

لا شك أن الأيام القليلة القادمة ستحسم الإجابة على هذه التساؤلات؟

غضب شعبي من "انتقائية واضحة"

تقول شخصيات فاعلة في مجموعات سياسية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وهي واجهة للرأي العام الصامت والمترقب لمآلات هذا الملف، إن الشعب الموريتاني أصبح ناضجا ولن يقبل التهاون في معالجة ملفات تتعلق بنهب ثروات هذا الشعب الذي أفقرته نخب سياسية فاسدة، بينها وزراء سابقون وحاليون ورجال أعمال معروفين بأسمائهم وببصمات فسادهم ونهبهم ولم يتم استدعاؤهم للاستماع إليهم رغم ورود أسماء بعضهم في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية ؟!، فيما يشكك آخرون في أن لجنة التحقيق البرلمانية نفسها تغاضت عن عدد من ملفات الفساد الكبرى التي سبقت عهد الرئيس السابق وأخرى في عهده لكن المتورطين فيها هم شخصيات نافذة مقربة من نافذين في المشهد السياسي والاقتصادي في نظامنا الراهن.

وقالت سيدة في رسالة  صوتية "غاضبة" وجهتها لرئيس الجمهورية، عبر الواتساب، إن على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يتحمل كامل مسؤولياته في الإمساك بقبضته بهذا الملف من خلال متابعته حتى يشمل كل لصوص المال العام مهما كانت أسماؤهم ومراكزهم وصفاتهم، مشددة على أن الشعب الموريتاني لا يجد قوت يومه بسبب نهب ثرواته، ورغم امتلاكه أكبر ثروة سمكية إلا أن المواطن لم يعد يستطيع شراء سمكة بسبب استنزاف الثروة السمكية من طرف لصوص الثروة السمكية من شركاء الأنظمة، ونفس الأمر ينطبق على اللحوم الحمراء حيث تُصدّر موريتانيا ثروتها الحيوانية إلى دول الجوار إلا أن سعر كيلو اللحم لم يعد في متناول المواطن العادي ؟!.

وحملت السيدة، التي تحدثت في مجموعة سياسية تعالج الشأن العام في موريتانيا، الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كامل المسؤولية في نجاح أو فشل ملف التحقيق مع المتهمين بنهب ثروات الشعب وتحويلها إلى حساباتهم داخل البلد وخارجه حيث أثروا ثراء فاحشا على حساب المواطنين. ورفضت صاحبة الرسالة ما وصفتها بالانتقائية، مشددة على أن "لصوص ثروات الشعب معروفون لدى الجميع سواء تم استدعاؤهم واستجوابهم أو تم تكريمهم والاحتفاء بهم" مؤكدة أن "الشعب الموريتاني مستعد للخروج إلى الشارع وتقديم الشهداء من أجل أن يكون لدينا وطن ودولة قانون ومؤسسات مثل باقي شعوب العالم"

والواقع أن ما تقوله هذه السيدة هو نفس ما يردده الشارع الموريتاني من مختلف المستويات، حيث أن السؤال الأبرز وعلى ألسنة الجميع: هو "هل نحن أمام عهد جديد من المصالحة مع الذات وصيانة وحماية ثروات المواطنين والمال العمومي؟ أم أننا أمام تصفية حسابات بين نظامين وعهدين يدعي كل منهما الوطنية والإخلاص للمواطن؟ وبالتالي فنحن أمام مسرحية أخرى شبيهة بمسرحية ملف المخدرات ومحاكمة "آم" وبعض كبار رجال الدولة والأمن في عهد الرئيس الأسبق ولد الطايع ؟

بداية أم نهاية ؟

ويترقب المواطنون بتلهف كبير مآلات التحقيق في "ملف العشرية" آملين أن لا يستثني كل المشتبه بهم مهما كان قربهم من النظام الحالي ومواقعهم داخل حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، لأن العدالة لا تتجزأ والمتورطون يجب أن تتم إدانتهم والحكم عليهم وفق القانون، حتى يستعيد الشعب جزء من ثرواته المنهوبة ويستشعر لصوص المال العام خطر النهب عليهم وعلى مستقبلهم، وذلك مع ضرورة تبرئة المسؤولين الذين لم تتم إدانتهم.

ويتساءل غالبية المواطنين: "هل نحن أمام بداية لعهد جديد يسود فيه العدل وقيم دولة القانون واحترام المواطن، أم أننا أمام بداية نهاية صراع بين نظامين على امتيازات ومكاسب شخصية لا يجد المواطن منها إلا مسرحيات تنتهي بالحكم على الطرف الأضعف لتعود حليمة ..." ؟!

ولعل الأيام القادمة ستجيب على هذه التساؤلات، ليس فقط في موضوع التعاطي الشفاف والنزيه مع "ملف العشرية" وإنما في إطار مواصلة مسيرة التنمية والبناء التي ينتظر منها المواطنون تغيير واقعهم المتردي، حيث يتعهد كل نظام جديد بتغيير جذري ثم لا يلبث أن ينشغل بملفات شخصية تهم المحيط الضيق من السياسيين المقربين والدائرة الأقرب للنظام.

ضوء خافت في نهاية نفق طويل

ورغم قلق المواطنين ومخاوفهم المشروعة من الانتقائية والانتكاسة وعودة حليمة لعادتها القديمة، من خلال طلبات النيابة، والتي قد توحي بقرب طي الملف "بأقل تكلفة"، فإن جل المؤشرات توحي بأن نظام الرئيس ولد الشيخ الغزواني يسير بتريث وتؤدة في سبيل معالجة مكامن الخلل التي شلت عملية البناء والتنمية وأفقرت المواطن وعطلت العدالة وأعاقت كل تقدم.

ومع أن المستعجلين والقلقين على مستقبل بلدهم لهم ما يبرر استعجالهم ومخاوفهم، بسبب وجود شخصيات فاسدة وذات سوابق في نهب المال العام في "حكومة معالجة ملفات العشرية" وبسبب آلية التعاطي مع الملف من طرف النيابة، إلا أن الرئيس، بحكم ترويه وتريثه ونفاذ بصيرته، يدرك جيدا أن خطوات التدرج في التعاطي مع مختلف هذه الملفات، بما في ذلك تصفية الفاسدين من نظامه، تتطلب تغييرا هادئا وسلسا، وهو ما يتبناه الرجل في معالجته لمجمل الملفات ذات الأهمية الكبرى، حسب مقربين من السلطة.

ولا شك أن بعض التغييرات التي شهدتها مناصب في الرئاسة وبعض القطاعات مؤخرا، مع استثناءات صادمة، تشجع على التفاؤل وهي، مع إشارات خافتة أخرى، بمثابة بصيص أمل، وضوءا، ولو خافتا، في نهاية نفق طويل بدأ منذ الإطاحة بالرئيس المؤسس المختار ولد داداه عام 1978 ولم ينته بعد.

ولعل بداية القطيعة مع عهود النهب والفوضى قد بدأت مع بداية فتح ملفات تحقيق في غاية الخطورة والأهمية معا إذا سلمت من عيوب الانتقائية والتساهل التي يتحدث عنها مراقبون ومتخصصون في الشأن السياسي الوطني.

أحمد ولد مولاي امحمد

العدد 638 من يومية التواصل بتاريخ 15 مارس 2021