إنه"التدوير" في ظل الاستقرار ...

خميس, 11/03/2021 - 20:39

يقول أحد المفكرين: "عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد، ويسوم الفقراء سوء العذاب"
الحرب الحقيقية على الفساد يجب أن تكون جزءاً من منظومة سياسية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي والاجتماعي وفاعلية الرأي العام.
لا أعتقد أن الأنظمة السياسية التي سيطرت على بلادنا - حينا من الدهر-  لا تعرف مكامن الفساد، أو أسماء المفسدين ومسالكهم وحِيلهم ومواقعهم، إن لم يكن كثير من تلك الأنظمة جزءاً منهم، أو راعية بشكل مباشر أو غير مباشر لمنظومات الفساد التي تعج بها حكوماتنا المتجددة، والتي تغيب فيها معايير الشفافية والعفة والنزاهة والصدق والوطنية
تأتي لحظات في بعض الدول الغارقة في الفساد فيصحو فيها النظام ويكشّر عن أنيابه- خصوصاً في المراحل الانتقالية- فيقود حملة لتطهير البلد، من الفساد تحت شعارات "مكافحة الفساد والمفسدين" ويستبشر الناس خيرا، معتقدين جدية ذلك، وأن أيام الفساد باتت معدودة، وأنهم أصبحوا أمام "عهد جديد" وأنهم وجدوا ضالتهم في"المنقذ المنتظر"، لكن سرعان ما تتحطم آمالهم، وأحلامهم فتتحول إلى "كسراب بقيعة بحسبه الظمان ماء" ويعود الوضع كما كان، وربما أسوأ، ليكتشف الناس أن ما جرى هو إعادة تدوير للفساد والمفسدين، وتبادل الأدوار وليس بالإمكان أحسن مما كان، إنه "التدوير في ظل الاستقرار"
من هنا يجب التنبه إلى موجات "صحوة الضمير" التي تهب على بعض الأنظمة المتغلبة على نفسها وفي بداية تغلبها على مفاصل الدولة، والتأكد من أنها حقيقية وراسخة، وليست غضبا وانتصارا "للأناً" بسبب وقوع الفساد بعيداً عن سطوتها، أو جزءً من صراع الفاسدين فيما بينهم، أو صراع أجنحة داخل نظام "المخزن" أو صراع بين متنفذي اليوم والأمس، من أجل إزاحة فريق من الساحة لاستفراد آخر، أو تهيئة لنزول فريق جديد.
فمن الضروري الحذر الحذر، فمن التفاؤل  المفرط من هذه المناورات، التي غالباً ما تأتي في ظروف  استثنائية كالتي نعيشها الآن، من يوم تشكيل "لجنة التحقيق البرلمانية" "ومسار العدالة" وأخيرا "تدوير الفاسدين وظيفيا"، فلا يمكن الاستبشار بها قبل التأكد من أن الإجراءات المتخذة التي يجب أن تعبِّر عن نهج ثابت، وقائمة على قواعد راسخة ومن منظومة قانونية وعقد اجتماعي متفق عليه يحكم الجميع ويحتكم إليه الجميع  لا ظلم فيه ولاهضم، وليست موجة عابرة، أو مشروعاً شخصياً لتصفية الحسابات الآنية، أو غطاء لأجندات خاصة.
لا يمكن الاعتماد في مكافحة الفساد على وجود قوانين فقط، فغالباً ما تكون الدول التي يتنامى فيها الفساد تمتلك منظومات تشريعية شبه مكتملة بهذا الشأن، بل إن أنظمة وقوانين محاربة الفساد تكاد تتشابه في أغلب الدول، خصوصاً مع ارتباطها بالمنظمات العالمية والاتفاقات الدولية التي تُوجب على الدول سنَّ التشريعات، التي تحدُّ من الفساد، لجب التمويلات وطمأنة المستثمرين، فعلى سبيل المثال نجد القوانين الجزائية، قد تضمنت أغلب جرائم الفساد التي تنص عليها اتفاقيات الأمم المتحدة، لكن ذلك وحده لم يعد كافياً لمحاصرة الفساد، إذا لم تكن السلطة خاضعة للرقابة الشعبية، ومبدأ المراقبة والمحاسبة.
التي تملك حق اختيار وعزل ومحاسبة الحكومات، وهذا يستلزم وجود مؤسسات تتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار، فضلاً عن توافر الجدية والإرادة الصادقة من الأنظمة في تطبيق تلك التشريعات، وعدم الالتفاف عليها.
إن التحايل في محاربة الفساد له عدة أشكال وصور، أبرزها: إعاقة سير العدالة في قضايا الفساد، وهو أخطر من الفساد نفسه، لأن الفساد يكاد يقع في جميع الأنظمة، لكن التمايز بينها يكون في مدى تمكين العدالة من أخذ مجراها، وعدم خضوع المؤسسات القضائية والرقابة البرلمانية للإملاءات السياسية، ودوائر المتنفذين.
إن الحرب  الجادة على الفساد، يجب أن تكون جزءا من منظومة سياسية واجتماعية متكاملة، قائمة على الإصلاح السياسي ومنظومة قانونية وفاعلية الرأي العام "سلطة الصحافة"، من خلال تعزيز حرية التعبير، والشفافية في التعاطي مع ملفات الجرائم الاقتصادية، وتمكين قوى ومؤسسات المجتمع المدني، من لعب دورها بعيدا عن المزايدات السياسية وتكريس سلطة "المسؤول الاول" وذلك بكشف وتفكيك شبكات المتنفذين، وإطلاق الحريات السياسية، وسيادة القانون ودولة المؤسسات، وتعزيز قيم النزاهة والمكافأة والمحاسبة والشفافية،
 بعد ذلك يأتي دور المؤسسات المستقلة والتشريعات المنظِّمة
وفي ظل غياب كل ذلك لا يمكن التفاؤل بديمومة، واستمرار موجات محاربة الفساد، التي تهب  من طرف الحاكم بشكل مؤقت، وترتبط بشخصيات محددة، لتأتي وتذهب حسب المزاج والظروف،
لقد اهتزت حتما لدي الجميع ً كُل ادعاءات وحملات وشعارات مكافحة الفساد بتدوير المفسدين "ان الذين  يحاربون الفساد يجب عليهم تنظيف أنفسهم أولا"
 ننتظر تطورات هذه الأيام  من استدعاء العدالة للرئيس السابق والمسئولين في نظامه في ملفات جرائم الفساد، تنتظر "وإن غدا لناظره قريب"

احمدعبد الرحيم الدوه