التغيير المنشود في بلد "المليون سياسي"  .. هل تفرض النخب المتنورة إرادة التغيير نحو الأفضل ؟

سبت, 06/03/2021 - 20:07

تبدو نخب بلد "المليون سياسي" مواكبة لكافة المستجدات في الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في موريتانيا، حيث تعلق وتنتقد وتقوم وتقيم وتوجه كل خطوة يتبناها صناع القرار، بما في ذلك قرارات التعيينات المختلفة وتبني المواقف السياسية من مختلف القضايا التي تهم البلد، فضلا عن تقييم وتقويم كافة السياسات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها وذلك عبر تسجيلات صوتية على الواتساب وتدوينات موقعة على الفيسبوك وتغريدات "موثقة" على تويتر، فضلا عن توزيع ونشر الصور والفيديوهات التي تخدم تلك المواقف التي تبناها مثقفو ونخب الشعب من مختلف المستويات.

ولا شك أن لمثل هذه الانتقادات الموضوعية تأثيرها البالغ، بالنسبة للدول الديمقراطية، التي تحترم المواطن وتهتم لرأيه واهتماماته الموضوعية. وبالتالي فإن مثل هذه الانتقادات، التي لا تخلو منها الصحافة المهنية الملتزمة، هي وجه آخر من أوجه التقويم والنقد الإيجابي الذي يعتبر ظاهرة صحية على الحكومات أخذها بعين الاعتبار بما في ذلك الانتقادات الموجهة لرموز الأنظمة الذين يتوارثون المناصب دون أي مردود إيجابي على المواطن.

انتقاد سياسات تدوير رموز الفساد

وقد حظيت التعيينات الأخيرة وتبادل المهام وإعادة الاعتبار لرموز "مقاتلة" من شخصيات نظام الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز، بانتقادات واسعة من عدد كبير من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين عبر الواتساب والفيسبوك وتويتر، وكمثال على ذلك، ما تناولته رئيسة "معيلات الأسر" من تقييم ونقد لإزاحة "الإطار الكفء الشاب محمدن ولد المختار ولد داداه من منصبه الدبلوماسي وإحلال أحد أكبر "متملقي نظام عزيز محله" دون أي مبرر منطقي" وهو برأي منتقدي التعيينات المذكورة، وجه من أوجه إعادة تدوير رموز الفساد، حيث تعتقد هذه النخب أن صناع القرار يجهلون الأطر والكفاءات الشابة التي بمقدورها ضخ دماء جديدة في مختلف القطاعات، ويستغرب هؤلاء كيف أن البلد يصرف على آلاف الأطر الذين تخرجوا ويتخرجون سنويا دون أن يحظوا بفرصة خدمة بلدهم واستفادته من كفاءاتهم ونزاهتهم، فقط لأن سياسة التدوير هي المتبعة منذ نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

ويتساءل مثقفو المجتمع عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن أسباب اعتماد سياسة تدوير رموز الأنظمة السابقة بما في ذلك أصحاب السوابق في نهب وسرقة موارد الشعب وثروات الوطن والإثراء الفاحش منها، ليجد أصحاب السوابق هؤلاء أنفسهم في مناصب جديدة ربما أكثر أهمية من مناصبهم السابقة.

وتنتشر في هذه الفترة ظاهرة انتقاد سياسة تدوير رموز العهود المنصرمة، سواء من خلال المقالات والمعالجات في وسائل الإعلام أو عبر التسجيلات الصوتية المكثفة لمختلف الفاعلين فضلا عن التدوينات والتغريدات التي تعتبر تفشي هذه الظاهرة مؤشرا على أنه لا يوجد تغيير حتى الآن في سياسة النظام كما لا يوجد مؤشر على إرادة التغيير نحو الأفضل

تعيينات لا تخدم إرادة التغيير

ورغم امتداح أغلب هذه النخب لبعض التعيينات التي شهدتها بداية حكم الرئيس محمد ولد الغزواني، وخاصة ما تعلق منها بتعيين بعض أصحاب الكفاءات الذين لا سوابق لهم في نهب المال العام، ورغم حاجة بعض أولئك إلى التجربة المهنية التي تحصنهم من الانزلاق في ممارسة مهامهم الجديدة، نجد أن أغلب نخب الساحة الوطنية ينتقدون بشدة أغلب التعيينات الأخرى والتي أعادت بعض رموز الفساد إلى الواجهة بما في ذلك وزراء وسفراء وكبار مسؤولين ممن لم يتورعوا قط في استباحة المال العمومي وهو ما جعل نخب الشعب الجريئة تسمي هؤلاء بأسمائهم وسوابقهم وبالتفاصيل المملة بما لا يترك أي مجال للإبقاء عليهم في مناصبهم حين تكون هناك بالفعل إرادة سياسية جادة للبناء والتنمية اعتمادا على الكفاءات النظيفة، ويؤكد ممثلو الرأي العام، كما يمكن أن نسميهم، أن تعيينات كهذه لا تخدم إرادة التغيير ولا عملية البناء والتنمية المنشودة

التنكيت السياسي وسيلة الشعوب المكبوتة للتعبير عن مكنوناتها

ويلجأ أغلب المثقفين والنخب إلى استخدام النكت السياسية للتعبير عن رفض الواقع وإدانة مسلكيات بعينها، وهي نكت تحمل دلالات قوية لا تقل في شحناتها عن دلالات الكاريكاتير الساخر، بل إنها تحمل المتلقي على الضحك بمرارة، وهي وسيلة تستخدمها كافة الشعوب التي تعاني من كبت الحريات والمساومة على مستقبلها ومصيرها في الأنظمة القمعية.

ومن الأمثلة البسيطة على ذلك تلك النكت التي انتشرت بعد حوالي عام من تنصيب رئيس الجمهورية، حيث تقول إحدى النكت المتداولة بعد عام فقط من تنصيب الرئيس ومع تلهف المواطنين لسماع رأي الرئيس وموقفه من الواقع وما ينوي تحقيقه واستغراب الشارع لصمت الرئيس رغم بعض التجاوزات الكبيرة مثل حادثة البنك المركزي والسطو على مكاتب إدارة الميزانية والمحكمة العليا، وغيرها من الأحداث التي تستدعي حديثا أو موقفا معلنا من رئيس الجمهورية، " غريب أمر من ينتظر من صاحب عام واحد أن يتكلم" في إشارة إلى أن الطفل لا يمكن أن يتكلم وهو في عمر سنة واحدة.

ونكتة أخرى تقول: "إن الذين رضعوا من ثدي واحد يظلون محارم إلى الأبد" في إشارة إلى أن جل النخب السياسية الحاكمة والمتموقعة في مراكز القرار رضعوا من حليب موريتانيا التي تعتبر في هذه النكتة بمثابة البقرة الحلوب بالنسبة لنخب الفساد وبالتالي فسيواصلون سياسة التدوير وتبادل المناصب الحساسة في البلد دون غيرهم ... إلى غير ذلك من النكات السياسية العميقة الدلالة

كما تقول نكتة أخرى تعليقا على فيديو أخلاقي متداول لأحد رموز حزب (تواصل): إن "تواصل يوصي قياداته باقتناء هواتف نبيقو ونوكيا الظواية بعيدا عن الهواتف الذكية للحفاظ على ما تحت النخلة"

ولا شك أن للنكتة دورها البارز في التعبير عن خلجات ومكنونات الشعب الذي ابتكرها، فهي وليدة الوضع العام الذي يعيشه المواطن وتدوين للأحداث الهامة التي تمر به، لذلك لا بد من التعاطي معها بقدر كبير من الجدية من أجل تلبية احتياجات وأولويات المواطن تفاديا لرأي عام ساخط متمرد.

هل تفرض النخب التغيير الجذري ؟

ولا شك أن النشر بهذه الطرق السلسة يخلق رأيا عاما واعيا ومتتبعا لأهم الأحداث الوطنية سياسية واقتصادية واجتماعية، ويتيح للمتلقي تقييم وتقويم الوضع العام، فمن يسمع مداخلة صوتية لأحد المتخصصين في الصحة وهو يتحدث عن الواقع الصحي في بلدنا سيخرج بانطباعات معينة وبمعلومات جديدة ليست مثل تلك التي يتلقاها من المصادر الرسمية، كما أن من يستمع لتسجيل صوتي أو تدوينة لمتخصص في قضايا الزراعة من هذه النخب الغيورة على البلد ومستقبله سيخرج بانطباعات جديدة وبمعلومات ليست مطابقة لتلك التي يسمعها من المصادر الرسمية، كذلك من يسمع ويقرأ معلومات ووثائق عن وزير في الحكومة تتحدث مثلا عن تاريخه في تسيير مرفق عمومي واختلاسه لموارد ذلك المرفق العمومي سيستغرب كيف يتيح له صناع القرار فرصة أخرى لنهب المزيد رغم وجود آلاف الكفاءات المغيبة من أبناء هذا الوطن؟!

ولأن وسائل الإعلام الخاصة الملتزمة ووسائط التواصل الاجتماعي وما تحمله من رسائل تقييم وتقويم ونقد وتوجيه خلقت رأيا عاما جديدا، وأصبح كل مواطن عضوا في إحدى اوبعض المجموعات المتخصصة على الواتساب، على الأقل،  أو متصفحا ومدونا في الفيسبوك او تويتر أو تطبيقات الصور، فإن الحاجة ملحة إلى الاستماع إلى آراء ومواقف وتطلعات هؤلاء لأنها تمثل التوجه العام ولا يمكن الالتفاف عليها أو تجاوزها، خاصة وأن جمهورها في تزايد يومي، تنتقد وتقيّم وتشيد بالمنجز وتسلط الضوء الكاشف على من ينهبون ثروات الوطن.

لذلك يتوقع مراقبون أن درجة الوعي في المجتمع الموريتاني أصبحت عالية وأن فرض التغيير أصبح مسألة وقت فحسب، وإذا كان النظام واعيا بكل تلك التفاصيل فإنه سيسبق هذه النخب لإرساء دعائم تغيير جذري يلبي تطلعات المواطن المشروعة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية بشكل عام.

أحمد ولد مولاي امحمد

العدد 635 من يومية التواصل بتاريخ 04 مارس 2021