لنتفادى محاسبة التاريخ

سبت, 06/03/2021 - 20:00

مثلما نحاسب اليوم من نتهمهم بالعبث بمقدرات الأمة وموارد البلد وخيرات الوطن، ومثلما حوكم قادة ورموز أنظمة في عدة بلدان وأصبحوا عبرة بعدما سادوا واستبدوا، علينا أن نستوعب دروس التاريخ وأن ندرك أن المحاسبة ستطال كل من تورطوا أو قد يتورطون في فساد سابق أو لاحق، لأن الشعوب لا يمكن أن تبقى باستمرار مستكينة وخانعة ومغفلة إلى الأبد، فسيأتي اليوم الذي يقف فيه كل المسؤولين عن فقرنا وتخلفنا وجهلنا ومعاناتنا وتجويعنا أمام قفص الاتهام ليدافعوا عن أنفسهم، وساعتها سيتدافعون المسؤوليات وسيقول الجميع إن الرأس هو المسؤول وهو الآمر الناهي رغم منحه الصلاحيات شبه المطلقة للمرؤوسين.

حين نُسيّر البلد بنية الاستقامة وإرادة التغيير والبناء، ومحاكمة المفسدين "الآن وليس غدا" فسيكون الأمر أهون لأننا نسير في الطريق الصحيح، ذلك أنه من دون محاسبة المفسدين اليوم قبل غد فإن ما اقترفوه سيصبح مسؤولية من يتغاضون عنهم ممن جاؤوا بهم إلى حيث أساؤوا ونهبوا وتعالوا على المواطنين واعتبروهم سخرة وقطيعا يأتمر بأوامرهم لا شعبا حرا أبيا هو صاحب الشأن.

أتمنى أن نرى نظامنا الوطني وهو يدير مختلف ملفاتنا الحساسة بكل حكمة وروية وصرامة معا، حتى لا يترك لمن تعودوا على نهب ثروات الشعب فرصة أخرى للعودة لتلك الممارسات المشينة والتي آن لها أن تتوقف وآن لأصحابها أن يقفوا خلف القضبان وليس وراء ألقاب المعالي والسيادة.

إن محاكمة عشرة من كبار المسؤولين اليوم بسبب "تجاوزات بسيطة" سيكون له كبير الأثر على استقامة باقي المسؤولين وعلى حسن وتميز الأداء خدمة للبلد ولتطلعات شعبنا الذي هو مبرر توزير هؤلاء وتنصيب أولئك. وما لم يستشعر شعبنا أنه أصبح يملك حكومة خادمة فلن يتحقق الهدف الذي من أجله تم انتخاب القيادة الوطنية التي نأمل أنها أكثر وعيا بمسؤولياتها من كل القيادات (الوطنية) السابقة.

لذلك، ومن أجل مستقبل أفضل وأداء يخدم مسيرة البناء والتنمية والإقلاع الاقتصادي المنشود، وإرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات، فإننا مطالبون بتفعيل قانون المحاسبة، ومبدأ العقوبة والمكافأة فقط لمن يستحقون هذه وتلك. ذلك إذا أردنا تفادي محاسبتنا غدا، فالشعب أصبح أكثر وعيا بحقوقه وبواجباته، ولن يقبل أي تجاوز مهما كان حجمه من أي مسؤول أيا كان موقعه، لأنه يحترم من انتخبهم لكنه لم يعد "يقدسهم" بكل تأكيد، ولا يزكي من سياساتهم إلا المنجزات البيّنة.

زاوية بلا قناع العدد 635 من يومية التواصل بتاريخ الخميس 04 مارس 2021