تحديات جدية تواجه نظام غزواني ... من يصنع الأزمات المتفاقمة في بداية عهدة الرئيس ؟

أربعاء, 13/01/2021 - 20:58

يواجه نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تحديات وأزمات متفاقمة في مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية وملفات عدة بعضها يتعلق بتسيير ملفات حساسة ليس أكثرها تعقيدا ملف التحقيق مع الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز، وبداية ظهور معارضة سياسية من خلال بيانات تنتقد الأداء العام للحكومة وتعاطيها الأمني مع حق التظاهر والاحتجاج بالقمع (تفيريت، طلاب كلية الطب، محتجو البيئة ضد السموم في تيرس زمور ....إلخ) فضلا عن فضائح تتوالى ليس أقلها صدمة بيع إفادات خلو من فيروس كوفيد 19 لشخصيات نافذة مقابل 4000 أوقية جديدة لتمكينهم من السفر بها خارج البلاد رغم إصابة غالبيتهم بالفيروس. ؟!

وليست فضائح التسيير في بعض القطاعات سوى بعض نذر مواجهة حتمية بين الرئيس الغزواني وبعض سيئي الأداء في حكومته، كذلك تصاعد الانتقادات لنفوذ أقارب الرئيس واستغلالهم لعلاقتهم به في الاعتداء على حقوق ومصالح الآخرين وحتى في إقالتهم وتصفيتهم مهنيا، كل ذلك يؤشر على العودة إلى أخطاء الماضي ويقصي فرضية بناء دولة قانون ومؤسسات قوية تعهد بها رئيس الجمهورية قبيل انتخابه وفي برنامجه "تعهداتي"، فهل يدعم الرئيس هذه الاختلالات ويزكيها، أم أنه لم يكن على علم بها وهو بصدد مواجهة المسؤولين عن مختلف ملفات التأزيم المتنامية في مختلف القطاعات والمتاجرين بالنفوذ ممن يحسبون عليه؟

لوبيات تتحكم في قطاعات مختلفة ...

لا يخفى على أي مراقب للمشهد الوطني أن أغلب القطاعات الحكومية تسيطر عليها لوبيات تتحكم في تسيير مختلف ملفاتها وفق ما يخدم تحالفاتها داخل تلك القطاعات وخارجها، وهو أمر ليس سرا رغم الترويج لإصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطنين. فمختلف تلك القطاعات تعمل وفق أجندات تلبي أولويات تلك اللوبيات وتخدم مصالحها ويأتي المواطن في ذيل اهتمامها ولا يظهر له أي حضور في تلك الاهتمامات إلا إذا تعلق الأمر بالاستهلاك الإعلامي لتلميع أداء القطاع.

ولا شك أن ما يحصل من اختلالات في التسيير الإداري والمالي وفي العلاقات العامة يعكس غياب تنفيذ الخطوط العريضة لبرنامج "تعهداتي" الواعد، مما يعني أن هناك من يعملون ضد الرئيس وبرنامجه الإصلاحي وهو أمر لا يمكن أن يفوت الرئيس الفطن بطبعه والهادئ بطبيعته. لكن المواطن يتوقع أن يتحرك الرئيس لإعادة تصحيح المسار وإزاحة رموز لوبيات الفساد المتحكمة في مختلف القطاعات الحيوية خاصة مع بروز تجليات هذا الفساد وانعكاسه سلبا على المشهد العام وعلى سمعة الحكومة. ولا يمكن استثناء أي قطاع حيوي من هذه الظواهر المشينة التي لم تعد تصلح في هذه الظرفية المتميزة بالانحياز للمواطن في كافة المجالات كون مبرر وجود السلطة هو خدمة الشعب وليس العكس، بينما لا يكاد أغلب الوزراء يستقبلون أو يعالجون ملفات المواطن بطريقة مهنية وأداء فاحص يلبي التطلعات ويخدم التوجه المعلن والمتلخص في تقريب الإدارة من المواطن وجعلها في خدمته.

وزراء فوق الشعب ...

وعطفا على خدمة الإدارة للمواطن، نجد أن أغلب أعضاء الحكومة لا يميلون للاستماع إلى المواطنين عن قرب وتلبية احتياجاتهم، بل يعيش هؤلاء الوزراء في أبراج عاجية بعيدا عن هموم واهتمامات ومشاكل المواطنين، وحين تتم معالجة ملف معين فإن الوزير يحيله لتلك اللوبيات التي تراعي تنفيذ مصالحها ومصالح حلفائها داخل القطاع وخارجها قبل أي شيء آخر، وبالتالي فما يتم يُحسب على قاعدة الزبونية والمحاباة والجهوية والمصالح الضيقة غالبا.

لذلك فإن الإدارة توجد في وضع مترد ولا يمكن اعتبارها إدارة خادمة مع استثناءات قليلة وهو ما يستدعي إعادة تصحيح المسار الإصلاحي الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية قبيل وبعد انتخابه رئيسا لجميع الموريتانيين منذ أزيد من عام.

استقلالية القضاء ضرورة  تنموية ...

يواجه القضاة ضغوطا قوية من الجهاز التنفيذي تحول دون تحقيق العدالة وتطبيق القانون وتجسيد أسس دولة القانون والمؤسسات. فمثلا ترفض أغلب القطاعات الحكومية وعلى رأسها الوزراء أنفسهم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لمواطنين ضد هذه القطاعات، وبدلا من أن يدرك هؤلاء مغزى قاعدة عدم التنفيذ الجبري على الإدارة، والذي يعني أن الإدارة هي أول من يحترم القانون ويلتزم به وينفذه برضى وقناعة احتراما للسلطة القضائية ولقوانين الجمهورية، فإن الوزراء المتعالين على القانون يرفضون تنفيذ أحكام القضاء لأنهم "فوق القانون" لذلك لا يمكن أن نتوقع تجسيد دولة قانون ومؤسسات حقيقية وبعض أعضاء الحكومة يرفضون احترام الأحكام القضائية ويضربون بالقانون عرض الحائط، ورغم الرسائل الإيجابية للرئيس ووزيره الأول في هذا الصدد بضرورة تنفيذ أحكام القضاء واحترام القانون إلا أن رفض بعض الوزراء لذلك يعكس عدم التزامهم بتوجيهات رئيس الجمهورية والوزير الأول، بل وربما يعكس عملهم لخدمة أجندة متناقضة مع قيم ومبادئ تعهدات الرئيس الإصلاحية.

الجوع والفقر على حالهما ...

ولعل من أبرز التحديات المطروحة للنظام الحالي، مثل الأنظمة السابقة، استشراء الفقر والفاقة بين أغلب طبقات المجتمع ومن مختلف الشرائح والفئات التي لا دخل لها ولا تجد من "الدولة" أي دعم قار يذكر من مشاريع صغيرة مدرة للدخل وإسهام مباشر في تخفيف أزمتي الغذاء والسكن وتوفير الماء والكهرباء، حيث تعيش آلاف الأسر وكأنها في أحد العهود البدائية الغابرة تقيم في مساكن من الأعواد والأقمشة البالية بلا أدنى خدمات، وهو ما يدين جميع الأنظمة السابقة التي تعاقبت على الحكم وعلى نهب ثروات هؤلاء المواطنين دون تمكينهم من حد أدنى من فتات ثروتهم المنهوبة وهو ما يثير أكثر من علامة استغراب حول وجود الدولة ومبررات وجود الحكومات المتعاقبة

ورغم ذلك يسعى الرئيس الغزواني إلى العمل على تغيير وضعية هذه الطبقات المعدمة من خلال برامج مهمة تتضمنها تدخلات المندوبية الوطنية للتضامن ومحاربة الإقصاء "تآزر" التي بدأت قبل أيام في تشييد تجمعات سكنية حديثة لفائدة بعض هذه الفئات المحرومة من خيرات وطنها. كما قامت بتوزيع مساعدات مالية وغذائية لفائدة آلاف الأسر وبعض المبالغ المالية المتواضعة للتخفيف من آثار تفشي الموجة الأولى من جائحة كورونا.

ومع ذلك فإن الفقر على حاله ولا يوجد حتى الآن ما يمكن الاعتماد عليه في التخفيف من وطأة الجوع والفقر سوى انتظار أن تثمر البرامج التي تستهدف الفئات الهشة على عموم التراب الوطني وهي أولوية ملحة لدى الحكومة ومطلب رئيس لدى النخب المثقفة ولدى عامة الشعب.

ويبقى الأمل قائما في نجاح برنامج تعهداتي بمختلف محاوره ولن يتأتى ذلك إلا بمتابعة صارمة وتقييم مهني متواصل لمختلف مراحل تنفيذ محاور البرنامج الطموح الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية خلال الحملة الرئاسية المنصرمة وتعهد بتنفيذه خلال عهدته الأولى.

مسؤولون ضد نجاح "تعهداتي"

ومن المقلق أن يكون هناك من يتحدث عن وجود بعض المسؤولين المتموقعين في مراكز حساسة يعملون لإفشال برنامج رئيس الجمهورية ممن يعول عليهم في نجاح سياسته الإصلاحية، خاصة وأن بينهم مقربون منه ممن يفترض أن يثق في دعمهم له لتجسيد طموحه في الإقلاع الاقتصادي والنهضة الشاملة من خلال تنفيذ برنامج "تعهداتي"

ويرى مراقبون للمشهد الوطني أن أغلب هؤلاء يعملون لتنفيذ أجنداتهم الشخصية ولا يهمهم نجاح الرئيس من عدمه وهو ما قد يكون مبرر إجراء تعديل وزاري كبير يجري الحديث عنه منذ بعض الوقت.

ولعل إقصاء بعض الشخصيات الفاعلة في خدمة البلد ممن كانوا يطبقون القانون ويجتهدون في تنفيذ برنامج الرئيس الإصلاحي هو أحد الأدلة على وجود نافذين في السلطة يسعون جاهدين لإفشال تعهدات رئيس الجمهورية لشعبه. كما أن تتالي الأزمات والاحتجاجات ومظاهر التذمر الشعبي دون تدخل إيجابي لتطييب الخواطر وإظهار التواضع للشعب السيد هو نمط آخر من أنماط التعاطي السيئ مع عديد القضايا الوطنية، والذي قد يسفر عن تداعيات ونتائج لا تخدم جو الهدوء والسكينة اللذين ميزا عهد الرئيس الغزواني منذ توليه السلطة.

ولا شك أن الحديث عن تغييرات جذرية وجوهرية في مختلف القطاعات وفي توليفة الحكومة الحالية، والتي يجري الحديث عن أنها وشيكة، ستشكل بداية حلحلة للأوضاع في اتجاه إرضاء المواطن والتأكيد على أن خدمة الشعب هي الأولوية بوصفها مبرر وجود الرئيس والحكومة.

أحمد ولد مولاي امحمد

العدد 621 من يومية التواصل بتاريخ 12 – 01- 2021