مقابلات

الأميرة منى رسلان لــ “التواصل”: كلي فخر واعتزاز بالتعرف على موريتانيا وشعبها الطيب وأرضها الجميلة وأتمنى العودة

الدكتورة الأميرة منى رسلان هي أديبة وأستاذة نقد أدبي وعضو في اللجة الوطنية لليونسكو ببلدها لبنان الشقيق، شاركت في منتدى تمكين المرأة المنظم الأسبوع الماضي بنواكشوط، حاورتها التواصل بمناسبة زيارتها الأولى لموريتانيا حول الأدب والثقافة والتبادل الثقافي بين البلدين الشقيقين وانطباعاتها عن موريتانيا الثقافة والأدب والأرض، فكان الحوار التالي:
التواصل: الدكتورة الأميرة منى رسلان مرحبا بكم في بلدكم “بلاد شنقيط”، موريتانيا، وسعداء بهذا الحوار معكم، ترى كيف كانت صورة موريتانيا في مخيلتكم، وكيف وجدتموها في الواقع؟
د منى رسلان: في البداية أرحب بكم أنا وجدت نفسي في بلدي وجدت كل ترحاب مع كل محبة، أنا انطلق في أي زيارة وفي أي تمثيل لبلدي لبنان من منطلق التشارك الإنساني والمعرفي والثقافي لذلك فانطباعاتي هي انطباعات جيدة وإنسانية كما اكتشفت الكثير من الطاقات، وجمال هذا البلد الذي يمتد على المحيط وفي الداخل، وغدا (أمس الأحد) سأرى الداخل كما شاهدت الصحراء والبحر أي المحيط، سأشاهد أيضا بإذنه تعالى الترع وسأشاهد المناطق الخضراء في الداخل وأظن أن هذه البيئة المتنوعة بجغرافيتها تشي بتنوع على المستوى الثقافي والمعرفي والإنساني داخل هذا البلد.

التواصل: يقول متابعون للشأن العربي إن العلاقات الموريتانية اللبنانية في مجالات التعاون الثقافي يمكن أن تكون أفضل، ما رأيكم ؟
منى رسلان: نحن نعتبر كل البلدان العربية والتي نحن فيها من أصول عربية نتحدث اللغة العربية نتشارك الكثير من القيم الاجتماعية والإنسانية ونتشارك أيضا في الدين والهوية العربية والقومية العربية، لذلك عندما ما ننطلق في أي منتدى أو في أي ملتقى، وأنا أمثل لبنان وأمثل اليونسكو، ننطلق من فكرة التشارك لاكتشاف جمال التعاون والتضامن وترسيخ القيم الإنسانية و قيم المساواة والمحبة والتعاون، فإذن من ناحية المنتديات هي منتديات جميلة تفتح المجال أمامك أو أمامنا لنتعرف على الكثير من الطاقات الكامنة والطاقات الموجودة داخل أي بلد وداخل موريتانيا أنا تعرفت على الكثير من الجاليات العربية أيضا ومن المشاركين العرب ومن المشاركين الشابات والشباب المفكرين الأدباء الشعراء الدبلوماسيين في موريتانيا، وأيضا اكتشفت هذا التنوع الجميل الذي هو غنى حضاري.
بالنسبة للتعاون فهذا الأمر أيضا أظن بأن كل الملتقيات، مثل ملتقيات الشعر و النقد والمؤسسات المعرفية ومؤسسات السينما والمسرح، لذلك أظن بأنه علينا أن نشجع على إقامة الملتقيات في كل البلدان العربية وأيضا بين لبنان وموريتانيا، ونشجع دائما على المشاركة ونهتم بالمشاركين، وهذه المنتديات أو الملتقيات التي تنظم يجب أن نتابع مخرجاتها فهذا أمر جيد ومحفز وأيضا عمليا إشراك عنصر الشباب، الذي هو عنصر مهم جدا، كما أننا مطالبون بفتح الأفق أمامه لكي يشارك ولكي يؤهل نفسه للمستقبل حتى يتبوأ مراكز متقدمة في المجتمع.
التواصل: بصفتكم أستاذة مقرري النقد الأدبي المعاصر والحضارة، هل اطلعتم على نصوص شعرية وأدبية لشعراء وأدباء موريتانيين؟ وما هو تقييمكم للشعر في بلد المليون شاعر؟
د. منى رسلان: بلاد المليون شاعر هي بلاد جميلة فيها هذا التنوع العرقي والتنوع الفكري وأيضا هي ذات جذور عربية، ومن الواضح جدا بأنكم تتقنون اللغة العربية بشكل جيد وقد حافظتم عليها. وهذه إحدى القيم الأساسية في المجتمعات العربية أن تحافظ على لغتها وعلى لهجتها وعلى تقاليدها وعاداتها وتنقل تجربتها إلى الشعر والنثر والقصة والمسرح والموسيقى وكل أنواع الفنون والمعارف الإنسانية لنتشارك فيما بيننا.
لفتني بأن التراث الشعبي نقل مشافهة كما حفظت العرب في الماضي تراثها مشافهة، وعمليا حافظت على هويتها، يعني أن المجتمع الموريتاني حافظ على هويته وعلى لغته وعلى توجهاته الفكرية والدينية وعلى الاعتدال وأيضا حمل الشعر هذه الخصائص المحببة إلى قلب أي مستمع والتي تتحدث عن العواطف والأشجان و سيرورة الحياة الإنسانية بكل فاعلية.
فأنا أظن أننا نحتاج إلى قراءات معمقة وإلى منتديات معمقة تدرس بشكل جيد الإنتاج الفكري والمعرفي للأدباء والشعراء الموريتانيين، وهذه التجارب نتشارك فيها نحن وإياكم، وأيضا في المجتمعات العربية نتشارك ونتثاقف فيما بيننا.
لذلك هذا الإنتاج الذي حفظ مشافهة، وفيما بعد كتب، نقل ورخص لنا الكثير من القيم الإنسانية التي نتشارك فيما بيننا، لذلك على كل إنسان أن يشجع كتابة الشعر وأن يعمد إلى كتابة القصة ولا يخاف من كتابة القصة أو السرد وخصوصا أننا في مجتمع معولم فلا ضير بأن نعود إلى الماضي وأن نحفظ الماضي وأن نحافظ عليه وأن نحافظ على تراثنا وعلى لهجتنا وعلى لساننا العربي، ولكن في الوقت نفسه نحن مطالبون بأن نعصرن تجربتنا لأن العالم يتغير وتجربتنا نحن تتغير، لذلك فمؤسسات الشعر في كل الوطن العربي والمنتديات التي تعنى أيضا بالملتقيات، كالملتقى الذي كنت فيه والملتقيات الأدبية هي ضرورة ملحة لنتعرف إلى باحثين مجددين أو باحثين جدد، أنا دائما أقول بأن العنصر الشبابي عليه أن يشارك في كل المنتديات، ليس فقط بالحضور ولكن بالمشاركة الفاعلة وأن تستعرض أمام المنتدبين أو الحاضرين أن تستعرض شعرها ولا ضير في ذلك إطلاقا فمع التجربة تكبر وتكبر تجربتها وهذا شيء جميل.
التواصل: تعلمون أن المرأة الموريتانية تقلدت مناصب سامية بما في ذلك وزارات هامة كالخارجية، ووصل الأمر إلى أن بلغ عدد الوزيرات أحيانا حدود ثمانية في حكومة واحدة، برأيكم هل يعتبر هذا الإنجاز جزء من التمكين للمرأة وخاصة المرأة العربية ؟
منى رسلان: إذا قمنا بمراجعة تاريخية عبر الحضارة العربية لوجدنا بأن المرأة قد تبوأت مراكز متقدمة منذ الجاهلية إلى صدر الإسلام إلى الدول المتتابعة إلى العصر الحديث، في بعض الأحيان قد يتراجع دورها وقد يتقدم، ولكن وجدنا نحن كما نجد الكثير من النساء أيام الحروب، فالمرأة هي التي تساند وهي التي تقدم الشهداء وهي التي تحمى المجتمع وهي التي تربى، وهكذا فالمرأة تستطيع بكل سهولة وبكل يسر أن تفهم من خلال الطاقات المتوافرة لديها وتشتغل على نفسها والرجل هو مساند أساسي في المجتمع، والملفت أنها تبوأت في موريتانيا مراكز متقدمة على الصعيد السياسي ومن الممكن في إطار التشارك الحزبي أو ضمن المنتديات أو ضمن الجامعات وهذا أمر ملفت، ولا يلغي عمليا، يعني تشاركها بالحياة العامة لا يلغي دورها الأسري التربوي التحفيزي والتشجيعي، إذن هذه تجارب مهمة جدا وأنا أشجع النساء في الوطن العربي أن تتقدم، وإذا آمنت المرأة بكل قدراتها وأثبتت ذاتها فهي تستطيع أن تتقدم مجتمعيا وتتقدم سياسيا في أي دولة وتكون على قدر مسؤوليتها.

التواصل: ظل الأدب العربي في خدمة القضية الفلسطينية، هل برأيكم تراجع الاهتمام بهذا الأدب أم انحسر في بلدان بعينها؟

د.منى رسلان: القضية الفلسطينية هي قضية هوية وقضية وجود، وعلينا أن نواصل المحافظة على التمسك بهذه الأرض التي سلبت منا جميعا، لأنها لم تسلب فقط من الشعب الفلسطيني بل من كل مواطن عربي. نحن نؤمن بأن القضية الفلسطينية ستعيش ونؤمن بأن الشعب الفلسطيني سيبقى، كما كل الشعوب العربية، وكما الشعب اللبناني نتعرض للكثير من المطبات والتحديات على الصعيد السياسي والفكري والإيديولوجي والمجتمعي والاقتصادي وعلى مستوى الأمن الغذائي وحتى على الصعيد الوبائي بكورونا، كما أننا نواجه تحديات التكنولوجيا والأمن السبراني، وهكذا فلدينا الكثير من التحديات ولكن ضمن هذه التحديات علينا أن لا نخسر أبدا ارتباطنا بالأرض، لأن ارتباط الإنسان العربي بالأرض وبالقضية الفلسطينية هي مسألة وجود إنساني وحق لتقرير المصير.
نقل الشعراء والأدباء والكتاب الصحفيون المعاناة الفلسطينية للأدب، ولا يمكننا القول إن هذه التجربة قد ضمرت، فأنا في الماجستير تحققت ودرست الماجستير في الجامعة اللبنانية فكانت تجربة جبرا إبراهيم جبرا في كتابة الشعر ومنذ ألق من شهر قمت بكتابة بحث عن شاعرات فلسطينيات، إذن لدينا تجارب كثيرة وهي منتشرة في مختلف بقاع العالم العربي وحتى على مستوى العالم. إنهم يؤمنون بأن على الإنسان أن يبقى متصلا بالأرض ونحن نؤمن بجذورنا وبحضورنا، ولا نستطيع أن نخسر هذه الأرض خصوصا وأنها سلبت منا بغير وجه حق، وجرى تزوير التاريخ وأمامنا الكثير من التحديات.
إن نقل المعاناة الإنسانية إلى الأدب رسخ القضية الفلسطينية وشجع الكتاب على الكتابة أكثر.ولا أعتقد أن الموضوع يرتبط ببلد معين أو بفئة معينة تكتب عن الشعب والقضية الفلسطينيين، لأن هذه القضية عبارة عن تجربة إنسانية جميعنا نتشارك ونتفاعل من مختلف الفئات مع القضية الفلسطينية ومع كل بلد عربي يتعرض لهزات وأمات معينة.

التواصل: شاركتكم في مؤتمر تمكين المرأة المنعقد بنواكشوط، ما هي انطباعاتكم عن هذا المؤتمر وهل كان ناجحا برأيكم؟

د.منى رسلان: بمجرد أن أقيم المؤتمر فهو ناجح، لأنه استقطب الكثير من الأعضاء من مختلف الدول العربية، ونحن دائما نشجع على إقامة المؤتمرات والمنتديات لأنها تمكننا من التعرف على الخبرات التي تتم عبها شخصيات مختلفة من العالم العربي كما نكتشف الطاقات الكامنة في العالم العربي التي هي غافلة عنا ونحن غافلون عنها، فضلا عن أن المخرجات لكل هذه الملتقيات تمثل غنى معرفيا وثقافيا وإنسانيا وحضاريا وفكريا ، وأنا أشجع دائما على إقامة الملتقيات وعندما تتاح لي الفرصة فإنني أشارك بكل سرور، ففي “ملتقى تمكين المرأة المبدعة في البلدان العربية . التحديات المستمرة والناشئة” قدمت بحثا حول الإبداع النسائي في مواجهة سلطة المرجعيات التقليدية ولكنني قلت في عنوان فرعي إنني أنطلق من الهدم الاجتماعي إلى الاندماج وإلى التطور “نساء رائدات من وطني” وقد استعرضت بصفتي عضوا في اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو في ورقتي البحثية وانطلاقا من مسؤولياتي التربوية الاجتماعية الثقافية والتنويرية والبحثية الإنسانية وعنايتي بقضايا المرأة العربية والطفولة والحوار بين الأديان، انطلقت من فكرة تنوير المجتمعات كي لا ينخرط الأفراد في ما يشبه الصراعات المنطقية أو اللا منطقية كي يتشاركوا في ترسيخ القيم الإنسانية فيما بينهم وترسيخ الديمقراطية من خلال إيجاد مجال للحوار والتفاهم فيما بيننا ضمن أنظمة وقوانين والمحافظة على شرعة حقوق الإنسان والطفل وحماية بعضنا البعض وخصوصا في مواجهة ما تفرضه علينا العولمة اليوم والمنصات التكنولوجية من انفتاح أو من تهديد وخصوصا في ظل هذا الصراع المتنامي حول الموارد الموجودة في بلداننا العربية.
انطلاقا من عمل اليونسكو الساعية دوما إلى إيجاد أدوات تعليمية لمساعدة الناس على العيش كمواطنين على تنوعهم واختلاف مشاربهم وتنوع تقاليدهم وعاداتهم، وهكذا استهدفت المنظمة برامج خمسة أساسية تعنى بالعلوم والتعليم وبالعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والثقافة والاتصال والإعلام
وهكذا فقد استعرضت في ورقتي البحثية تجارب نساء رائدات من لبنان وقلت بأن الصيرورة العملية للنساء العربيات استطاعت أن تنتج مجتمعا قابلا على العلم والتعلم والانخراط في مسيرة الحياة من دون خوف على مسارها التاريخي فلذلك تجدها تتفاعل وتحاول أن تتشارك على الرغم من محافظتها على عاداتها وتقاليدها وصيرورة حياتها التي تحبها، إذن هنا استطاع دور المرأة العربية من خلال العملية التطويرية لحضورها وإيمانها بذاتها أن ومن خلال ممارستها الحية والفاعلة في المجتمع أن تقدم نموذجا مختلفا للهوية الفردية ومنها المجتمعية وأن تحفز ذاتها والآخرين في مختلف مجالات الحياة ، لذلك استعرضت تجربة نساء رائدات من لبنان حيث أضأت على تجرية السيدة رولا الطبش وهي نائب من لبنان وذلك في دراسة القوانين التي أقرت وهي التي تشتغل في الحقل العام وليس الحقل القانوني وتشتغل مع المجتمع واكتشفت هذه المرأة التي تعمل في كل الميادين أينما كنت تجدها، وهي تعمل دائما في خدمة المجتمع وتطويره. كما تناولت في هذه الورقة الطويلة تجربة ماري خوري وهي إنسانة أقعدتها الحرب بفعل رصاصة ولكنها استخدمت مسندا ليدها التي لا تستطيع أن تحركها وأخذت ترسم أجمل اللوحات واستطاعت أن تجد حافا معينا لحياتها وأصبحت من السيدات الفاعلات اللواتي يؤثرن في المجتمع وفي كل الشباب والصبايا حتى لا يقف الإنسان عند حدود معينة وأن لا يدع للمشكلة الجسدية أي تأثير على أدائه وتطوره وإسهاماته الإيجابية. كما تناولت هذه الورقة عددا من النساء الرائدات الأخريات مثل لينيا كليكان ونوال الأشقر

التواصل: هل لديك كلمة لموريتانيا ؟

منى رسلان: انطلاقا من ملتقى الرائدات المبدعات في الوطن العربي تشاركت مع النساء من الوطن العربي وكذلك مع السيدات الموريتانيات وكذلك الرجل في مجمل الميادين المعرفية والثقافية وأيضا حول تمكين المرأة المبدعة، كما تعرفت على شباب وصبايا موريتانيين ومفكرين وفلاسفة وأساتذة جامعات وقد وجدت أن الشعب الموريتاني شعبا محبا محافظ على أصالته وهويته وعلى هذا التنوع الفكري والاعتدال والمحبة، وشعرت بحفاوة بالغة واهتمام وهو ما نبحث عنه باستمرار وخاصة التعاون والمحبة وغيرتنا على بعضنا البعض وعلى مصالح بعنا البعض، وأيضا على نشر المعرفة والثقافة والمحافظة على مجتمعاتنا لأنها جزء من المحافظة على أنفسنا، وكلي فخر واعتزاز بأن هذا الملتقى فتح لي بابا للتعرف على موريتانيا بشعبها الطيب وأرضها الجميلة وأتمنى أن أعودة في ملتقيات أخرى لأوثق عرى التواصل أكثر فأكثر لأن هذا يمثل غنى معرفيا وإنسانيا بامتياز؟
أجرى الحوار: عبد الله الشيباني

زر الذهاب إلى الأعلى