مقالات وآراء

هل يشكل حوار غزواني منعطفا سياسيا أم مجرد جرعة تخدير ؟ / شيخنا محمد سلطان

لطالما دعت أحزاب المعارضة و جمهور النخب إلى حوار جامع بين السلطة والمعارضة لإخراج البلد من المأزق الذي يتردى فيه منذ انقلاب 1978.
ليست المرة الأولى التي يتنادى فيها الفرقاء السياسيون إلى الحوار لكن العبرة ليست في عقد الحوارات التي هي أنجع السبل لحل القضايا الشائكة وصمام الأمان من انزلاق الحكم إلى شعب الشمولية والديكتاتورية بل في مخرجاتها ومدى التزام السلطة بتنفيذ نتائجها.
تحاور المرحوم المختار ولد داداه مع الكادحين فخرج المتحاورون بقرارات مهمة عززت من سيادة الدولة و أنهت تبعيتها الاقتصادية والمالية لفرنسا وأممت الثروة المعدنية وصححت العلاقة بين السلطة والمعارضة الشبابية بإشراك هذه الأخيرة في السلطة، على الرغم من أن ملفات أساسية بقيت عالقة إلى اليوم.
بعد انقلاب 1978 اختل المسار وانفرد العسكر بالسلطة و أصبح مجرد التعبير عن الرأي جريمة قد تؤدي بصاحبها إلى السجن في أحسن الأحوال، و ساد منطق الفرعنة ( أنا ربكم الأعلى ) إلى أن دخل النظام العسكري الطائعي في أزمات معقدة ذات أبعاد متعددة لجأ فيها إلى التنفيس من خلال إرساء نظام “ديمقراطي تعددي” شكلي في مظهره دون أن تتغير نظرة الحاكم إلى الشركاء السياسيين فأملى دستوره ونمط حكامته و ظل متمسكا بخيوط اللعبة الديمقراطية ضاربا عرض الحائط بأي شكل من أشكال الحوار مع معارضيه.
كان أول حوار جدي يشرف عليه العسكر، ذاك الذي نظم فترة حكم المرحوم إعل ولد محمد فال، فأحدث تغييرات على التجربة الديمقراطية لكن بقيت الملفات الاقتصادية والاجتماعية نائمة في الأدراج.
و منذ مجيئ الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني انتهج أسلوبا مغايرا لأسلافه من الحكام العسكريين من خلال انفتاحه على المعارضة التي لم تستطع للأسف التمييز بين الانفتاح والتفتح فاختارت الطريق الثاني نهجا في علاقتها مع السلطة فكانت كمن ساق نفسه إلى الهلاك، فرضيت بالامتيازات على حساب المبادئ وحط الكثير من رموزها عصا النضال مستظلا بظل البلاط ليقتات على فتات موائد الحاكم.
أصبح الطريق سالكا لبروز جيل جديد من المعارضين في مواجهة موزاييك من الموالين مختلف في كل شيئ، أجيال متعددة تحمل أفكارا مختلفة و تجارب متعددة وأنماط تفكير متباينة فيها رجال الدولة العميقة و أباطرة المال و تجار النخاسة السياسية و مهندسو الانقلابات ومنظروها من المدنيين. الكل تنادى إلى القصعة ليلتهموها بشراسة.
ولما أصبح الصراع حول السلطة أشد خطرا عليها من صراعها مع معارضة لا تزال في طور الأجنة ٱثر الرئيس غزواني الدعوة إلى حوار جديد لا يستثني أحدا ولا يضع فيتو على أي موضوع لكنه اختار له منسقا من رجالات الدولة العميقة و من قيادات تيار سياسي يرى الكثير من الموريتانيين أنه يتحمل وزر كل الأنظمة الفاسدة التي تعاقبت على البلد لما كان له من تأثير على أغلب الرؤساء العسكريين المتعاقبين على البلد ؟
لكن المشكل ليس في من سينسق و إنما في:
من سيدعى إلى الحوار ؟
وما هي المواضيع التي ستكون قيد التحاور ؟
و مدى إلتزام السلطة بتنفيذ مخرجات الحوار و ما هي ضمانات التنفيذ ؟
ثمة قضايا لا يمكن لأي حوار جاد يراد له النجاح أن لا يضعها على طاولة المتحاورين ألا وهي :
إشكالية العسكر والسلطة.
التحالف العسكري الرأسمالي القبلي ودوره في تدمير الدولة.
صيانة الهوية الوطنية وعوامل تعزيز الوحدة الوطنية.
قانون الأحزاب الجديد.
الإصلاح العقاري.
التوزيع العادل للثروة.
الإرث الانساني في إطاره الشمولي.
محاربة الفساد (السياسي ، الإداري و الأخلاقي ).
أسس التعايش المشترك.
مكافحة الهجرة غير الشرعية ومراجعة اتفاق الهجرة مع الأوروبيين.
القروض الخارجية وٱثارها المدرة على التنمية.
تأميم الثورات المعدنية.
البطالة وسبل مكافحتها.
الصناعة وأفق تطويرها.
صراع الأجيال داخل جهاز الدولة.
التهميش والإقصاء واستئثار بعض المجموعات أو الأسر بالنفوذ والامتيازات الاقتصادية.
أما المتحاورون، فيجب إشراك كل الأحزاب المشرعة والتي هي قيد الترخيص و المثقفين والاعلاميين و المجتمع المدني والنقابات وأرباب العمل والتجار.
نحن اليوم على مفترق طرق إما ان نرسم معالم إعادة تأسيس دولة تقوم على قيم المواطنة و ترتكز على أسس من العدل أو نستمر في إعادة إنتاج ازمتنا التي لم تعد قابلة للتشكل و لا إعادة الانتاج.
شيخنا محمد سلطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى