مقالات وآراء

الحوار والتنمية والتطرف والإرهاب / المهندس باسل قس نصر الله

إن الحوار بين المجتمعات الإنسانية التي شكّلت الحضارات – وأخص الحوار بين الأديان – يؤدي إلى السلام المجتمعي وهو بدوره يؤدي إلى الاستقرار، ومن الاستقرار تأتي التنمية التي تطوِّر هذه المجتمعات، فالدين هو أحد أهم مفاتيح الاستقرار.

إن للدين أثر مهم في تهدئة أو تجييش الناس، وإن ذلك يساهم في إقامة السلام أو الاقتتال في عالمنا، كما أنه لا يمكننا إنكار الدور الذي تضطلع به الأديان في تكوين الثقافات وتالياً الحضارات.

لا يجب أن ننسى بأن رجال الدين – أي دين – هم الذين كانوا في أكثر الأحيان في طليعة حركة اليقظة الفكرية في أوروبا وفي البلاد الإسلامية – إن صح التعبير- حيث مارسوا ما يشبه الاحتكار للثقافة والمعرفة، وقد وَجَدَتْ لهما ملاذاً في الأديرة ودور العبادة الدينية بأنواعها المتعددة، التي لن يطول الأمر ببعضها حتى تتحول إلى جامعات. وقد أصبحت هذه “الاديرة والمساجد ودور العبادة” مراكز إشعاع في طول أوروبا وعرضها.

إن الدين كان ذا مقامٍ مركزي في التطور منذ أن ظهر النوع الإنساني، وسيستمر في بقائه في مركز أي تقدم ثقافي قد نُحقِّقه الآن وفي المستقبل، كما أن الدين هو في جميع الأحوال عنصر أساسي في تكوين المجتمعات البشرية وفي تنميتها بشكل مستمر، فحتى نهاية القرون الوسطى شكل الدين النواة الصلبة في جميع الثقافات، وبالتالي لعبت السلطات الدينية دوراً أساسياً ليس فقط في الشؤون الروحية لأتباعِها، بل أيضاً في شؤونهم الدنيوية.

ولذلك، يجب علينا أن ندفع الشباب إلى معرفة الأديان، ونساعدهم على خلْقِ بيئة حوارية، لأن مبدأ الحوار والتلاقي والتعاطي الإيجابي الهادئ والهادف بين العائلات الروحية – وبشكل خاص الإسلام والمسيحية – ومع مختلف التيارات السياسية والقوى الوطنية والمؤثرة وكبار رجال الدين والسياسة والفكر والثقافة يؤدي إلى جيلٍ قادر على لعب دوره التاريخي والحضاري والتنموي في العالم.

كما أن الإيديولوجية المستندة إلى الدين هي إيديولوجية واسعة الانتشار لكون ثقافة الكثير من المجتمعات تستند بشكلٍ أساسي إلى الدين – وأخص الإسلام والمجتمعات المسيحية البروتستانتية – الذي يمثل عنصراً تكوينياً من عناصر الهوية الوطنية والقومية للمجتمعات.

لكن ضيق هامش الحرية والديمقراطية في الكثير من بلدان العالم، لم يُتح المجال للتعددية الدينية والحوار الديني لأن تأخذ مَداها، بل على العكس، حَاصَرَ الجميع وبخاصة الأقليات “الإسلامية في المجتمعات ذات الغالبية المسيحية أو المسيحية في المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية وغيرها”، وأدّت إلى شعورها بالغربة وتوجهها نحو الهجرة الجسدية والروحية عن بلادها وعن قضاياها.

كما أن المجتمع بمؤسساته الدينية والدولة بمؤسساتها الثقافية – والحوار جزء منها – هي التي تتحمل المسؤولية عن جهل الناس بتاريخهم، والمسائل المتعلقة بالقيم الأساسية والمعتقدات الدينية دائماً ما تحتاج إلى وقت طويل لتسويتها لتفادي إعادة إيقاظ الصراعات القديمة.

فالتطرف الديني ليس مشكلة معرفية فحسب، بل هو مشكلة اجتماعية وسلوكية وتربوية واقتصادية ومؤسساتية وثقافية وتاريخية ودولية، وأستطيع أن أقول أن زيادة التطرف تتعلق بعدم الحوار بين مختلف معتنقي الديانات.

إن الغالبية العظمى من الدول ذات السيادة اليوم هي مجتمعات متعددة الثقافات. ومع ذلك، يبدو آن العقبات أمام إدماج العرقيات والتقاليد الثقافية المختلفة والمشكلات المتعلقة بالأقليات الدينية واللغوية داخل حدود الدول ما زالت قائمة لم تُحل سياسياً على الرغم من وعود الديمقراطية وحق تقرير المصير.

إن أمراض المجتمعات ومنها التطرف المؤدي إلى الإرهاب تتم معالجتها بالتنمية، وصَدَقَ الرئيس الجزائري الأسبق “هواري بوميدين”: إن أفضل حبة دواء هي التنمية

اللهم اشهد أني بلّغت

المهندس باسل قس نصر الله

Eng. Bassel Kasnasrallah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى