مقالات وآراء

الاستراتيجية العرفاتية / موشي يعلون

كان الهدف الاستراتيجي لياسر عرفات دولة فلسطينية من نهر الاردن إلى البحر المتوسط. لم يتنازل عرفات ابدا عن فلسطين الكاملة..
لقد كان ينظر لنفسه من زاوية تاريخية قائدا عربيا مسلما يقود شعبه نحو النصر التام على “دولة اسرائيل” وليس الوصول الى تسوية معها. غير انه قرا الخارطة السياسية الدولية جيدا ولذلك لم يعلن هذا الهدف صراحة بل قام بالمناورة ثم المناورة، لقد كانت المناورة اهم مواهبه.
لقد ناور أمام المعسكر الشرقي ثم لاحقا أمام الأوروبيين وفي نهاية المطاف ايضا أمام الامريكيين.
ناور امام الراي العام الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية أيضا أمام العالم العربي فعل الأمر نفسه وفي داخل المجتمع الفلسطيني أبعد ثم قرب ثم قرب وأبعد.
لقد كان عرفات فنانا حقيقيا في المناورة، لقد تلاعب بالناس كما يفعل السحرة ولكنه وسط كل هذه الألاعيب والمناورات لم يفقد صلته بالهدف الاستراتيجي فقد كان دائم السعي نحو ذلك الهدف: استبدال “اسرائيل” بفلسطين.
لقد كانت نظرتي لعرفات مركبة: من جانب لا استطيع الا ان أقدره، ومن الناحية الأخرى نظرت له ببغض شديد بسبب شخصيته المخادعة.
لقد كنت اتعقبه لسنوات (مسؤولا عن ملفه) قرأت كل جزئية عنه. لقد أدركت أنه كرس حياته للقضية الفلسطينية
لقد كان خصما عنيدا.
أنا اكره الكذب غير أن علي الاعتراف بأن اكاذيبه فعلت افاعيلها. لقد اثمرث إنجازات كبيرة لشعبه ونجح عرفات في تحويل نفسه من لا شئ إلى القائد المطلق.
وعلى الرغم من أنه تسبب بالخراب في لبنان والأردن وايضا ل”اسرائيل” غير ان الخراب لم يكن من اجل الخراب.
بوسط هذه الخرائب كان يرى هدفه واتجه نحوه عبرها.
لقد كان محاطا بالفساد غير أنه هو نفسه كان يعيش حياة متواضعة. استخدم الفساد – من الفلسطينيين ومن الاسرائيليين- في خدمة هدفه الوطني.
لم تكن تعني الحياة الجيدة له شيئا، كل ما يقوم به كان خالصا للقضية الفلسطينية.
لقد كان مجندا بشكل تام لفلسطين، علاقته بفلسطين كانت مطلقة.
هناك من يقول إن إفساد جهات من خصومه لم تكن خطة، لكنه فعل كذلك مع أطراف عديدة في لبنان بين عامي 1970 و 1982 وكذلك فعل مع شخصيات إسرائيلية تحديدا عبر رجله المقرب محمد رشيد.
لذلك كانت تقلقني الصلات التجارية بين عرفات ورجاله مع شخصيات إسرائيلية عملت في السابق في الأجهزة الأمنية مثل يوسي جينوسار، وبالتأكيد بينهم وبين شخصيات مقربة من رئيس وزرائنا مثل عمري شارون والمحامي دوف فايسغلاس.
التاريخ سيقرر إن كان عرفات محقا أم لا . إذا نجحت “اسرائيل” بالبقاء والعيش ك”دولة يهودية” تعيش بأمن إلى الأبد، فإن عرفات لم يكن محقا، و إذا لم يكن كذلك فإن عرفات سيكون محقا.
في كل الأحوال يجب النظر بنزاهة فكرية والإقرار بأن الروح الفلسطينية التي بلورها عرفات لم تكن روحا تتحدث عن إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 بل كانت روحا تعمل على هدم “دولة اسرائيل” وإقامة شيئ آخر مختلف على أنقاضها.
صحيح يدور الحديث عن التنفيذ على مراحل، غير أن المرحلة الأكثر أهمية هي تدمير “دولة اسرائيل”. لهذا الهدف سعى عرفات كل حياته وهذا هو الإرث الذي تركه للأجيال الفلسطينية القادمة.
(موشيه يعلون النسخة المحدثة من كتابه الطريق الطويل القصير) جزء عرفات انا الثورة

ترجمة معاوية موسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى