كورونا الألمانية بين مؤامرة سياسية وحرب بيولوجية

خميس, 23/04/2020 - 22:07

دوسلدورف/ أحمد سليمان العمري (خاص/ التواصل)

لأول مرة أتردّد قبل كتابة مقالة، لا بل تردّدت كثيراً، فقد كثر الهرج والمرج وتحليلات وأرقام في جلّ العناوين والصحف دون أي مرجعية أو مصداقية، فقد شاهدت لقاءات تلفزيونية عربية عديدة قدّم ضيوفها إحصائيات وتفصيل أحياناً عارٍ عن الصحة، على الأقل حول الدولة التي أنا اليوم في صدد الحديث عنها، وحتى لا أكون واحداً من بعضهم خصّصت هذا الطرح حصراً للحديث عن دولة واحدة تتأرجح بين ثالث الدول وخامسها عالمياً من حيث إصابات الكورونا، وهي التي لجأ لها بعض دول الجوار لاحتضان إصابات للتخفيف من الأزمة الخانقة التي تعانيها هذه الدول. حديثنا اليوم سيكون عن ألمانيا وجاهزيتها من حيث عدد أسرّة العناية الحثيثة وأجهزة التنفس والكادر الطبي المؤهّل والتطرّق إلى إمكانياتها الحقيقية ومواطن ضعفها، بالإضافة إلى الأعداد التي وصلت إليها من إيطاليا وفرنسا.  

فهل المستشفيات الألمانية مستعدّة لهذا الفيض من فيروس كورونا؟

إن الوضع الحالي حقيقة يمثّل تحدّياً غير مسبوق لجميع شرائح المجتمع، فلهذا تستعد المستشفيات في جميع الولايات للتأهب لأعداد كبيرة وضغوط قد تكون قهرية من الذين يعانون أعراض الفيروس. لذلك تهدف كلّ الأنشطة الحكومية لإبطاء الانتشار والاستعداد لإمكانية إستقبال أكبر عدد ممكن من المصابين في المستشفيات الذين يحتاج بعضهم بالضرورة لأسرّة في غرف العناية المركّزة لضمان أفضل رعاية ممكنة.

قبل أن يدخل الوباء العالمي كورونا إلى ألمانيا وقبل أن تتخذ الحكومة أي إجراء إحترازي لإحتمالية وصوله، كانت المسشتفيات في جميع أنحاء الدولة مجّهزة بـ 28 ألف سرير في العناية الحثيثة و 25 ألف جهاز تنفس.

ومن الجدير ذكره أنّ الحكومة الألمانية طلبت في بداية شهر فبراير/شباط 10.000 جهاز تنفس من الشركة الألمانية المعروفة "Draeger" و 6500 أخرى من شركة Loewenstein"" لتصل حصيلة الأجهزة حتى نهاية العام إلى 44.500. حسب تصريح وزير الصحة "ينس شبان". وبين سرير وجهاز تنفس وصل عدد الشاغر منها بين 20 إلى 30 بالمائة، وما بدأت الحالات بالتزايد حتى أوشك عدد الأسرّة للوصول إلى 40 الف سرير منها 15 إلى 20 ألف شاغر و 30 ألف جهاز تنفس، منها 2000 سرير لحالات كورونا حثيثة. وبهذا يتوفر لكل حالة كورونا حثيثة سرير وجهاز تنفس. حسب ما ورد عن رئيس الرابطة الألمانية للمستشفيات "DKG" "جيرالد جاس". فضلاً عن إقبال المستشفيات على إخلاء أسرّة العناية المركزّة، إلّا الاضطرارية منها لتجهيز المؤسّسة الطبية حتى تبقي تفاقم أعداد الإصابات تحت السيطرة.

 الاستعدادات الطبية

تعتبر توصيات معهد البحوث الألماني روبرت كوخ "RKI" حاسمة وقطعية في تشخيص وعلاج المرضى المشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا.

إلزام جميع المستشفيات والمؤسّسات الصحية طلب المعلومات المحدّثة من مركز روبرت كوخ  والمركز الاتحادي للتثقيف الصحي بشكل دوري ومنتظم وإتاحتها للموظفين والمرضى حتى تكون لدى المستشفيات خطط واضحة وجاهزية كاملة في حالة حدوث جائحة.

كثيراً ما نسمع في الفترة الأخيرة عن معهد البحوث الألماني روبرت كوخ "RKI"، هذه المؤسّسة أو معهد البحوث الذي لم يعرفه قبل غير المختصين، اليوم بين تصريح ومقابلة أو مداخلة ينقل هذا أو ذاك تطورات الوباء عن معهد البحوث روبرت كوخ، ونادراً جداً ما تتحدّث وزارة الصحة دون أن تذكر هي الأخرى ذات المؤسّسة، رغم أن الوضع الطبيعي يحتّم على الوزارة كامل المسؤولية بين تجهيز وبحوث وتقديم أرقام دون الرجوع إلى الأخرى، فما هي هذه المؤسّسة التي تتجاوز الأخرى في أعمالها وخاصة بما يتعلق بهذا الوباء؟

ارتأيت أن أقدّم بعضاً عن هذه المنظومة الصحية للتعريف بدورها في هذه الأزمة، والأسباب التي بدا دورها في هذه الوباء العالمي بجلاء ليكون عند المتلقي صورة كاملة بدل الأسماء.

مؤسّسة روبرت كوخ هي المؤسّسة الاتحادية العليا للأمراض المعدية وغير المعدية، وهي معنيّة بشكل عام في الصحة العامة، وواحدة من أقدم الهيئات من نوعها في العالم. ويعتبر البحث العلمي هو حجر الأساس لعملها، لذلك فإنّها قادرة على تصنيف المخاطر الصحية ووضع توصيات وقواعد ومواصفات قياسية لها هالة القانون لتحسين النظام الصحي.

أمّا عن أهم التدابير الاحترازية الأساسية فهي تتمحور في تحديث وإتاحة المعلومات حول انتشار الفيروس وتدريب الموظفين بما يتناسب وتطور الوباء ومراقبة مخزون المعدات الاحترازية للموظفين والمرضى والأدوية والمواد المطهّرة وفصل مناطق العزل عن الأقسام الأخرى، وخلق نقاط مراقبة لضبط أعداد الزوار ومنع التجمعات، بالإضافة إلى معلومات عن المرضى كافية وزوّارهم والأخذ بالاعتبار إمكانية توسيع وتَيَسير الطاقات الاستيعابية.

بدأ الإتحاد الألماني للتخصّصات المتعدّدة للعناية الحثيثة وطب الطوارئ "DIVI" ومعهد البحوث روبرت كوخ والرابطة الألمانية للمستشفيات بتفعيل ما يسمى بـ "سجل العناية الحثيثة" من خلال منصّة إلكترونية لإتاحة التواصل المشترك ومعرفة مكان وجود أجهزة التنفس الشاغرة في جميع المستشفيات وتوفرها، حيث تعتمد هذه المنصّة على جميع المؤسّسات الطبية في تحديث بياناتها اليومية بشكل مستقل وحصري بين المسشفيات، لضمان التنسيق الإقليمي لإتاحة أسرّة العناية الحثيثة لمرضى كورونا على أمل منع الاختناق وإمداد الأقسام وتغذيتها بالأجهزة الضرورية كأجهزة التنفس وأسرّة العناية المركزة.

الإجراءات الوقائية

أقدمت الحكومة الألمانية على عدّة من الإجراءات الأحترازية القانونية للحدّ من تفشي الفيروس ومكافحة انتشاره، فقد بدأت بحظر الإختلاط لأكثر من شخصين خارج نطاق العائلة في جميع أنحاء الدولة، وفرض مخالفات مالية تتجاوز ال 200 يورو على الأشخاص، أمّا بما يتعلق بإغلاق المتاجر بإستثناء الصيدليات والمواد الغذائية فقد فرضت كمخالفة أولى على مثل هذه المحلات والمطاعم مبلغ 5000 يورو ليصل في المخالفة الثانية أو الثالثة إلى 25 ألف وهكذا حسب حجم المتجر وعدد زائريه. هذا بالإضافة إلى إغلاق الجامعات والمدارس والمؤسّسات الكبيرة وإلغاء الأنشطة الإجتماعية وبعض المراكز الطبية كالعلاج الطبيعي للحالات غير الضرورية وإلى ما شابه ذلك.

في المقابل تبنّت الحكومة حزمة من المساعدات لا مثيل لها، من خلال ديون جديدة ممثّلة بقروض وإعانات طارئة، لتصل مظلّة الدعم إلى 156 مليار يورو بُغية تحقيق الاستقرار في الاقتصاد ودعم شركات ومؤسّسات كبيرة، متوسطة وصغيرة، وفي ذات الوقت بدأ يوم الاثنين 23 مارس/آذار برنامج قروض خاص وغير محدّد من بنك الائتمان لإعادة التنمية "KfW"، بالإضافة إلى دعم الأسر والمستأجرين غير القادرين وشريحة من الموظفين والعاطلين عن العمل وكثير من القطاعات والأفراد.

وبهذا يسقط ​​الصفر الأسود في الميزانية الفيدرالية بعد مرور ستة سنوات خالية من الديون. والصفر الأسود يشير إلى موازنة متكافئة أو متأرجحة بين ربح وخسارة، لذلك أقرّ البرلمان يوم الأثنين 23 مارس/أذار هذه التدابير لضمان وصول المساعدات بسرعة، وتلته بيومين، يوم الأربعاء 25 مارس/أذار موافقة المجلس الاتحادي.

ربما أتت مثل هذه التدابير متأخرة في ألمانيا نوعاً ما، حيث ساهم هذا التأخر في إنتشار الوياء في ولاية الـ "NRW" بشكل كبير حتى أصبحت هذه الولاية تُعد المنطقة الموبوءة على مستوى الدولة، ويرجع هذا إلى مناسبة اجتماعية معروفة وهي "الكرنفال" الذي يأتونه الناس من كل حدب وصوب بأعداد هائلة، ممّا ساهم في أنتشاره بشكل سريع وخطير.

أول حالة إصابة بفيروس كورونا كانت في ديسمبر/كانون الأول في الصين، اليوم ووفقاً لأرقام من جامعة "جونز هوبكنز" أوشك على مليوني إصابة في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك يمكن الافتراض بأنّ عدد الحالات غير المبلّغ عنها أعلى بكثير ممّا هو معلن. ووفقًا لذلك فإنّ حالات الوفيات لغاية الآن أكثر من 124،544 ألف شخص ناجمة عن الفيروس، ولقد تصدّرت إيطاليا الحصيلة الأعلى من حالات الوفيات لتصل إلى 21.669 ألف، أمّا ألمانيا فقد وصلت الإصابات يوم الاثنين 14 أبريل/نيسان إلى 131.170 ألف إصابة لتُسجّل 3.272 حالة وفاة، ومع ذلك فإن عدد الوفيات بالمقارنة مع الدول الأخرى منخفض للغاية، حيث يعزو الخبراء هذا الانخفاض إلى ثلاثة أسباب، أولها الإجراءات الاحترازية الجيدة، ثانياً الرعاية الصحية فائقة العناية والحقيقة الثالثة هي أنّ غالبية المصابين هم من الشباب الأقل عرضة للمرض.

صرح البروفيسور "جورج تيم" رئيس مركز علم الفيروسات في جامعة دوسلدورف "هاينرش هاينه" في 29 مارس/أذار أنّ ارتفاع حالات الإصابة أخذ الأيام الأخيرة بالتراجع، غير أنّه أردف بعدم إمكانية تقديم أرقام أو تواريخ دقيقة قبل فترة عيد الفصح المجيد.

غير أنّ النمسا عزمت من خلال تصريح مستشارها "سيباستيان كورتز"على تخفيف إجراءاتها الصارمة بعد عيد الفصح تدريجياً في مكافحة الكورونا، وهو أول رئيس في الإتحاد الأوروبي الذي يقدم على تقنين القيود الاحترازية. كذلك صرّحت ميركل بعد يوم واحد بأنّها لن تخفّف الإجراءات الاحترازية قبل 19 مارس/آذار، وإن حصل تخفيف على التدابير والقيود الوقائية في المستقبل فسيكون تدريجي وبطيء، بيدَ أنّ قرار محكمة ولاية "مكلنبورغ فوربومرن" الصادر في 9 مارس/آذار كان الأول الذي بدأ بإلغاء حظر السفر في فترة عيد الفصح، حيث مكّن سكان الولاية دوناً عن غيرهم الذهاب في رحلات إلى بحر البلطيق وبحيرات المنطقة، وبهذا تكون ألمانيا هي الأولى فعلاً التي بدأت بالتقليل من الإجراءات الاحترازية والإقبال على تنفيذ المخالطة.

وجزئية أخرى لا بدّ من ذكرها في هذا المقام هي أنّ الدول العظمى والأوائل عالمياً في تصنيع السلاح وتصديره كأمريكا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا وبريطانيا وبلجيكا أثبتت إخفاقها في المنظومة الصحية ومثالها امتلاك بريطانيا 5.900 جهاز تنفس ومصادر أخرى تحدثت عن 8000 فقط، بينهم 900 للأطفال، وهي التي تتصدر القوائم الأولى عالمياً عسكرياً.

تفاقم أعداد الإصابات الآن في بلجيكا، في الوقت ذاته استقراره أو انخفاضه في دول الجوار يثير التساؤل، هل هو إخفاق المنظومة الصحية رغم وجود أجهزة تنفس تغطي الاحتياج؟ بالإضافة إلى تطوع ٢٠٠ خبير في جامعة "Leuven" البلجيكية لتطوير أجهزة تنفس تحسباً لكارثة. أم أنّ الفيروس أخذ طوراً يكاد أن يصل لذروة المنحنى الذي يتوقعه الخبراء ليعاود الإنخفاض؟

"إيفس كوبيترز"، بروفيسور علم الأوبئة في جامعة "بروكسل الحرة ULB" له رأي آخر قدّ يخفّف الحمل على أصحاب القرار في بلجيكا أو علّه يزرع الأمل والطمأنينة بين العامّة، فهو يؤكّد أنّ هناك حالات وفاة مفرطة خارج المستشفيات وخاصة في دور الرعاية للمسنين التي لم تخضع لفحص الكورونا والبالغة 40 بالمائة من مجمل الوفيات، وبالتالي ليس من المؤكّد أنّ فيروس كورونا هو السبب الرئيس لأعداد الوفيات. فمعدل الوفيات الفعلي في علم الأوبئة هو عدد الوفيات بين المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، والمتوقع أن يتراوح بين 1 إلى 2 بالمائة مقارنة بشهر مارس/أذار العام الماضي، وبناءً على هذا فإن النسبة الإجمالية قد تزيد بما معدله 10 بالمائة.

الأكيد والأكثر بعداً عن الشك وأقرب إلى اليقين هو بقاء وباء كورونا العالمي حديث العامة والخاصّة في الأشهر القادمة، بين حديث مجالس وأخرى بحوث علمية، بين فيروس حقيقي يجتاح العالم وبين مؤامرة سياسية خرجت عن السيطرة، أو حرب بيولوجية، أو علّه عقاب الله في الأرض كما يتبناه هذا أو ذاك، وبين هذا وذاك للحكيم أن يستثمر اللُّحمة في الأسرة ويرجع لبناء ما ضعضعته أزمة الحياة وصخبها والظروف ورتابة الأيام وفاتورة كهرباء من هنا ودَينونَة ماء من هناك ليعيد هيكلة البناء العائلي السعيد من جديد.  

 

أحمد سليمان العمري