مطرٌ مكتهلٌ في شتاء امرأة (شعر ... مترجم للإنجليزية)

أحد, 06/10/2019 - 21:32

نمر سعدي/ فلسطين (خاص / التواصل)

القصائدُ غالباً ما تكونُ حصانا طرواديِّاً أختبئُ فيهِ

وأنا أتنقَّلُ بينَ الكناياتِ المحمومةِ وأقبيةِ الحمامِ الزاجلِ

بينَ أسرَّةِ الفراغِ ونسوةٍ يمضغنَ أضغاثَ الأحلامِ اليابسةِ

أحملُ فوقَ رأسي جرَّةً من ماءِ النوستالجيا

وأتوارى عن هواجس امرأةٍ

تحوِّلني عصا أُنوثتها السحريَّةُ

إلى شجرةِ ليمونٍ في حديقةٍ مهجورةٍ

القصائدُ سفينةٌ خضراءُ مسكونةٌ بالبحارِ والمحيطاتِ

لكنها منذُ ملايينِ السنينِ الضوئيَّةِ لم تبرحْ شاطئَ قلبي

*

منذُ الظهيرةِ، منذُ الصاعدينَ إلى

أحزانِ بابلَ أو آلامِ سيدوري

أُحمِّلُ الريحَ والأشجارَ حدسَ دمي

وأقتفي أثرَ الناياتِ في الحورِ

ليلُ الشتاءِ مصبٌّ للقصائدِ في

أصابعِ امرأةٍ.. أو وردها الجوري

أُصغي إلى شعراءٍ يهمسونَ كمن

يُصغي إلى دمعةٍ في مقلةِ السورِ

*

قارورةٌ مائيَّةٌ ملأى بأنواعِ الزنابقِ والفصولِ

فلا تكنْ فظَّاً فتكسرَها

لأنَّكَ من شظاياها ستحشو قلبكَ الورقيَّ يوما ما

ولو كنتَ الوصيَّ على مفاتنها الكثيرةِ..

هل تركتَ نحيبها الأبديَّ ينمو كالضفيرةِ

في صدى الرغباتِ

أو كالعشبِ في ظلِّ الندى القمريِّ

فيما أنتَ منشغلٌ بأشعارِ النسيبِ وبالبكائيَّاتِ؟

لن يأتي إليكَ الموتُ من سردابِ عينيها

ولن تنحلَّ قُبلةُ غيرها أبداً على عينيكَ

وهيَ تراودُ الكلماتِ عن أسرارِ معناها..

سريركَ فارغٌ والحلمٌ كابوسٌ

فهل تغفو بعيداً عن سنابلِ شَعرها الخمريِّ؟

أو تلتفُّ بامرأةٍ سواها.. نصفها شبحٌ

ونصفٌ ظلُّ ذئبٍ جائعٍ

يهذي ويأكلُ زهرةَ النسيانْ؟

*

أبحثُ في الرسائلِ القديمةِ عن شامةِ امرأةٍ أربعينيَّةٍ

عن طريقٍ مرصوفةٍ برائحةِ زهورِ النارنجِ

وبأعقابِ الغراميَّاتِ المستهلكةِ في قصائدِ البدوِ الرُّحلِ

أبحثُ في غبارِ الفراشةِ عن وجهِ زليخةَ

وعن أثرِ قبلتي على وردتها الرخاميَّةِ

أبحثُ في طريقي الطويلةِ إلى البيتِ

عن قطعةِ نردٍ واحدةٍ منسيَّةٍ

أنقشُ عليها وجهي وأرميها على أرضِ القصيدةِ

أبحثُ في محطَّاتِ القطارِ

عن مطرٍ مكتهلٍ في شتاءِ امرأةْ

*

صادقتُ في صغري الشتاءاتِ البعيدةَ

كانتْ البابَ الخفيَّ إلى عوالمِ سندبادَ..

سفينةً خضراءَ أو حوريَّةً حوراءَ

توقظني بتمريرِ ابتسامتها على وجهي

لأحلمَ بي صغيراً راكضاً خلفَ الطيورِ..

كأنَّ في روحي الخفيفةِ مثلَ غيمِ القطنِ

تزهرُ أبجديَّاتُ الأُنوثةِ حينما تهمي السماءُ

وحينَ تربدُّ الغيومُ..

وتستفيقُ على صدى القطراتِ رائحةٌ لحُبٍّ عاثرٍ ما

أو خطى امرأةٍ من الليمونِ

تتركُ حبرها السريَّ في هذي القصيدةِ

*

لا أعرفُ كيفَ اصطبغَ البرقوقُ بفمي

في مطلعِ كلِّ سنةٍ ضوئيَّةٍ

تعجنها متاهةُ الأملِ على نارٍ هادئةٍ

وعلى مرأى نوافذَ مضاءةٍ بالظنونِ..

لا أعرفُ كيفَ صنعتُ قوساً من ظلِّ الظهيرةِ الفضيِّ

أو سهماً من خطٍّ مستقيمٍ تركتهُ الحيرةُ في رملِ نهارٍ قائظٍ

ولا كيفَ أسندتُ ظهري المتعبَ إلى تنهدَّاتِ حوضِ الحبقِ

علَّمتني الحياةُ ما لم أكن أعرفُ

أن صخرةً أحملها منذُ الأزلِ

لن تصبحَ ريشةَ طائرِ في مهبِّ الأغاني

أو أثراً لفراشةٍ عابرةٍ

وأنَّ قلبَ الشاعرِ يشبهُ غربالاً بحجمِ الأرقِ

تصبُّ فيهِ بحارٌ من النساءِ

*

لا أكتبُ في المقهى أو في الحانةِ أبداً

كالشعراءِ الدجَّالينَ أو الرومانسيِّينَ المنسيِّينَ

فمنذُ وُلدتُ غريباً وأنا

أتناسلُ من كحلِ قصائدَ شاعرةٍ لا أعرفها..

وأفتِّشُ عن وجهي في ظلِّ الأنهارِ

أطيرُ خلافَ الريحِ وأُبحرُ ضدَّ التيَّارِ الأعمى

أكتبُ فوقَ الماءِ، على ورقِ البُرديِّ

على أهدابِ امرأةٍ في شكلِ غزالٍ أو فرسٍ

أمسحُ عن دمعتها كلَّ ذرورِ المكياجِ

وأنصاعُ لرغبتها في الرقصِ

وفي تنويمِ ضفائرها في الليلِ الباردِ فوقَ الأرضِ

وأحبسُ نفسي في بيتٍ

تسكنهُ أرواحُ الشعراءِ وأشباحُ الفيسبوكْ

*

امرأةٌ في استراحةِ بعدَ الظهيرةِ تشعرُ بالضجَرِ التامِّ

تقرأُ مرتفعاتِ العشيقاتِ..

تتركُ مقعدها شاغراً للكلامِ الإضافيِّ عن لعنةِ الحبِّ

أو عن حنينِ الحمامِ السماويِّ..

لا رجلٌ في الخريفِ يراودها عن حدائقها قائلاً:

لستِ كومبارسَ في الفيلمِ أو وصلةً في أغاني الهُواةِ

ولا ظبيةً في معلَّقةِ الرملِ، أو فرساً

في صدى شعرنا الجاهليِّ القديمِ، بلا طائلٍ..

أنتِ شمسٌ مرمَّمةٌ بالكنايةِ أو بندى العشبِ والأُقحوانِ

تضيءُ طريقي إلى ليلها وإلى رغبتي، وتُجلِّي اشتهائي

بنافورةٍ من دموعِ التماسيحِ في صوتها المعدنيِّ..

تُربِّي برفقٍ وصايا النساءِ

ولكنها تحرقُ الشعراءَ من الداخلِ

*

قصائدي العاريةُ المكتوبةُ بأبجديَّةٍ منقرضةٍ

القصائدُ التي تركتها في خزانةِ الملابسِ منذُ عقدينِ وأكثرَ

لم أجدها غارقةً في نومها الشتويِّ الطويلِ كما ينبغي لها أن تكونَ..

لقد تسلَّلتْ من النافذةِ إلى أقربِ سماءٍ على هذهِ الأرضِ

وأصبحتْ غابةً من أشجار الصفصافِ والغارِ

وعصافيرُ الدوريِّ الأنيقةُ التي رسمتها في الصبا

على شكلِ امرأةٍ ترقصُ وحيدةً

بقلمِ الرصاصِ المزركشِ بالنجومِ الزرقاءِ الصغيرةِ

باغتتني وطارتْ من الدُرجِ المقفلِ بحذوةِ فرسٍ وزهرةِ نارنجٍ يابسةٍ

لتكملَ هجرتها إلى الشمالِ أو إلى امرأةٍ وحيدةٍ

*

في داخلي مطرٌ وفوقَ قصيدتي

ويدٌ من المطرِ الخفيِّ تدقُّ خلفي البابَ

هل أجتازُ أشجارَ الشتاءِ كقُبلةٍ في الريحِ؟

أم أضعُ الشفاهَ على رفيفِ سنابلِ امرأةٍ..

وأتركُ من ورائي الليلَ مفتوحاً على أرقي بمصراعيهِ؟

كيْ أجدَ احتوائي في التي أهوى..

المسافةُ كالخرافةِ بينَ أجنحتي المصابةِ بالرمادِ

وبينَ عطرِ سريرها الصيفيِّ في قرِّ الشتاءِ

*

نمسكُ أذيالَ أحلامنا لا لشيءٍ

ولكنْ لننجو من الزمهريرِ أو الليلِ

نرسمُ مثلَ الصغارِ على حائطٍ مُهملٍ

وردةً نصفَ رمليَّةٍ وطريقاً إلى البيتِ

مشتى طيورٍ شتائيَّةٍ ومزارعَ عبَّادِ شمسٍ

كأنَّا سكارى غناءِ الجبالِ

كأنَّا حيارى نخطُّ قصائدنا بالشفاهِ

ونحضنُ أوهامنا بالعيونِ

*

لا وقتَ عندي للوقوفِ أمامِ سرِّ تبسُّمِ جيوكندا

والتفكيرِ في ألوانِ فان غوخَ التعيسِ

ولا لأحفنَ ماءَ صوتِ أميرةٍ شرقيَّةِ العينينِ

بالكفَّينِ والفمِ

صوتُها ظلُّ البنفسجِ.. صوتُها

البحريُّ سرُّ تأوُّهاتِ نساءِ لوركا

في الغناءِ المسرحيِّ

وزهرةٌ بيضاءُ ضاعتْ في التلفُّتِ

والحنينِ إلى الوراءِ

*

منديلها النيليُّ لا يُخفي ضفائرها الطويلةَ

أو صراخَ الماءِ في أعلى قناديلِ الرياحِ

هي الفلسطينيَّةُ الأحلى

يداها نخلتانِ صغيرتانِ.. فراشتانِ تهيِّجانِ دمي..

مفاتنها ملايينُ المناقيرِ الصغيرةِ في الثيابِ

*

متصالحٌ مع جمالها وليسَ معها

بيننا مسافاتٌ ضوئيَّةٌ كتنهدَّاتِ الظلالِ

ومطالعُ ناقصةٌ لقصائدَ رعويَّةٍ

على فمها وردةٌ أكلها أنكيدو

وعلى فمي زفرةٌ مُضاءةٌ كالحبَّارِ

متصالحٌ مع أمواجها كسندبادٍ ضلِّيلٍ

وليسَ مع بحرها المعلَّقِ كالقنديلِ في قلبي

*

طالما في شفاهِ التماثيلِ

يكبرُ عشبُ القصائدِ أو شغفُ النسوةِ الحالماتْ

لن أسألَ الريحَ عن خفقانِ الضفائرِ..

أو قمراً خافتاً في النهارِ الخريفيِّ

عن وجُهةِ الكحلِ في الأُغنياتْ

*

أينَ طوقُ النجاةِ وطوقُ الحمامةِ؟

في داخلي مطرٌ

أينَ أهربُ منهُ؟

وفي كاحلي وردةٌ من لهبْ

لا أُريدُ الجمالَ الذي ليسَ يجرحني

مثلما يجرحُ الليلَ ماءُ الغناءِ الشجيِّ

وتجرحُ تنهيدةٌ في الكمنجةِ أو في الهواءِ النديِّ

المسافةَ بينَ دمي والقصيدةِ

بينَ فمي والعناقيدِ

بينَ الصدى وحنينِ القصَبْ

***

NEMER SAADY -

OLD RAIN IN A WOMAN'S WINTER

(Excerpts)

1

In my childhood, I befriended distant winters.

They were the back door to Sinbad's world—a green ship or charming nymph

who wakes me up by passing her smile over my face

and I dream of myself a child chasing birds—

as though in my soul, which is as light as cotton clouds, the feminine alphabet blossoms when the sky fills with dark clouds and then rains,

and to the raindrop's echo awakes the smell of lost love

or the footsteps of a woman made of lemon

who leaves her secret ink in this poem

2

I never write at coffeehouses or bars

like imposter poets or forgotten romantic people.

Since I was born a stranger

I reproduce from the kohl of poems written by a woman I don't know.

I search for my face in the shade of rivers;

I fly against the wind and sail against the blind tide;

I write on the water, on the papyrus,

on the eyelashes of a woman in the form of a deer or a horse.

I wipe her make-up off her tear,

and follow her desire to dance,

and to hypnotize her braids that sleep on the floor in the cold night.

I lock myself up in a house

haunted by poets' souls and Facebook ghosts.

3

There is rain inside me and on my poem;

a hand of invisible rain knocks on the door behind me.

Will I pass winter trees like a kiss in the wind?

Or will I put lips on a fluttering woman,

and leave behind me the night opening its door wide to my insomnia

to find myself contained by the one I love?

Distance is like a superstition between my wings, full of ashes,

and the fragrance of her summer bed in the cold winter.

4

We catch the tails of our dream for nothing

but to survive the cold or the night.

Like children, we draw on a deserted wall

a half-sandy rose, a road back home,

a home for winter birds and sunflower farms,

as though we were drunk by the singing of the mountains,

as though we were confused, writing our poems by lips

and embrace our illusions with eyes.

5

I have no time to think of the secret of La Joconde's smile,

or to think of the colours of the miserable Van Gogh,

or to cup with my hands and mouth

the water of an eastern-eyed princess.

Her voice is the shade of a violet. Her navy voice is the secret behind the moaning of Lorca's women in the theatrical singing.

It's a white flower lost in looking around

and longing to the past.

6

Her napkin does not hide her long braids

or the screams of water at the top of lanterns in the wind.

She is the most beautiful Palestinian.

Her hands are small palm-trees, two butterflies stirring my blood.

Her charms are millions of tiny beaks on the dress.

7

Where is the life ring and where is the dove collar?

There is rain inside me;

where to escape it?

And there is a rose of flame in my ankle.

I don't want the beauty that doesn't wound me just like a melodious singing wounds the night

just like a sigh on the violin or in the dewy air wounds the distance between my blood and the poem

between my mouth and the grape clusters,

between the echo and the sugar-cane longing.

 

NEMER SAADY - PALESTINE

Translated from the Arabic by Sayed Gouda