صبر فقوعة إذا أثبت وجوده، كنافة نابلس لا يوجد لها حساب

ثلاثاء, 03/09/2019 - 22:59

 صبا أبو فرحة – فلسطين (خاص/ التواصل)

رافقتُ الحاجة يسرى أبو فرحة (63 عاماً) في الساعات الأولى من شروق شمس ال30 من آب 2019، التي كانت تردي ثوبها الفلاحي، وتحمل بيدها سطلا بلاستيكيا أسود اللون، وقفازات سميكة حمراء،متجهة بنشاط لتجمع فاكهة الصبر.

وبعدأن سمت بالله وذكرت دعاء الرزق بصوت خافت، باشرت أبو فرحة بجني الثمار عبر أداة قطف الصبر- قطعة معدنية مفتوحة الجهتين مثبتة بعصا خشبية طولها حوالي متر-، فكانت تقطف الثمار الحمراء والصفراء، أما الخضراء فتتركها ليومٍ آخر حتى تنضج.

فاستدارت يميناً وإذا بجدار الفصل العنصري أمامنا، فنظرَت وعيونها توحي بالحزن:"شايفة هالجدار هاد أكل الكثير من أراضي القرية، مليان أشجار صبر طبعاً ممنوع إحنا نوصلها"وبالرغم من هذه المعيقات، فإن فقوعة التي تقع شرق مدينة جنين، مازالت تعد مركزاً مهماً لتسويق الصبر محلياً؛ ليكون في متناول الكثير لما يتمتع به منمذاقلذيذوفوائدصحيةمتعددة.

وقالت أبو فرحة بصوت فيه تحدي: "الصبر سورقويللمزرعة، محدا بفكر بمغامرةالقفزعنالشجرة عشان في شوك".

وبالتزامن مع النسمات الصيفية الصباحية، كانت أشجار الصبر العتيقة التي تملئ الحقول المجاورة تتمايل وكأنها تعانق أشواكها الناعمة باشتياق، فهذه الثمرة متوفرة فقط خلال شهري تموز وآب.

فتذكرت المثل الشعبي" بتموزاقطفالكوز" الذي يردده الفلسطينيون كثيراً عند اقتراب موسم قطف الصبر.

فراودني سؤال عن سبب القطف في الصباح الباكر، وبنغمة فيها ثقة كشفت لي أبو فرحة عن السبب: "وجودقطراتالندىعلىالثمار،يمنعتطايرأشواكهاالخارجية".

وبينما كانت أبو فرحة منهمكة في قطف الثمر، وأهازيجها تملأ المكان، رجعت بي الذاكرة عندما كنا نجسد العرس الفلسطيني في تشرين الأول من كل عام عند قطف الزيتون.

فهذه الفاكهة الحمراء التي تشبه التين، تحتوي من الداخل على اللب اللحمي الممتلئ بالبذور الصغيرة،أما قشرتها فهي سميكة تحتوي على مسام كثيرة، تنبت في كل منها أكثر من شوكة دقيقة جدا، وناعمة حادة  لا يكاد منزل في فقوعة يخلو منها إذ يعدونها مصدراً لدخلهم.

وبشكل مفاجئ جاء المزارع محمد أبو خميس الذي كان يرتدي قميصاً مقلماً و يركب حمار أبيض اللون مسرعاً والبسمة تملئ وجهه فبدا لي أنه جنى من الثمار ما يكفي ليسد قوت أولاده الصغار.

تجمع أبو فرحة في اليوم الواحد أكثر من 230 حبة من الصبر، وتضعها في سطل بلاستيكي أسود اللون، وتبيعها بـ 30 شيقلاً.

روت لي يسرى لحظات جميلة من الذاكرة، عندما كانت والدتها تنصحها بأكل الصبريومياً كوجبة صباحية، مع خبز الطابون أيام الحر الشديد (القيظ)، وبضحكة خفيفة:" الصبر يشرح البال ويصلح الحال، ويجلب بنت الحلال".

وبعد نصف ساعة، بدأت أبو فرحة بتنظيف "الكوز" من الأشواك، مستخدمة أغصان شجر الخروب، وكانت ترتدي القفازات البلاستيكية والضحكات تملأ وجهها القمحي،  فبدا لي أنها في غاية السعادة لهذا الانجاز، ثم  قدمت لي دلو صبر فصافحتها مغادرة صوب منزلي.

 

[1]طالبة في الجامعة العربية الأمريكية، تدرس اللغة العربية والإعلام