ما لا يرى شاعرٌ في امرأة .... شعر

أحد, 25/08/2019 - 21:57

نمر سعدي/ فلسطين (خاص / التواصل)

ستكتبُ شاعرةٌ: لا تخفْ يا صديقي العزيزَ ولا ترتبكْ

إن أضعتَ مفاتيحَ قلعتيَ المغلقةْ

ربَّما لم أُقدِّم لكَ التوتَ في لوحةِ الماءِ

أو عطرَ تفَّاحتي البكرِ يوماً على طبقِ الليلِ..

أو ربَّما أنتَ لا تستحقُّ الدخولَ إلى رغبتي الضيِّقةْ

*

أُريدُ كلاماً بسيطاً من القطنِ

أو عرقِ الحاصداتِ المضيءِ

كلاماً من اللهفةِ الساحليَّةِ أو زبدِ الماءِ والرملِ

أغزلُ منهُ وشاحاً من الأُقحوانِ الخفيفِ

وهمسَ قميصٍ لمن يستحمُّ بصلصالها

وجهُ شمسِ الخريفِ..

أُريدُ كلاماً قليلاً ولو كانَ طلعَ غبارِ الشتاءِ

فقلبي بضحكةِ إحدى الجميلاتِ ينبضُ

مثلَ الحديقةِ تنهضُ من نومها في أكفِّ النساءِ

*

الصبايا كبرنَ

البناتُ الصغيراتُ من كنَّ مثلَ العصافيرِ في الأمسِ صرنَ نساءً

قبائلَ من فضَّةٍ وينابيعَ، أشجارَ دفلى، حدائقَ ضوءٍ

نوافيرَ من زنبقِ الليلِ، أو أُغنياتٍ عن القمحِ والحُبِّ والاشتهاءِ

الصغيراتُ صرنَ عرائسَ..

منتشياً بالجمالِ أعودُ من الفرحِ العائليِّ

كأني على موجةٍ من ظلالِ التلهفِّ للأمسِ

ترقصُ بي رقصةَ امرأةٍ

يدها قدحٌ من عبيرِ الندى

فمها برعمٌ في شقوقِ الغناءْ

*

كلُّ شيءٍ على ما يرامُ

أُعلِّقُ في وحدتي قمراً ذابلاً كيْ أنامْ

الجراءُ الصغيرةُ تركضُ في ساحةِ البيتِ..

والذكرياتُ على حالها ما تزالُ

وبائعُ غيمِ المساءِ استقالْ

كلُّ شيءٍ على ما يرامُ

الظلالُ.. الحديقةُ.. رائحةُ الحُبِّ.. برجُ الحمامْ

قميصُكِ مُلقىً على وجهِ من يشتهيكِ

وعيناكِ من سَهَرٍ صارتا حبقاً هائجاً في دمائيَ

أو مطراً عاشقاً في الكلامْ

خاصميني لأكتبَ أو عانقيني لأنساكِ عن ظهرِ قلبٍ

فمن عادةِ الحالمينَ التشاجرُ مع شجرٍ عابرٍ في الخريفِ

إذا كانَ من نسلِ إحدى النساءْ

ومن عادةِ الحالمينَ تتبُّعُ رائحةِ العشبِ في الصيفِ

حتى أقاصي الغناءْ

والتململُ عندَ الظهيرةِ من وجعٍ في الروايةِ

والرقصُ مع ذئبةٍ بورجوازيَّةٍ في المساءْ

*

كي تنزلَ امرأةٌ من الرؤيا أمدُّ يدي إلى المرآةِ

كي نتبادلَ الأفواهَ أرسمُ زهرةً بريَّةً بيضاءَ فوقَ الماءِ

كي نشفى من الأمطارِ نصلحُ رغبةً معطوبةً فينا

ونكتبُ جملةً شعريَّةً رعويَّةً تصفُ انسكابَ فراشةٍ في الريحِ..

أو تكفي لنشربَ قبلةً سريَّةً أو نعبرَ الصحراءَ

جسمكِ يوجعُ الصلصالَ في جسمي

يضيءُ بحيرةً في القلبِ

لا تمشي على أمواجها امرأةٌ سواكِ

*

لستُ ظلَّاً ولا حجراً يا بنفسجةً في النساءْ

عانقيني لأُولدَ ثانيةً أو لأُصبحَ مزولةً للغناءْ

حبقاً في يدي

كنتِ من قبلِ أن تولدي

وكنتُ أُربِّي بساتينكِ العاليةْ

كنتُ عرَّابَ عينيكِ..

كانتْ موسيقى الغجرْ

تهبُّ علينا من البحرِ

كانَ القميصُ المشجَّرُ تنهيدةً في فمي..

في حياةٍ خلتْ كنتِ أُنشودةً.. فرساً.. قوسَ ماءْ

وأنا غيمةً كنتُ.. هجرةَ سربِ الحمامِ إلى قمرٍ للبكاءْ

دمي مثقلٌ بالعناقيدِ.. يقطرُ منهُ الحُداءْ

*

خريفٌ سليلُ الخرافةِ

يهذي بأسماءِ من عبروا في الرواياتِ

نهرٌ تعلَّقَ بامرأةٍ نطقتْ باسمهِ

حالمٌ لا يفكِّرُ إلَّا بتغييرِ مجرى مصبِّ الكمنجاتِ...

لا شيءَ يُلفتُ قلبي هنا

في ممرِّ الأغاني وسهدِ الرعاةْ

غريبٌ يحدِّقُ في عدمٍ واضحٍ..

ونساءٌ يرتِّبنَ فوضى النهارِ على مهلهنَّ..

هنا ندمٌ جارحٌ كالقبَلْ

لن أُجيدَ الكتابةَ عن ساعةِ الشمسِ

أو حزنِ جلجامشَ الأبديِّ

ولن أستطيعَ مغازلةَ امرأةٍ

والحمامُ يطيرُ خفيضاً على السهلِ

والذئبُ يعوي إلى آخرِ الليلِ كي لا يصلْ

بكاءُ العجائزِ من ألمٍ

أو صراخُ السكارى الأخيرُ...

*

أُريدُ رغبةَ كافكا في الصراخِ

وفي فوضى التفاصيلِ، وحدي كي أُرتِّبها

على هوايَ..

أُريدُ النايَ يأخذني

إلى الخريفِ..

أُريدُ الليلَ نرجسةً

موشومةً في كتابِ الحُبِّ.. ذابلةً

على يدِ امرأةٍ بيضاءَ هاربةٍ

من المزاميرِ لا أقوى على فمها

المزمومِ كالزنبقِ الناريِّ فوقَ يدي

أُريدُ هصرَ عناقيدِ الصبابةِ في

روضِ ابنِ زيدونَ..

يا ولَّادةُ ابتعدي

عمَّن سواهُ..

أُريدُ الشمسَ تشربُ من

فنجانِ قهوةِ لوركا في الصباحِ.. ولا

تمضي إلى ما وراءِ البحرِ أُغنيةً

عن الشتاءِ..

سراباً.. غيمةً.. أرقاً..

فراشةً أنشبتْ في الروحِ مخلبها

أُريدُ نزوةَ عصفورٍ يحاولُ أن

يُغري القصائدَ بالتحليقِ.. وامرأةً

بالحلمِ أو ذهبِ الرؤيا ليكتبها

بعينيَّ أُبصرُ ما لا يرى شاعرٌ في امرأةْ

وشمتْ خصرها بالسمندلِ

أو صدرها بالوشقْ

لها جسدٌ كالرمالِ التي لا تجيدُ الرثاءَ

ولا تقتفي مطرَ الليلِ في النايِ

أو أثرَ العطرِ في الثوبِ أو في بقايا العرقْ

أُعانقُ صلصالها كالغريبِ

سرابٌ يضيءُ دمائي ويطفئُ ماءَ الحبقْ

أُنادي على نجمةٍ..

أتحسَّسُ ما سيرقِّصُ سيِّدةً أربعينيَّةً في شتاءِ القرى..

ويفتِّحُ من صمتها غابةً لطيورِ تسقسقُ في أسفلِ النهرِ

أو شهوةً للأرقْ

*

أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ..

أعرفُ أنكِ مشغولةٌ بالحديثِ عن الطقسِ والدورةِ القمريَّةِ

أعرفُ أنكِ مهتاجةٌ لا لأنَّ حياتكِ تشبهُ سجنَ المعريِّ

أو قمقمَ الساحراتِ

وليسَ لأنَّ الشتاءَ قليلاً تأخَّرَ عن وردةِ النافذةْ

مهتاجةٌ هكذا.. دائماً.. دونما سببٍ

لا تحبِّينَ فان غوخَ

لا تذهبينَ إلى النومِ وحدكِ

أو تفهمينَ لغاتِ الأيائلِ..

أو تتركينَ رواياتِ يوسا وأدويةَ الاكتئابِ الخريفيِّ..

أعرفُ أني أُفكِّرُ في غيركِ الآنَ من دونِ جدوى

وأكتبُ هذي القصيدةَ من دونِ جدوى

وأقرأُ من دونِ جدوى

وأحلمُ من دونِ نومٍ إلى أبدِ الآبدينْ

*